روابط مصاحف م الكاب الاسلامي

روابط مصاحف م الكاب الاسلامي
/////////

 حمل المصحف

دعائي

فسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته} أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ خَلَقْتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين *اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب

الأربعاء، 15 فبراير 2023

عبقريات محمد صلي الله عليه وسلم العسكرية والسياسية والادارية{مقالاته}


عبقريات محمد صلي الله عليه وسلم العسكرية والسياسية والادارية{مقالاته}

بتاريخ: 04 - 03 - 1940

للأستاذ عباس محمود العقاد

خطر لي أن أجعل موضوع مقالي في هذا العدد الخاص بالعرب والإسلام بحثاً مجملاً عن عبقرية النبي عليه السلام من الوجهة العسكرية لتتم المناسبة بين المقال وبين موضوع العدد كله والوقت الذي يصدر فيه وهو وقت قتال أو تحفز لقتال

ولا محل للمشابهة بين الحرب في عهدنا هذا وبينها في عهد الرسالة الإسلامية، لأن الحرب قد أصبحت منذ ابتداء القرن العشرين حرب مواقع، كالحصون المنيعة من خط ماجينو وخط سيجفريد، أو كالخنادق التي كانت غالبة في الحرب الماضية، ولاسيما في الميادين الغربية

أما في القرن الماضي فقد كانت الحرب (حرب حركة) كما كانت قبل أربعة عشر قرناً أو قبل عشرين قرناً بغير اختلاف كبير في المبادئ والأفكار، وغاية ما هنالك أن الرامية حلت محل القوس والسهم، وأن المدفع حل محل المنجنيق، وأن القذائف حلت محل النار الإغريقية وما إليها

لهذا اخترنا أبرع القادة المحدثين على أسلوب (حرب الحركة) وهو نابليون بونابرت، لنبين السبق في خطط النبي العسكرية، بالمضاهاة بينها وبين خطط هذا القائد العظيم

1 - فنابليون كان يوجه همه الأول إلى القضاء على قوة العدو العسكرية بأسرع ما يستطيع، فلم يكن يعنيه ضرب المدن ولا اقتحام المواقع، وإنما كانت عنايته الكبرى منصرفة إلى مبادرة الجيش الذي يعتمد عليه العدو بهجمة سريعة يفاجئه بها أكثر الأحيان، وهو على يقين أن الفوز في هذه الهجمة يغنيه عن المحاولات التي يلجأ إليها جلة القواد

وعنده إنه يستفيد بخطته تلك ثلاثة أمور: أن يختار الموقع الملائم له، وأن يختار الفرصة، وأن يعاجل العدو قبل تمام استعداده

وقد كان النبي عليه السلام سابقاً إلى تلك الخطط في جميع تفصيلاتها

فكان لا يبدأ أحداً بالعدوان، ولكنه إذا علم بعزم الأعداء على قتاله لم يمهلهم حتى يهاجموه جهد ما تواتيه الأحوال، بل ربما وصل إليه الخبر كما حدث في غزوة تبوك والناس مجدبون والقيظ ملتهب والشدة بالغة، فلا يثنيه ذلك عن الخطة التي تعودها، ولا يكف عن التأهب السريع وعن حض المسلمين على جمع الأموال وجمع الرجال، ولا يبالي ما أرجف به المنافقون الذين توقعوا الهزيمة للجيش المحمدي فلم يحدث ما توقعوه

وكان عليه السلام يعمد إلى القوة العسكرية حيث أصابها فيقضي على عزائم أعدائه بالقضاء عليها، ولا يضيع الوقت في انتظار ما يختاره أولئك الأعداء، وإضعاف أنصاره بتركه زمام الحركة في أيدي الهاجمين، إلا أن يكون الهجوم وبالاً على المقدمين عليه، كما حدث في غزوة الخندق

2 - وقد كان نابليون مع اهتمامه بالقضاء على القوة العسكرية لا يغفل القضاء على القوة المالية أو التجارية التي يتناولها اقتداره، فكان يحارب الإنجليز بمنع تجارتهم عن الوصول إلى القارة الأوربية، وتحويل المعاملات عن طريق إنجلترا إلى طريق فرنسا

وهكذا كان النبي عليه السلام يحارب قريشا في تجارتها، ويبعث السرايا في أثر القوافل كلما سمع بقافلة منها

وأنكر بعض المتعصبين من كتاب أوربا هذه السرايا وسموها (قطعاً للطريق) وهي هي سنة المصادرة بعينها التي أقرها القانون الدولي، وعمل بها قادة الجيوش في جميع العصور، ورأينا تطبيقها في الحرب الحاضرة والحرب الماضية، رشيداً تارة وبالغاً مبلغه من الشطط والغلواء تارة أخرى.

3 - وقد أسلفنا أن نابليون كان يوجه همه إلى الجيش ولا يقتحم المدن أو يشغل باله بمحاصرتها لغير ضرورة.

ونرجع إلى غزوات النبي عليه السلام، فلا نرى أنه حاصر محلة إلا أن يكون الحصار هو الوسيلة العاجلة لمبادرة القوة التي عسى أن تخرج منها قبل استعدادها، أو قبل نجاحها في الغدر والوقيعة، كما حدث في حصار بني قريظة وبني قينقاع، فكان الحصار هنا كمبادرة الجيش بالهجوم في الميدان المختار بغير كبير اختلاف

4 - لم يعرف عن قائد حديث أنه كان يعنى بالاستطلاع والاستدلال عناية نابليون.

وكانت فراسة النبي في ذلك مضرب الأمثال، فلما رأى أصحابه يضربون العبدين المستقيين من ماء بدر، لأنهما يذكران قريشاً ولا يذكران أبا سفيان، علم بفطنته الصادقة أنهما يقولان الحق ولا يقصدان المراء. وسأل عن عدد القوم، فلما لم يعرفا العدد، سأل عن عدد الجزور التي ينحرونها كل يوم، فعرف قوة الجيش بمعرفته مقدار الطعام الذي يحتاج إليه. وكان صلوات الله عليه إنما يعول في استطلاع أخبار كل مكان على أهله، وأقرب الناس إلى العلم بفجاجه ودروبه، ويعقد ما يسمى اليوم مجلس الحرب قبل أن يبدأ بالقتال، فيسمع من كل فيما هو خبير به، ولا يأنف من الأخذ بنصيحة صغير أو كبير. . .

5 - واشتهر عن نابليون أنه كان شديد الحذر من الألسنة والأقلام، وكان يقول إنه يخشى من أربعة أقلام، ما ليس يخشاه من عشرة آلاف حسام

والنبي عليه السلام كان أعرف الناس بفعل الدعوة في كسب المعارك وتغليب المقاصد، فكان يبلغه عن بعض أفراد أنهم يشهرون بالإسلام أو يثيرون العشائر لقتاله أو يقذعون في هجوه وهجو دينه، فينفذ إليهم من يحاربهم في حصونهم أو يكفل له الخلاص منهم

وعاب هذا بعض المغرضين من الكتاب الأوربيين وشبهوه بما عيب على نابليون من اختطاف الدوق دانجان وما قيل عن محاولته أن يختطف الشاعر الإنجليزي كولردج الذي كان يخوض في ذمه ويستهوي الأسماع بسحر حديثه

ولكن الفارق عظيم بين الحالتين، لأن حروب الإسلام إنما هي حروب دعوة لدعوة أو حروب عقيدة لعقيدة، وإنما هي في مصدرها وغايتها كفاح بين التوحيد والشرك أو بين الإلهية والوثنية، وليس وقوف الجيش أمام الجيش إلا سبيلاً من سبل الصراع بين الدعوتين والغلاب بين العقيدتين

فليس في حالة سلم مع النبي إذن من يحاربه في صميم الدعوة الدينية، ويقصده بالطعن في لباب رسالته الإسلامية، وإنما هو مقاتل في الميدان الأصيل ينتظر من أعدائه ما ينتظره المقاتل من المقاتلين، ولاسيما إذا كانت الحرب قائمة دائمة لا تنقطع فترة إلا ريثما تعود

أما نابليون فالحرب بينه وبين أعدائه حرب جيوش وسلاح، فلا يجوز له أن يقتل أحداً لا يحمل السلاح في وجهه أو لا يدينه القانون بما يستوجب إزهاق حياته. وما نهض نابليون لنشر دين أو تفنيد دين، ولا كان للرسول الإسلامي من غرض لو جاز له أن يقبل المسالمة ممن يحاربونه في دينه وإن لم يشهروا السيف في وجهه، فإن الضرب بالسيف لأهون من المقتل الذي يضربون فيه

تلك مقابلة مجملة بين الخطط التي سبق إليها محمد، وجرى عليها نابليون بعد مئات السنين، ومن الواجب أن نحكم على قيمة القيادة بقيمة الفكرة أو الخطة قبل نحكم عليها بفخامة الجيوش وأنواع السلاح.

ولم يتخذ محمد الحرب صناعة، ولا عمد إليها كما أسلفنا إلا لدفع غارة، واتقاء عداوة، ورائده في ذلك ما جاء به القرآن الكريم: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. واقتلوهم حيث ثقفتموهم، وأخرجوهم من حيث أخرجوكم، والفتنة أشد من القتل، ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين. فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم. وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله، فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين)

فإذا كان محمد لم يتخذ من الحرب صناعة وكان يتقن منها ما يتولاه مدفوعاً إليه، فله فضل السبق على جبار الحروب الحديثة الذي تعلمها وعاش لها ولم ينقطع عنها منذ ترعرع إلى أن سكن في منفاه، ولم يبلغ من نتائجها بغض ما بلغ القائد الأمي بين رمال الصحراء.

عباس محمود العقاد

مجلة الرسالة - العدد 348

عبقرية محمد العسكرية

عباس العقاد شرعة الإسلام نظام لكل عصر

======

بتاريخ: 11 - 03 - 1940

للأستاذ عباس محمود العقاد

السياسة على معان كثيرة في العرف الحديث. فمنها ما يكون بين بعض الدول وبعض من المراسم والعلاقات، ومنها ما يكون بين هذه الدول من معاهدات وخطط في أعمالها الخارجية، ومنها ما يكون بين الراعي ورعيته أو بين الأحزاب والوزارات من برامج ودعوات، ولكل معنى من هذه المعاني اصطلاحه في العرف الحديث، وإن جمعتها كلمة السياسة في اللغة العربية

وقد تولى النبي عليه السلام أعمالا كثيرة مما يطلق عليه لفظ السياسة في عموم مدلوله، ولكننا لا نعرف بينها عملاً واحداً هو أدخل في أبواب السياسة وأجمع لضروبها وأبعد عن المشاركة في صفة القيادة العسكرية أو صفة الوعظ العلني أو سائر الصفات التي اتصف بها عليه السلام من عهد الحديبية في مراحله جميعاً منذ ابتدأ بالدعوة إلى الحج إلى أن انتهى بنقض الميثاق على أيدي قريش

ففي عهد الحديبية تجلى تدبير محمد في سياسة خصومه وسياسة أتباعه وفي الاعتماد على السلم والعهد حيث يحسنان ويصلحان، والاعتماد على الحرب والقوة حيث لا تحسن المسالمة ولا تصلح العهود

بدأ بالدعوة إلى الحج فلم يقصره في تلك السنة على المسلمين المصدقين لرسالته، بل شمل به كل من أراد الحج من أبناء القبائل العربية التي تشارك المسلمين في تعظيم البيت والسعي إليه. فجعل له وللعرب أجمعين نصبة واحدة في وجه قريش، ومصلحة واحدة في وجه مصلحتهم، وفصل بذلك بين دعواها ودعوى القبائل الأخرى ثم أفسد على قريش ما تعمدوه من إثارة نخوة العرب وتوجيهها إلى مناوئة محمد والرسالة الإسلامية. فليس محمد وأصحابه أناسا معزولين عن النخوة العربية يضعون من شأنها ويبطلون مفاخرها، ولكنهم إذن عرب ينتصر بهم العرب ولا يذلون بانتصارهم، أو يقطعون ما بينهم وبين آبائهم وأجدادهم. فإذا خالفوا قريشاً في شيء فذلك شأن قريش وحدهم أو شأن المنتفعين من قريش بالسيطرة على مكة، وليس هو بشأن القبائل أجمعين

ثم أفسد على قريش من جهة أخرى ما تعمدوه من إغضاب العرب على الإسلام مما دعو من قطعه للأرزاق وتهديده للأسواق التي يعمرها الحاج ويستفيد منها الغادون إلى مكة والرائحون منها. فهاهو ذا محمد نفسه يأخذ معه المسلمين إلى مكة كما يأخذ معه من شاء مصاحبته من غير المسلمين قصاد البيت الحرام، فإذا حال بينهم حائل وبين ما يقصدون إليه فتلك جنايته وذلك وزره على نفسه وعلى قومه، ولا وزر فيما أصاب الأرزاق أو أصاب الأسواق على المسلمين

وقد سمعنا كثيراً في العصور الحديثة عن المقاومة السلمية أو المقاومة التي تجتنب العنف ولا تعتمد على غير الحق والحجة.

سمعنا بها في حركة الهندية التي قام على رأسها غاندي وتابعه فيها بعض مريديه، حتى كان لها من الأثر في إزعاج الحكومة البريطانية ما لم يكن للقنابل ولا للمشاغبات الدامية

وقيل يومئذ أن غاندي قد تتلمذ في هذه الحركة للمصلح الروسي الكبير ليون تولستوي. وقيل بل هو أحرى أن يعرفها من آداب البرهميين والبوذيين التي تحرم إيذاء الحيوان فضلاً عن الإنسان قبل أن يشرع ليون تولستوي مذهبه الجديد

والذين قالوا بهذا الرأي الأخير استبعدوا أن يتفق المسلمون والبرهميون والبوذيين على حركة غاندي وتبشيره بتلك المقاومة السلبية لاعتقادهم أن الإسلام قد شرع القتال فلا يوائم المسلمين ما يوائم البوذيين والبرهميين من اجتناب القوة والتزام السلم وترك المقاومة.

لكن المثل الذي قدمه النبي صلوات الله عليه في رحلة الحديبية ينقض ما توهموه ويبين لهم أن الإسلام قد أخذ من كل وسيلة من وسائل نشر الدعوة بنصيب يجري في حينه مع مناسباته وأسبابه، فلا هو يركن إلى السيف وحده ولا إلى السلم وحده، ولكنه يضع كليهما حيث يوضع، ويدفع بكليهما حيث ينبغي أن يدفع، وهو الحكم المتصرف حيث يختار ما يختار، وليس بالآلة التي يسوقها السلم أو الحرب مساق الاضطرار

وقد خرج النبي إلى مكة في رحلة الحديبية حاجاً لا غازياً يقول ذلك ويكرره ويقيم الشواهد عليه لمن سأله، ويثبت نية السلم بالتجرد من السلاح إلا ما يؤذن به لغير المقاتلين

فلم يفصل بهذه الخطة بين العرب وقريش وحسب، بل فصل بين قريش ومن معهم من الأحابيش، وجعل الزعماء وذوي الرأي يختلفون فيما بينهم على ما يسلكون من مسلك في دفعه أو قبوله أو مهادنته، وهو عليه السلام يكرر الوصاة لأتباعه بالمسالمة والصبر منعاً للاتفاق بين خصومه على قرار واحد، وقلّ من أتباعه من أدرك قصده ومرماه حتى الصفوة المختارين

ولما اتفق الطرفان - المسلمون وقريش - على التعاهد والتهادن كانت سياسة النبي في قبول الشروط التي طلبتها قريش غاية في الحكمة والقدرة (الدبلوماسية) كما تسمى في اصطلاح الساسة المحدثين

دعا بعليّ بن أبي طالب فقال له: (أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم)

فقال سهيل بن عمرو مندوب قريش: أمسك! لا أعرف الرحمن الرحيم، بل اكتب باسمك اللهم

فقال النبي: أكتب باسمك اللهم

ثم قال: أكتب (هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل ابن عمرو)

فقال سهيل: أمسك! لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك

وروي أن علياً تردد فمسح النبي ما كتب بيده، وأمره أن يكتب (محمد بن عبد الله) في موضع محمد رسول الله

ثم تعاهدوا على أن من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشاً من رجال محمد لم يردوه عليه، وأنه من أحب من العرب محالفة محمد فلا جناح عليه، ومن أحب محالفة قريش فلا جناح عليه، وأن يرجع محمد وأصحابه عن مكة عامهم هذا على أن يعودوا إليها في العام الذي يليه، ويقيموا بها ثلاثة أيام ومعهم من السلاح السيوف في قربها، ولا سلاح غيرها.

ولو كان عهد الحديبية هذا قد كتب بعد قتال انهزم فيه المشركون وانتصر فيه المسلمون لوجب أن يكتب على غير هذا الأسلوب، فيعترف المشركون كرهاً أو طوعاً بصفة النبوة ولا يردون أحداً من مواليهم أو قاصريهم يذهب إلى النبي ويلحق بالمسلمين.

ولكنه عهد مهادنة أو عهد (إيقاف أعمال العداء إلى حين) كما يسمونه في اصطلاح العصر الحاضر، فلا يعوزه شيء من الأصول المرعية في أمثال هذه العهود من إثبات صفة المندوبين التي لا إرغام فيها لأحد الطرفين ولا مخالفة لدعوى الفريقين، ومن حفظ كل لحقه في تجديد دعواه واستئناف مسعاه فلو أن النبي عليه السلام شرط على قريش أن ترد إليه من يقصدها من رجاله لنقض بذلك دعوى الهداية الإسلامية، ونقض الوصف الذي يصف به المسلمين. فإن المسلم الذي يترك النبي باختياره ليلحق قريشاً ليس بمسلم ولكنه مشرك يشبه قريشاً في دينها وهي أولى به من نبي الإسلام

أما المسلم الذي يُرد إلى المشركين مكرهاً فإنما الصلة بينه وبين النبي الإسلام وهو شيء لا سلطان عليه للمشركين ولا تنقطع الصلة فيه بالبعد وبالقرب. فإن كان الرجل ضعيف الدين ففتنوه عن دينه فلا خير فيه، وإن كان وثيق الدين فبقي على دينه فلا خسارة على المسلمين

وما انقضت فترة وجيزة حتى علمت قريش أنها هي الخاسرة بذلك الشرط الذي حسبته غنماً لها وخذلاناً لمحمد صلوات الله عليه، فإن المسلمين الذين نفروا من قريش ولم يقبلهم محمد في حوزته رعاية لعهده قد خرجوا إلى طريق القوافل يأخذونها على تجارة قريش وهي أمان في عهد الهدنة بين الطرفين، فلا استطاع المشركون أن يشكوهم إلى النبي لأنهم خارجون من ولايته بحكم الهدنة، ولا استطاعوا أن يحجزوهم في مكة كما أرادوا يوم أملوا شروطهم في عهد الحديبية، ولو قضى العهد بولاية للنبي على من ينفر من مسلمي مكة لجاز للمشركين أن ينقضوه أو يطالبوا النبي بالمحافظة عليه. وتم العهد فعرف من لم يعرف ما أفاء على الإسلام بعد قليل

فجهر بمحالفة النبي من لم يكن يجهر بولائه، واستراح النبي من قريش ففرغ ليهود خيبر والممالك الأجنبية يرسل الرسل إلى عظمائها بالدعوة إلى دينه، وفتح الأبواب لمن يفدون إليه ممن أنكروا بغي قريش وأمنوا أن تكون نصرتهم للإسلام حرباً يبتلون فيها بما لا يطيقون

ويوم نزلت الآية الكريمة على أثر اتفاق الحديبية (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيما) لم يفقه الكثيرون معناها في حينها ولم يتبينوا موضع الفتح من ذلك الاتفاق الذي حسبوه محض تسليم، ولكنهم فهموا أي فتح هو بعد سنتين، وعلموا أن من الفتوح ما يكون بغير السيف وما يشبه الهزيمة في ظاهره عند من يتعجلون ولا يحسنون النظر إلى بعيد وهكذا تجلت عبقرية محمد في سياسة الأمور كما تجلت في قيادة الجيوش فكان على أحسن نهج في سياسته إذ نادى بعزيمة الحج وهو لم يفتح مكة بعدده وعدته، وإذ دعا المسلمين وغير المسلمين إلى مصاحبته في رحلته، وإذ توخى ما توخى من طريقة المسالمة وإقامة الحجة في إنفاذ عزيمته، وإذ قبل العهد الذي كبر قبوله على أقرب المقربين من عترته، وإذ نظر إلى عقباه ووصل به إلى القصد الذي توخاه.

عباس محمود العقاد

مجلة الرسالة - العدد 349

عبقرية محمد السياسية

عباس العقاد إنما يزدهر الأدب

======

بتاريخ: 25 - 03 - 1940

للأستاذ عباس محمود العقاد

في الإسلام أحكام كثيرة مما يدخل في تصرف رجال الإدارة كما نسميهم اليوم

وفيه وصايا كثيرة عن المعاملات، كالمساقاة والمبايعة والاستقراض والشفعة والتجارة وسائر شؤون المعيشة الاجتماعية يقتدي بها المشترعون في جميع العصور

ولكنا لا نريد بما نكتب عن النبي أن نسرد أحكام الفقه ونبسط وصايا الدين، فهي مشروحة في مواطنها لمن شاء الرجوع إليها

وإنما نريد أن نعرض لأعماله ووصاياه من حيث هي ملكات شخصية وسلائق نفسية تلازمه حيث كان مؤدياً لرسالة الدين، أو مؤدياً لغير الرسالة من سائر أعمال الإنسان

كذلك لا يعنينا مثلاً أن نتكلم عن (الإدارة) كأنها نصوص المنشورات و (اللوائح) التي تدار بها الدواوين وتجرى عليها تفصيلات الحركة في مكاتب الحكومة، فإن هذه وما إليها هي أعمال منفذين مأمورين وليست أعمال مديرين آمرين

وإنما نعني الملكة الإدارية من حيث هي أساس في التفكير من اعتمد عليه استطاع أن يقيم بناء الإدارة كلها على أسس قويمة، ثم يدع لغيره تفصيلات الأضابير والأوراق

فليس في وسع رجل مطبوع على الفوضى مستخف بالتبعة أن يؤسس إدارة نافعة ولو كان فيما عدا ذلك كبير العقل كبير الهمة

أما السليقة المطبوعة على إنشاء الإدارة النافعة فهي السليقة التي تعرف النظام وتعرف التبعة وتعرف الاختصاص بالعمل، فلا تسنده إلى كثيرين متفرقين يتولاه كل منهم على هواه

وقد كانت هذه السليقة في محمد عليه السلام على أتم ما يكون

كان يوصى بالرياسة حيثما وجد العمل الاجتماعي أو العمل المجتمع الذي يحتاج إلى تدبير. ومن حديثه المأثور: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم). ومن أعماله المأثورة أنه كان يرسل الجيش وعليه أمير وخليفة للأمير وخليفة للخليفة إذا أصيب من تقدمه بما يقعده عن القيادة

وكان إلى عنايته بإسناد الأمر إلى المدبر القادر عليه حريصاً على تقرير التبعات في ج الشئون ما كبر منها وما صغر على النهج الذي أوضحه صلوات الله عليه حيث قال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وهي مسئولة عنه، والعبد راع على مال سيده وهو المسئول عنه. ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)

وقد كانت أوامر الإسلام ونواهيه معروفة لطائفة كبيرة من المسلمين أنصاراً كانوا أو مهاجرين، ولكنه عليه السلام لم يترك أحداً يدعى لنفسه حقا في إقامة الحدود وإكراه الناس على طاعة الأوامر واجتناب النواهي غير من لهم ولاية الأمر وسياسة الناس

فلما قتل بعض المسلمين غداة فتح مكة رجلاً من المشركين غضب عليه السلام وقال فيما قال من حديثه المبين: (. . . فمن قال لكم إن رسول الله قد قاتل فيها فقولوا إن الله قد أحلها لرسوله ولم يحللها لكم يا معشر خزاعة. . .)

ولما أراد أن يصادر الخمر نهج في ذلك منهجاً يقصد به إلى التعليم والاستنان كما جاء في رواية ابن عمر حيث قال:

(أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن آتيه بمدية، فأتيته بها. فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها فقال اغد علي بها. ففعلت، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام. فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته ثم أعطانيها، وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني، وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت، فلم أترك في أسواقها زقاً إلا شققته)

وهذا تصرف المدير بعد تصرف النبي الذي يبين الحرام ويبين الحلال

فالخمر شربها وبيعها ونقلها حرام يعلمه جميع المسلمين من تفقه منهم ومن لم يتفقه في الدين، ولكن المحرمات الاجتماعية ينبغي أن تكون في يد ولي المسلمين لا في يد كل فرد يعرف الحلال والحرام. وليست المسألة هنا مسألة تحريم وتحليل ولكنها مسألة إدارة وتنفيذ في مجتمع غافل يشتمل على شتى المصالح والأهواء ولا يصاب ببلاء هو أضر عليه من بلاء الفوضى والاضطراب واختلاف الدعاوى وانتزاع الطاعة وتجاهل السلطان؛ فلم يكتف النبي بصريح التحريم في القرآن، ولا اكتفى بإسناد الأمر إلى غير معروف الصفة في تنفيذ الأحكام، بل خرج بنفسه ثم أمر رجلاً بعينه وأناساً بأعينهم أن يمضوا في إتمام عمله، ولم يجعل ذلك إذناً لمن شاء أن يفعل ما شاء

وما أكثر ما سمعنا في أيامنا الأخيرة عن الأمن والنظام، وتوطيد أركان الشريعة والقانون، ولكننا لا نعرف في كل ما قيل كلاماً هو أجمع لوجوه الصواب في هذه المسألة من قول النبي: (السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) ومن قوله فيما رواه عبادة بن الصامت (. . . ألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحا عندكم من الله فيه برهان) ومن قوله: (الإمام الجائر خير من الفتنة، وكل لا خير فيه. وفي بعض الشر خيار) ومن قوله: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم) إلى أحاديث في هذا المعنى هي جماع الضوابط التي تقوم عليها الإدارة الحكيمة، والخطط السليمة المستقيمة، بين آمر ومأمور: نظام وفوق النظام سلطان، وفوق السلطان برهان من الشرع والعقل لا شك فيه، وجميع أولئك على سماحة لا تتعسف النزاع ولا تتعسف الريبة ولا تلتمس الغلواء

هذا الإلهام النافذ السديد في تدبير المصالح العامة، وعلاج شئون الجماعات، هو الذي أوحى إلى الرسول الأمي قبل كشف الجراثيم، وقبل تأسيس الحجر الصحي بين الدول، وقبل العصر الحديث بعشرات القرون، أن يقضي في مسائل الصحة واتقاء نشر الأوبئة بفصل الخطاب الذي لم يأت العلم بعده بمزيد، حيث قال: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها)

فتلك وصية من ينظر في تدبيره إلى العالم الإنساني بأسره لا إلى سلامة مدينة واحدة أو سلامة فرد واحد. إذ ليس أصون للعالم من حصر الوباء في مكانه، وليس من حق مدينة أن تنشد السلامة لنفسها أو لأحد من سكانها بتعريض المدن كلها لعدواها

على أن الإدارة العليا إنما تتجلى في تدبير الشؤون العامة حين تصطدم بالأهواء وتنذر بالفتنة والنزاع، فليست الإدارة كلها نصوصاً وقواعد يجرى الحاكم في تنفيذها مجرى الآلات والموازين التي تصرف الشؤون على نسق واحد، ولكنها في كثير من الأحيان علاج نفوس وقيادة أخطار لا أمان فيها من الانحراف القليل هنا أو الانحراف القليل هناك

وذلك هو المجال الذي تمت فيه عبقرية محمد في حلول التوفيق واتقاء الشرور أحسن تمام.

فما عرض له تدبير أمر من معضلات الشقاق بعد الرسالة ولا قبلها إلا أشار فيه بأعدل الآراء، وأدناها إلى السلم والإرضاء

صنع ذلك حين اختلفت القبائل على أيها يستأثر بإقامة الحجر الأسود في مكانه، وهو شرف لا تنزل عنه قبيلة لقبيلة، ولا تؤمن عقبى الفصل فيه بإيثار إحدى القبائل على غيرها ولو جاء الإيثار من طريق المصادفة والاقتراع فأشار محمد بالرأي الذي لا رأي غيره لحاضر الوقت ولمقبل الغيب المجهول. فجاء بالثوب ووضع الحجر الأسود عليه وأشرك كل زعيم في طرف من أطرافه، وكان من قسمته هو على غير خلاف بين الناس أن يقيمه بيده حيث كان، وأن يتسلف الدعوة وهي مكنونة في طوايا الزمان، ولو علموا بها يومئذ لما سلموا ولا سلم من عدوان وشنآن

وصنع ذلك يوم هاجر من مكة إلى المدينة فاستقبلته الوفود تتنافس على ضيافته ونزوله وهو يشفق أن يقدح في نفوسها شرر الغيرة بتمييز أناس منهم على أناس أو اختيار محلة دون محلة، فترك لناقته خطامها تسير ويفسح الناس لها طريقها حتى بركت حيث طاب لها أن تبرك، وفصلت فيما لو فصل فيه إنسان كبير أو صغير لما مضى فصله بغير جريرة لا تؤمن عقباها بعد ساعتها ولو أمنت في تلك الساعة على دخل وسوء طوية

وصنع ذلك يوم فضل بالغنائم أناساً من أهل مكة الضعيف إيمانهم على أناس من الأنصار الذين صدقوا الإسلام وثبتوا على الجهاد. فلما غضب المفضولون لم يكن أسرع منه إلى إرضائهم بالحجة التي لا تغلب من يدين بها بل تريه أنه هو الغالب الكاسب، وأنها تصيب منه المقنع والإقناع في وقت واحد: (. . . أوجدتم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار. اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار. . .)

كلام مدير فيه الإدارة والرياسة هبة من هبات الخلق والتكوين، فهو مدير حين تكون الإدارة تدبير أمور، ومدير حين تكون الإدارة تدبير شعور، وهو كفيل ألا يلي مصلحة من المصالح تعتورها الفوضى ويتطرق إليها الاختلال، لأنه يسوسها بالنظام وبالتبعة، وبالاختصاص وبالسماحة. وما من مجتمع يساس بهذه الخصال ويبقى فيه منفذ بعدها لاختلال أو انحلال، أو لخطل في إدارة الأعمال.

عباس محمود العقاد

مجلة الرسالة - العدد 351

عبقرية محمد الإدارية

عباس العقاد ليلة نابغية!

======

===================================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

حمل المضحف

 حمل المصحف