المصدر الكتاب الاسلامي
كتاب : موطأ الإمام مالك رواية محمد بن الحسن
المؤلف : مالك بن أنس أبو عبدالله الأصبحي
تقدمة بقلم الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة
- وهي تتضمن بإيجاز
:
كلمات عن حفظ الله تعالى للسنة
وتميز المدينة المنورة بأوفى نصيب منها
وسبق علماء المدينة في تدوين الحديث
وعن تأليف مالك للموطأ
وتأريخ تأليف الموطأ
وأن الموطأ أول ما صنف في الصحيح
وعن مكانة الموطأ وصعوبة الجمع بين الفقه والحديث
وعن كبار الحفاظ الأقدمين وحدود معرفتهم بالفقه
وأن الإمامة في علم تجتمع معها العامية في علم آخر
وعن يسر الرواية وصعوبة الفقه والاجتهاد
وكلمات عن مزايا الموطأ وعن روايات الموطأ عن مالك
وكلمات في ترجمة محمد بن الحسن راوي الموطأ
وكلمات في رد الجرح للراوي بالعمل بالرأي وعن ظلم جملة
من المحدثين للإمامين : أبي يوسف ومحمد الفقيهين المحدثين
وكلمات للإمام ابن تيمية في دفع الجرح بالعمل بالرأي وعن
تحجر جل الرواة وضيقهم من المشتغل بغير الحديث والرد على من قدح في أبي حنيفة
بدعوى تقديمه القياس على السنة
وكلمات في ترجمة الشارح الإمام اللكنوي وأهمية طبع كتاب
" التعليق الممجد "
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة وتقدمة إمام موطأ الإمام مالك برواية الإمام محمد
بن الحسن
وهو المشهور بموطأ الإمام محمد :
حفظ الله تعالى للسنة
:
- لقد حظيت سنة النبي صلى الله عليه و سلم - وهي أحاديثه
الشريفة : أقواله وأفعاله وتقريراته - من أول يوم بالعناية التامة والحفظ والرعاية
والعمل بها من الصحابة الكرام والتابعين الأخيار فحفظت حفظا تاما ونقلت نقلا دقيقا
تحقيقا لقول الله تعالى : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }
فمن حفظ الذكر والكتاب الكريم حفظها فإنها مفسرة له
ومعرفة بأحكامه ومراميه قال سبحانه : { وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل
إليهم }
ولقد أقام الله سبحانه في القرون الثلاثة الأولى الخيرة
: رجالا تلقوا هذا الدين بفهم وبصيرة وحب وولاء وإعزاز وتكريم فآثروه على أنفسهم
وأهليهم وأولادهم وديارهم وهاجروا في سبيل تحصيله وضبطه وتلقيه وتبليغه وهجروا
الراحة والأوطان وطافوا القرى والبلدان لتحصيل الحديث النبوي الواحد وما يتصل به من
آثار السلف الصالح فبلغوا الغاية وأتوا على النهاية وكانوا بحق { خير أمة أخرجت
للناس }
نصيب المدينة من السنة أوفى نصيب وسبقها في تدوين السنة
:
- وكان لكل بلد من البلدان التي فتحها الإسلام الحنيف
واستقر فيها المسلمون نصيب من العلم يختلف عن الآخر قلة وكثرة بحسب كثرة الصحابة الواردين
عليه والمقيمين فيه فكان نصيب دار الهجرة النبوية : المدينة المنورة أوفى نصيب
لتوفر وجود الصحابة الكرام فيها إذ كانت هي ومكة المكرمة بعد فتحها دار الإسلام
الأولى ومهوى أفئدة المؤمنين
فعاشت فيها السنة وجاشت وانتشرت في آفاق الإسلام
وتوارثها الناس جيلا عن جيل وقبيلا عن قبيل وكثر في دار الهجرة الفقهاء والمحدثون
كثرة بالغة فقد نقل عن مالك أنه قال :
عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من فقهاء المدينة . فلما
نشأ مالك كانت السنة قد أخذت طريقها إلى التدوين
وكان تدوينها في المدينة المنورة قبل كل الأمصار فألف
فيها الإمام محمد بن شهاب الزهري المدني شيخ مالك المتوفى سنة 124 ، وموسى بن عقبة
المدني شيخ مالك أيضا المتوفي سنة 141 ، ومحمد بن إسحاق المطلبي المدني المتوفى
سنة 151 ، وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن المدني المتوفى سنة 158
وألف في زمن هؤلاء وبعدهم غيرهم من أئمة الحديث والسنة
في مكة المكرمة والكوفة والبصرة وخراسان ولكن السبق الأول في تدوين السنة كان
لعلماء المدينة الأعلام ويأتي تأليف الإمام مالك " الموطأ " في عداد الكتب
التي دونت السنة في المدينة وغيرها : ( الكتاب العاشر ) تدوينا والأول تصنيفا على
الأبواب الفقهية كما يستفاد من
" الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة
" ( للعلامة السيد محمد بن جعفر الكتاني رحمه الله تعالى ص 327 ، وص 4 من
الطبعة الرابعة ) فجاء الإمام مالك وقد تعقد التأليف في السنة بعض الشيء وبلغ مالك
في الإمامة للمسلمين مبلغا رفيعا فألف كتابه العظيم : " الموطأ "
تأليف مالك الموطأ
:
- وقد ذكر العلماء أن تأليف الإمام مالك " الموطأ
" إنما كان باقتراح من الخليفة العباسي إبي جعفر المنصور - عبد الله بن محمد
ولد سنة 95 ، وتوفي سنة 158 رحمه الله تعالى - في قدمة من قدماته إلى الحج دعاه
المنصور لزيارته فزاره فأكرمه أبو جعفر وأجلسه بجانبه وسأله أسئلة كثيرة فأعجبه سمته
وعلمه وعقله وسداد رأيه وصحة أجوبته فعرف له مقامه في العلم والدين وإمامة
المسلمين
فقد جاء أن أبا جعفر قال لمالك : ضع للناس كتابا أحملهم
عليه فكلمه مالك في ذلك - أي مانعه مالك في حمل الناس على كتابة - فقال ضعه فما
أحد اليوم أعلم منك فوضع " الموطأ " فلم يفرغ منه حتى مات أبو جعفر
وفي رواية : قال مالك : دخلت على أبي جعفر بالغداة حين
وقعت الشمس بالأرض وقد نزل عن سريره إلى بساطه فقال لي : حقيق أنت بكل خير وحقيق بكل
إكرام فلم يزل يسألني حتى أتاه المؤذن بالظهر فقال لي : أنت أعلم الناس فقلت : لا
والله يا أمير المؤمنين قال : بلى ولكنك تكتم ذلك فما أحد أعلم منك اليوم بعد أمير
المؤمنين
يا أبا عبد الله - كنية الإمام مالك - ضع للناس كتبا
وجنب فيها شدائد عبد الله بن عمر ورخص ابن عباس وشواذ ابن مسعود واقصد أوسط الأمور
وما اجتمع عليه الأمة والصحابة ولئن بقيت لأكتبن كتبك بماء الذهب فأحمل الناس
عليها
فقلت له : يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الناس قد سبقت
لهم أقاويل وسمعوا أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم وعملوا به
ودانوا له من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وغيرهم وإن ردهم عما
اعتقدوه شديد فدع الناس وما هم عليه وما اختار أهل كل بلد لأنفسهم فقال : "
لعمري لو طاوعتني على ذلك لأمرت به
" . انتهى ( هذا وما قبله من " ترتيب المدارك
" للقاضي عياض 2 : 71 - 73
)
وقال العلامة المؤرخ القاضي الإمام ابن خلدون في أوائل
" مقدمته " ( ص 17 -
18 ، و
" انتصار الفقير السالك " للراعي الأندلسي ص 208 ) " وقد كان أبو جعفر
لمكان من العلم والدين قبل الخلافة وبعدها ( أطال الإمام ابن جرير الطبري في ترجمة
أبي جعفر المنصور أي إطالة في سنة تاريخ وفاته سنة 158 ، فترجم له وذكر أخباره
ووصاياه ... في 54 صفحة من 8 : 54 - 108 . قال العلامة الزرقاني في مقدمته لشرح
" الموطأ " 1 : 9 ، " وذكروا أن المهدي والهادي سمعا " الموطأ
" من مالك وأن الرشيد وبنيه الأمين والمأمون والمؤتمن أخذوا عن مالك "
الموطأ أيضا " انتهى
فهكذا كانت نشأة الملوك في العلم في القرون الخيرة
الأولى ومنه تدرك نشأة جدهم أبي جعفر المنصور في القرن الأفضل والأعلم التي أشار
إليها الإمام ابن خلدون ) وهو القائل لمالك حين أشارعليه بتأليف " الموطأ
" : يا أبا عبد الله إنه لم يبق على وجه الأرض أعلم مني ومنك وإني قد شغلتني
الخلافة فضع أنت للناس كتابا ينتفعون به تجنب فيه رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر -
وشواد ابن مسعود - ووطئه للناس توطئة قال مالك : فوالله لقد علمني التصنيف يومئذ
" . انتهى
فألف مالك " الموطأ " على هذا المنهج فالموطأ
معناه : المسهل الميسر ( يقال في اللغة : وطؤ الموضع يوطؤ وطاءة ووطوءة : لان سهل فهو
وطيء ووطأ الموضع صيره وطيءا ووطأ الفراش : دمثه ودثره والموطأ : المسهل الميسر .
كما في " القاموس " و " المعجم الوسيط " )
وذكر العلماء أن الإمام ابن أبي ذئب معاصر الإمام مالك
وبلديه - قد صنف موطأ أكبر من موطأ مالك حتى قيل لمالك : ما الفائدة في تصنيفك ؟
فقال : ما كان لله بقي ( من " الرسالة المستطرفة " ص 9 )
تأريخ تأليف الموطأ
:
- ذكر العلماء أن أبا جعفر المنصور حين حج بالناس أيام
خلافته طلب من الإمام مالك أن يدون كتاب " الموطأ "
وقد استقرأت حجات أبي جعفر بعد خلافته في " تاريخ
الطبري " فتبين أنها كانت خمس حجات أولها في سنة 140 ثم سنة 144 ، ثم سنة 147
، ثم سنة 152 ، ثم سنة 158 ، التي توفي فيها بمكة حاجا محرما
ولم يتعرض الإمام ابن جرير عند ذكره هذه الحجات لأبي
جعفر للحديث عن تدوين كتاب " الموطأ "
نعم تعرض لذلك ابن جرير في كتابه " ذيل المذيل
" المطبوع بآخر تاريخه 11
: 659 ، فذكر
القصة عن المهدي أولا ثم ذكرها عن أبي جعفر ثانيا برواية الواقدي
وتابعه على ذكر ذلك كذلك : بتقديم رواية أن المهدي هو
المقترح لتأليف " الموطأ " على رواية أن المنصور هو المقترح تأليفه :
الإمام ابن عبد البر في " الانتقاء " ص 40 ، فساق الروايتين من طريق ابن
جرير الأولى بسنده إلى إبراهيم بن حماد الزهري المدني عن مالك . والثانية بسنده
إلى محمد بن عمر الواقدي عن مالك
وعلق عليه شيخنا العلامة الكوثري رحمه الله تعالى ما يلي :
وصنيع ابن جرير في
ذيل المذيل " كما هنا يؤذن بترجيحه الرواية الأولى
وتحاميه عن رواية الواقدي - أن القصة مع المنصور - لكن ابن عساكر خرج في "
كشف المغطا من فضل الموطا " بطرق عن مالك ما يؤيد رواية الواقدي وإن لم تخل
واحد منها عن مقال . وفيه - أي في " كشف المغطى " - سماع الرشيد "
الموطأ " عن مالك لما حج مع أبي يوسف
والذي يستخلص من مختلف الروايات في ذلك أن المنصور تحادث
مع مالك في تدوين علم أهل المدينة عام ثمانية وأربعين ومئة محادثة إجمالية ولما حج
قبل حجته الأخيرة أوصاه أن يتجنب فيما يدونه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس وشواذ
ابن مسعود رضي الله عنهم
وأما إخراجه للناس ففي سنة تسع وخمسين ومئة في عهد
المهدي فلا تثبت روايته ممن تقدم على ذلك " . انتهى
وقال شيخنا الكوثري أيضا رحمه الله تعالى في مقدمته لجزء
" أحاديث الموطأ واتفاق الرواه عن مالك واختلافهم فيها " للدار قطني ما
يلي : " ألف عبد العزيز بن عبد لله بن أبي سلمة الماجشون كتابا فيما اجتمع
عليه أهل المدينة ولما اطلع عليه مالك بن أنس رضي الله عنه استحسن صنيعه إلى أنه أخذ
عليه إغفاله ذكر الأخبار والآثار في الأبواب حتى قرر أن يقوم هو بنفسه بجمع كتاب تحتوي
أبوابه صحاح الأخبار وعمل أهل المدينة في أبواب الفقه فيدأ يمهد السبيل لذلك
وكان المنصور العباسي بلغه شيء مما عزم عليه مالك فاجتمع
به في حجته - قبل - الأخيرة في التحقيق وأوصاه أن يدون علم أهل المدينة مجتنبا رخص
ابن عباس وشدائد ابن عمر وشواذ ابن مسعود رضي الله عنهم حيث كان جماعة من أصحاب
هؤلاء ينشرون علومهم في المدينة المنورة منهم الفقهاء العشرة في أيام عمر بن عبد
العزيز ولهم أصحاب وأصحاب أصحاب أدركهم مالك
فتقوت عزيمة مالك حتى تجرد لجمع الصفوة من الأحاديث
والآثار المروية عند أهل المدينة ولجمع العمل المتوارث بينهم مقتصرا في الرواية
على شيوخ أهل المدينة سوى ستة وهم : أبو الزبير من مكة وإبراهيم بن أبي عبلة من
الشام وعبد الكريم بن مالك من الجزيرة وعطاء بن عبد الله من خراسان وحميد الطويل وأيوب
السختياني من البصرة إلى أن أتم عمله في عهد المهدي العباسي كما بينت ذلك فيما
علقت على " الانتقاء " لابن عبد البر " . انتهى
وهذا الذي رجحه شيخنا من أن المنصور تحدث مع مالك في سنة
148 ، بشأن تدوين علم أهل المدينة وأوصاه قبل حجته الأخيرة أن يتجنب في التأليف
شدائد ابن عمر . . غير ظاهر فإن حجته الأخيرة التي توفي فيها كانت سنة 158 ،
والحجة التي قبلها كانت سنة 152 والتي قبلها سنة 147 ، والتي قبلها سنة 144 ،
والتي قبلها سنة 140 ، كما أسلفته عن " تاريخ ابن جرير "
ولم يحج المنصور في سنة 148 ، وإنما حج بالناس ابنه جعفر
كما في غير كتاب فتكون سنة 148 سبق قلم عن 147
ثم قوله : إن المنصور تحدث مع مالك في تلك السنة وأوصاه
بتجنب ما أوصاه بتجنبه في الحجة التي قبل الأخيرة وهي - كما عند ابن جرير - سنة
152 ، فيه بعد أيضا فإن المتبادر أن يقع ذلك من المنصور في أول حجة له بعد توليه الخلافة
سنة 140 ، أو في ثاني حجة سنة 144 ، ويمكن أن يكون ذلك في ثالث حجة سنة 147 ، أما
في رابع حجة سنة 152 ، ففيه بعد شديد لأنه يلزم أن يكون مالك ألف " الموطأ
" بأقل من سبع سنوات لأنه قد سمعه منه المهدي سنة 159 ، على ما ذكره شيخنا في
حين أن المهدي إنما حج بالناس سنة 160 ، وحج الهادي سنة 161 ، كما عند ابن جرير
والمذكور أن مالكا ألف " الموطأ " في سنين كثيرة
ذكر أنها أربعون وذكر أنها دون ذلك وعلى كل حال يستبعد أن تكون مدة التأليف نحو
سبع سنوات لما عرف من إتقان مالك وضبطه وانتقائه وقلة تحديثه بالأحاديث في مجالسه
فلم يكن يحدث في مجلسه إلا ببضعة أحاديث معدودة فتأليفه " الموطأ " بعد
سنة 140 جزما أو بعد سنة 147 ، وفراغه منه بعد سنة 158 جزما والله تعالى أعلم
وهكذا تم تأليف هذا الكتاب " الموطأ " فقد جمع
فيه الإمام مالك - كما سبق نقل قوله - حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقوال
الصحابة وأقوال التابعين ورأيا هو إجماع أهل المدينة لم يخرج عنها فجمع الحديث
بأوسع معانيه - وما يتصل به من آثار الصدر الأول لأنها كانت المرجع الأكبر في
الأحكام العملية
الموطأ أول ما صنف في الصحيح
:
- قال العلامة الزرقاني في مقدمته لشرح " الموطأ
" ( 12 : 1 ) : " وأطلق جماعة على الموطأ اسم الصحيح واعترضوا قول ابن
الصلاح : أول من صنف فيه البخاري وإن عبر بقوله : الصحيح المجرد للاحتراز عن
الموطأ فلم يجرد فيه الصحيح بل أدخل المرسل والمنقطع والبلاغات فقد قال الحافظ
مغلطاي : لا فرق بين الموطأ والبخاري في ذلك لوجوده أيضا في البخاري من التعاليق
ونحوها
ولكن فرق الحافظ ابن حجر : بأن ما في الموطأ كذلك مسموع
لمالك غالبا قال : " وما في البخاري قد حذف إسناده عمدا لأغراض قررتها في "
التغليق " تظهر أن ما في البخاري من ذلك لا يخرجه عن كونه جرد فيه الصحيح
بخلاف الموطأ " بل قال الحافظ مغلطاي : أول من صنف الصحيح مالك
وقول الحافظ : هو صحيح عنده وعند من يقلده على ما اقتضاه
نظره من الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما لا على الشرط الذي استقر عليه العمل في
حد الصحة : تعقبه السيوطي بأن ما فيه من المراسيل - مع كونها حجة عنده بلا شرط
وعند من وافقه من الأئمة - هي حجة عندنا أيضا لأن المرسل حجة عندنا إذا اعتضد وما
من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد فالصواب إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثنى
منه شيء
وقد صنف ابن عبد البر كتابا في وصل ما في الموطأ من
المرسل والمنقطع والمعضل وقال : وجميع ما فيه من قوله : بلغني ومن قوله : عن الثقة
عنده مما لم يسنده أحد وستون حديثا كلها مسندة من غير طريق مالك إلا أربعة لا تعرف
: أحدها : إني لا أنسى ولكن أنسى لأسن . والثاني : أن النبي صلى الله عليه و سلم
أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا
مثل الذي بلغه غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خيرا من ألف شهر والثالث
قول معاذ : آخر ما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه و سلم - وقد وضعت رجلي في
الغرز - أن قال : حسن خلقك إلى الناس . والرابع : إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك
عين غديقة "
وتعقب الحافظ ابن حجر أيضا الشيخ صالح الفلاني فقال (
كما في " الرسالة المستطرفة "
ص 5 - 6 ) : " وفيما قاله الحافظ ابن حجر من الفرق
بين بلاغات الموطأ ومعلقات البخاري : نظر فلو أمعن الحافظ النظر في الموطأ كما
أمعن النظر في البخاري لعلم أنه لا فرق بينهما وما ذكره من أن مالكا سمعها كذلك
غير مسلم لأنه يذكر بلاغا في رواية يحيى مثلا أو مرسلا فيرويه غيره عن مالك موصولا
مسندا
وما ذكر من كون مراسيل الموطأ حجة عند مالك ومن تبعه دون
غيرهم : مردود بأنها حجة عند الشافعي وأهل الحديث لاعتضادها كلها بمسند ذكره ابن عبد
البر والسيوطي وغيرهما
وما ذكره العراقي أن من بلاغاته ما لا يعرف : مردود بأن ابن
عبد البر ذكر أن جميع بلاغاته ومراسليه ومنقطعاته كلها موصولة بطرق صحاح إلا أربعة
فقد وصل ابن الصلاح الأربعة بتأليف مستقل وهو عندي وعليه خطه فظهر بهذا أنه لا فرق
بين " الموطأ والبخاري " وصح أن مالكا أول من صنف في الصحيح كما ذكره
ابن العربي وغيره "
مكانة " الموطأ " وصعوبة الجمع بين الفقه والحديث
:
- تأليف الحديث وجمعه في كتاب على الأبواب الفقهية لا
ينهض به إلا فقيه يدري معاني الأحاديث ويفقه مداركها ومقاصدها ويميز بين لفظ ولفظ
فيها وهذا النمط من العلماء المحدثين الفقهاء يعد نزرا يسيرا بالنظر إلى كثرة المحدثين
الرواة والحفاظ الأثبات إذ الحفظ شيء والفقه شيء آخر أميز منه وأشرف وأهم وأنفع
فإن الفقه دقة الفهم للنصوص من الكتاب والسنة - عبارة أو إشارة صراحة أو كناية -
وتنزيلها منازلها في مراتب الأحكام لا وكس ولا شطط ولا تهور ولاجمود
وهذه الأوصاف عزيزة الوجود في العلماء قديما فضلا عن شدة
عزتها في الخلف المتأخر ويخطئ خطأ مكعبا من يظن أويزعم أن مجرد حفظ الحديث أو
اقتناء كتبه والوقوف عليه يجعل من فاعل ذلك فقيها عارفا بالأحكام الشرعية ودقيق
الاستنباط . قال محمد بن يزيد المستملي : سألت أحمد بن حنبل عن - شيخه - عبد
الرزاق - صاحب المصنف المطبوع في أحد عشر مجلدا - : أكان له فقه ؟ فقال : ما أقل
الفقه في أصحاب الحديث ( كما في ترجمة ( محمد بن يزيد المستملي ) في " طبقات
الحنابلة " لابن أبي يعلى 329 : 1
)
وجاء في " تقدمة الجرح والتعديل " لابن أبي
حاتم ( ص 293 ) في ترجمة ( أحمد بن حنبل ) وفي " مناقب الإمام أحمد "
لابن الجوزي ( ص 63 ) وفي " تاريخ الإسلام " للذهبي - مخطوط - من طريق
ابن أبي حاتم في ترجمة ( أحمد بن حنبل
) أيضا ما يلي :
قال إسحاق بن راهويه : كنت أجالس بالعراق أحمد بن حنبل ويحيى
بن معين وأصحابنا فكنا نتذاكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة فيقول يحيى بن معين
من بينهم : وطريق كذا فأقول : أليس قد صح هذا بأجماع منا ؟ فيقولون : نعم فأقول :
ما مراده ؟ ما تفسيره ؟ ما فقهه ؟ فيبقون - أي يسكتون مفحمين - كلهم إلا أحمد بن
حنبل
انتهى
كبار الحفاظ الأقدمين وحدود معرفتهم بالفقه
:
- قال عبد الفتاح : هذا النص يفيدنا بجلاء أن المعرفة
التامة بعلم الحديث - ولو من أولئك الأئمة الكبار أركان علم الحديث في أزهى عصور
العلم - لا تجعل المحدث الحافظ ( فقيها مجتهدا ) إذ لو كان الاشتغال بالحديث يجعل ( الحافظ ) : (
فقيها مجتهدا ) لكان الحفاظ الذين لا يحصى عددهم والذين بلغ حفظ كل واحد منهم
للمتون والأسانيد ما لا يحفظه أهل مصر من الأمصار اليوم : أولى بالاجتهاد ولكنهم صانهم الله
تعالى فما زعموه لأنفسهم
بل إن سيد الحفاظ الإمام ( يحيى بن سعيد القطان ) البصري
إمام المحدثين وشيخ الجرح والتعديل : كان لا يجتهد في استنباط الأحكام بل يأخذ
بقول الإمام أبي حنيفة كما في ترجمة ( وكيع بن الجراح ) في " تذكرة الحفاظ
" للحافظ الذهبي ( 307 : 1
) . وفي " تهذيب التهذيب " ( 450 : 10 ) في
ترجمة ( أبي حنيفة النعمان بن ثابت ) : " قال أحمد بن سعيد القاضي : سمعت
يحيى بن معين - تلميذ يحيى القطان - يقول : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : لا
نكذب الله ما سمعنا رأيا أحسن من رأي أبي حنيفة وقد أخذنا بأكثر أقواله " .
انتهى
وكان إمام أهل الحفظ في عصره وكيع بن الجراح الكوفي محدث
العراق لا يجتهد أيضا ويفتي برأي الإمام أبي حنيفة الكوفي ففي " تذكرة الحفاظ
" للحافظ الذهبي ( 307 : 1
) و " تهذيب التهذيب " ( 126 : 11 - 127 ) :
" قال حسين بن حبان عن ابن معين - تلميذ وكيع - : " ما رأيت أفضل من
وكيع كان يستقبل القبلة ويحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم ويفتي بقول أبي حنيفة "
وكذلك هؤلاء الحفاظ الأئمة الأجلة الذين عناهم الإمام
إسحاق بن راهويه في كلمته المذكورة ومنهم يحيى بن معين كانوا لا يجتهدون وقد أخبر
عنهم أنهم كانوا يفيضون في ذكر طرق الحديث الواحد إفاضة زائدة فيقول لهم : ما مراد
الحديث ؟ ما تفسيره ؟ ما فقهه ؟ فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل
وهذا عنوان دينهم وأمانتهم وحصافتهم وورعهم إذ وقفوا عند
ما يحسنون ولم يخوضوا فيما لا يحسنون وذلك لصعوبة الفقه الذي يعتمد على الدراية
وعمق الفهم للنصوص من الكتاب والسنة والآثار وعلى معرفة التوفيق بينها وعلى معرفة
الناسخ والمنسوخ وما أجمع عليه وما اختلف فيه وعلى معرفة الجرح والتعديل وقدرة الترجيح
بين الأدلة وعلى معرفة لغة العرب ألفاظا وبلاغة ونحوا ومجازا وحقيقة ...
ومن أجل هذا قال الإمام أحمد لما سأله محمد بن يزيد المستملي
- كما تقدم - عن المحدث الحافظ الكبير ( عبد الرزاق بن همام الصنعاني ) صاحب
التصانيف التي منها " المصنف " وشيخ الإمام أحمد نفسه وشيخ إسحاق بن
راهويه ويحيى بن معين ومحمد بن يحيى الذهلي أركان علم الحديث وروايته في ذلك العصر
وشيخ خلق سواهم المتوفى سنة 211 عن 85 سنة : " أكان له فقه ؟ فقال الإمام
أحمد : ما أقل الفقه في أصحاب الحديث
"
وروى الإمام البيهقي في " مناقب الشافعي " (
152 : 2 ) : " عن الربيع المرادي قال : سمعت الشافعي يقول لأبي علي بن مقلاص
- عبد العزيز بن عمران المتوفى سنة 234 ، الإمام الفقيه - : تريد تحفظ الحديث
وتكون فقيها ؟ هيهات ما أبعدك من ذلك - ولم يكن هذا لبلادة فيه حاشاه -
قلت - القائل البيهقي - : وإنما أراد به حفظه على رسم أهل
الحديث من حفظ الأبواب والمذاكرة بها وذلك علم كثير إذا اشتغل به فربما لم يتفرغ
إلى الفقه فأما الأحاديث التي يحتاج إليها في الفقه فلا بد من حفظها معه فعلى
الكتاب والسنة بناء أصول الفقه وبالله التوفيق
وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - هو الحاكم النيسابوري
- قال : أخبرني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤذن قال : سمعت عبد الله بن محمد
بن الحسن يقول : سمعت إبراهيم بن محمد الصيدلاني يقول : سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي - هو
إسحاق بن راهويه - يقول : ذاكرت الشافعي فقال : لو كنت أحفظ كما تحفظ لغلبت أهل
الدنيا
وهذا لأن إسحاق الحنظلي كان يحفظه على رسم أهل الحديث
ويسرد أبوابه سردا وكان لا يهتدي إلى ما كان يهتدي إليه الشافعي من الاستنباط
والفقه وكان الشافعي يحفظ من الحديث ما كان يحتاج إليه وكان لا يستنكف من الرجوع
إلى أهله فيما اشتبه عليه وذلك لشدة اتقائه لله عز و جل وخشيته منه واحتياطه لدينه
" . انتهى
قال عبد الفتاح : وفي كل من هذين النصين الغاليين فوائد
عظيمة جدا ففيه أن الجمع بين الفقه والحديث على رسم أهل الحديث متعذر - إلا لمن
أكرمه الله بذلك - إذ قال الشافعي في هذا : هيهات
وفيه بيان الإمام البيهقي لهذا المعنى بجلاء ووضوح وهو
إمام محدث وفقيه فلكلامه مقام رفيع في هذا الباب
وفيه دعم الإمام البيهقي رحمه الله تعالى هذا الذي قاله
في تفسير كلمة الشافعي لابن مقلاص بكلمة الشافعي لإسحاق بن راهويه رضي الله عنهما
بشكل يقطع لسان كل مشاغب على الفقهاء من رواة الحديث بدعوى أنه أهل للاستنباط والفقه
والاجتهاد في الأحكام
فهذا يحيى بن معين إمام الحفظ للحديث وإمام الجرح
والتعديل يقف ساكتا في مسألة جواز تغسيل المرأة الحائض للمرأة الميتة حتى يأتي
الإمام أحمد بن حنبل فيفتيهم بجواز ذلك ويذكر لهم دليله مما هو محفوظ لديهم كل
الحفظ من عدة طرق . كما سيأتي نقله قريبا
وهذا الإمام الشافعي يقول لإسحاق بن راهويه : لو كنت
أحفظ ما تحفظ لغلبت أهل الدنيا . وفيه بيان تميز الشافعي بالفقه وتميز ابن راهويه
بالحفظ ولكنه لم يمكي ابن راهويه أن يبلغ مبلغ الشافعي بالفقه مع إقرار الشافعي له
بالتفوق العظيم الباهر في الحفظ لأنه كما قال البيهقي : كان يسرد الحديث سردا مع أنه
قد ذكره بعضهم في عداد من كان له مذهب فقهي
فسرد الحديث وحفظه وروايته : غير فهمه واستنباط معنايه
على وجهها إذ خلق الله تعالى لكل علم أهلا ينهضون به ويتميزون على سواهم
الإمامة في علم تجتمع معها العامية في علم آخر
:
- ولا غضاضة في هذا فالعلم رزق وعطاء من الله تعالى وهو
كثير وكبير وثقيل ولا يملك كل إمام ناصية كل علم أراد معرفته فقد قال الإمام أبو
حامد الغزالي وتبعه الإمام ابن قدامة الحنبلي في بعض مباحث الإجماع في كتابيهما : " المستصفى
" و " روضة الناظر " ما معناه : كم من عالم إمام في علم عامي في
علم آخر
قال الإمام أبو حامد الغزالي في آخر رسالته : "
قانون التأويل " : " واعلم أن بضاعتي في علم الحديث مزجاة " .
انتهى
ومثل هذه الكلمة المملوءة بالتواضع لا يقولها هذا الإمام
العظيم والمحجاج الفريد حجة الإسلام لولا ما كان عليه من السلوك السني والخلق
السني والخلق السني : " أنتم أعلم بأمر دنياكم "
فهل رأيت في هؤلاء الأدعياء المدعين للاجتهاد من ينصف
الواقع والحق فيقول عن نفسه فيما لا يحسنه مثل هذا ؟
خلق الله للعلوم رجالا ... ورجالا لنفشة ودعاوي
وقال الحافظ الإمام أبو عمر بن عبد البر في " جامع
بيان العلم وفضله " ( 160
: 2 ) تعقيبا على قول الإمام أحمد : " من أين يعرف
يحيى بن معين الشافعي ؟ هو لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقول الشافعي قال أبو عمر
: صدق أحمد بن حنبل رحمه الله إن ابن معين لا يعرف الشافعي . وقد حكي عن ابن معين أنه
سئل عن مسألة من التيمم فلم يعرفها
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال
: حدثنا ابن زهير قال : سئل يحيى بن معين وأنا حاضر عن رجل خير امرأته فاختارت
نفسها ؟ فقال : " سل عن هذا أهل العلم " . انتهى
وجاء في " ذيل طبقات الحنابلة " للحافظ ابن
رجب ( 131 : 1 ) و " المنهج الأحمد " للعليمي ( 208 : 2 ) في ترجمة (
يحيى بن منده الأصبهاني ) : " قال فوران : ماتت امرأة لبعض أهل العلم فجاء
يحيى بن معين والدورقي فلم يجدوا امرأة تغسلها إلا امرأة حائضا فجاء أحمد بن حنبل
وهو جلوس فقال : ما شأنكم ؟ فقال أهل المرأة : ليس يجد غاسلة إلا امرأة حائضا فقال
أحمد بن حنبل : أليس تروون عن النبي صلى الله عليه و سلم : " يا عائشة ناوليني
الخمرة قالت : إني حائض فقال : إن حيضتك ليست في يدك " يجوز أن تغسلها فخجلوا
وبقوا " . انتهى
يسر الرواية وصعوبة الفقه والاجتهاد
:
- فلا شك في يسر الرواية بالنظر لمن توجه للحفظ والتحمل
والأداء وآتاه الله حافظة واعية فلهذا كان المتأهلون للرواية أكثر جدا من
المتأهلين للفقه والاجتهاد روى الحافظ الرامهرمزي في كتابه " المحدث الفاصل
بين الراوي والواعي " ( ص 560 ) بسنده عن أنس بن سيرين قال : " أتيت
الكوفة فرأيت فيها أربعة آلاف يطلبون الحديث وأربع مئة قد فقهوا " . انتهى
وفي هذا ما يدل على أن وظيفة الفقيه شاقة جدا فلا يكثر
عدده كثرة عدد النقلة الرواة وإذا كان مثل ( يحيى القطان ) و ( وكيع بن الجراح ) و
( عبدا الرزاق ) و ( يحيى بن معين ) وأضرابهم لم يجرؤوا أن يخوضوا في الاجتهاد
والفقه فما أجرأ المدعين للاجتهاد في عصرنا هذا ؟ مع تجهيل السلف بال حياء ولا خجل
نعوذ بالله من الخذلان
وإنما أكثرت من هذه الوقائع لأولئك الحفاظ الكبار والمحدثين
الأئمة التي تبين منها أن الحفظ شيء والفقه وفهم النصوص شيء آخر لأن عددا من الناس
في عصرنا يخيل إليهم أن كثرة الكتب التي تقذف بها المطابع اليوم ووفرة الفهارس
التي تصنع لها : تجعل ( الإجتهاد ) أمرا ميسورا لمن أراده وهو خيال باطل وتوهم
خادع
فالحفظ العجيب الذي كان عليه هؤلاء المحدثون الأكابر في
القرون الأولى الزاهرة مع سيلان أذهانهم المسعفة - وليست كالكتب الجامدة الصماء -
والبيئة التي كانت تجيش فيها من حولهم حلقات التحديث والتفقيه والسماع والتدريس
ووفرة المحدثين والفقهاء كل ذلك لم يخولهم أن يجتهدوا ويغالطوا أنفسهم فصدقوا مع
الله ومع أنفسهم ومع الناس
ولم يكونوا بحال من الأحوال أقل ذكاء من ( المتمجهدين )
في هذا العصر بل كانوا أهل ذكاء مشهور وفطنة بالغة ووعي شديد وانقطاع للعلم ولكنهم
لم يدخلوا أنفسهم فيما لا يحسنون واقتصروا على ما يحسنون فحمدت سيرتهم وعظمت
مكانتهم في النفوس ودل ذلك على حسن إسلامهم وفهمهم لواقعهم فرحمة الله تعالى عليهم
ورضوانه العظيم
قال الحافظ الخطيب البغدادي في " الفقيه والمتفقه " ( 81 : 2
) : " وليعلم أن الإكثار من كتب الحديث وروايته لا يصير بها الرجل فقيها إنما
يتفقه باستنباط معانيه وإنعام التفكر فيه " وساق الشواهد الكثيرة الناطقة
على ذلك
فكتاب " الموطأ " تأليف محدث فقيه وإمام مجتهد
بارع كبير تميز بمزايا لا توجد في سواه من الكتب المصنفة في الحديث الشريف
مزايا " الموطأ "
:
- لكتاب " الموطأ " مزايا كثيرة تميز بها عن
سواه من كتب الحديث الشريف أتعرض هنا إلى جملة منها باختصار :
فمزية " الموطأ "
أولا : أنه تأليف إمام فقيه محدث مجتهد متقدم كبير متبوع
شهد له أئمة عصره ومن بعدهم بالإمامة في الفقه والحديث دون منازع . روى الحافظ ابن
أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ( 1 / 1 : 25 ) " عن علي بن
المديني قال : كان حديث الفقهاء أحب إليهم من حديث المشيخة "
وقال الإمام ابن تيمية في " منهاج السنة النبوية " (
115 : 4 من طبعة بولاق ) : " قال أحمد بن حنبل : معرفة الحديث والفقه فيه أحب إلي من
حفظه . وقال علي بن المديني : أشرف العلم الفقه في متون الأحاديث ومعرفة أحوال
الرواة " . انتهى
وفي
" تدريب الراوي للحافظ السيوطي ( ص 8 ) : "
قال الأعمش : حديث يتداوله الفقهاء خير من حديث يتداوله الشيوخ " . وعقد
الحافظ الرامهرمزي بابا طويلا في ( فضل من جمع بين الرواية والدراية ) ( ص 238 وما
بعدها ) وعقد بعده الحافظ الخطيب البغدادي في آخر كتابه " الكفاية " ( ص
433 ) : ( باب القول في ترجيح الأخبار ) وذكر فيه ما يتصل بتفضيل حديث الفقيه على
غيره
ومزيته ثانيا : أنه أطبق العلماء على الثناء عليه
وتبجيله وكثر كلامهم في مدحه وتقريظه وأكتفي هنا بكلمات قالها إمام الأئمة الفقيه
المحدث المجتهد المتبوع الإمام الشافعي رضي الله عنه وحسبك به وكفى
قال : ما على ظهر الأرض كتاب أصح بعد كتاب الله من كتاب
مالك . وفي لفظ آخر : ماعلى الأرض كتاب هو أقرب إلى القرآن من كتاب مالك . وفي لفظ
آخر : ما بعد كتاب الله تعالى أكثر صوابا من موطأ مالك . وفي لفظ آخر : ما بعد
كتاب الله كتاب أنفع من الموطأ
وتنوع هذه العبارات يفيد تكرار ثناء الإمام الشافعي رضي
الله عنه على كتاب الموطأ أكثر من مرة في أوقات متعددة
ومزيته ثالثا : أنه من مؤلفات منتصف القرن الثاني من
الهجرة فهو سابق غير مسبوق بمثله إذ هو أول كتاب في بابه وللسابق فضل ومزية إذ هو
الإمام الذي سن التأليف الحديثي على أبواب الفقه واقتدى به المؤتمون من ورائه مثل
عبد الله بن المبارك والبخاري ومسلم وسعيد بن منصور وأبي داود والترمذي والنسائي
وابن ماجه وسواهم
فهو بسبق حائز تفضيلا ... مستوجب ثناءنا الجميلا
ومزيته رابعا : أنه يرويه عن مؤلفه إمام فقيه محدث مجتهد
كبير متبوع مشهود له بالإمامة في الفقه والحديث والعربية الإمام محمد بن الحسن
الشيباني لازم شيخه مالكا ثلاث سنين وسمع منه الكتاب بلفظه فتملأ وتروى ونهل وعب
من فقهه وعلمه وروايته مع ما كان عليه من الذكاء النادر والفطنة التامة وفقاهة النفس
والبدن
ومزيته خامسا : أنه من رواية الإمام محمد بن الحسن الشيباني
تلميذ الإمامين أبي حنيفة وأبي يوسف وشيخ الإمام الشافعي وقد أتقن روايته عن شيخه
مالك وأضاف بعد روايته أحاديث الباب بيان مذهبه في المسألة موافقا أو مخالفا وبيان
مذهب شيخة الإمام أبي حنيفة فيها وموافقته له أو مخالفته وبيان مذهب شيخة الإمام
مالك أحيانا ومذهب عامة فقهائنا أيضا
ويعقب في كثير من الأبواب ببيان معنى الحديث وتوجيهه وما
يستحسنه أو يستحبه أو يكرهه من وجوه المسألة . وقد يفصل تفصيلا وافيا الأقوال
والفروق بين مذهبه ومذهب شيخة الإمام أبي حنيفة أو مذهب شيخه الإمام مالك ويبين
أحوال المسألة وأحكامها كما في الباب 18 ( باب الوضوء من الرعاف ) . وقد يسوق تأييدا
لما ذهب إليه مخالفا جملة أحاديث في الباب - عن غير مالك - عن أبي حنيفة وغيره
وذكر في بعض الأبواب 16 ستة عشر حديثا من غير طريق مالك كما
في الباب 5 ( باب الوضوء من مس الذكر ) تأييدا لمذهبه من عدم نقض الوضوء بمسه .
وهذا عدد كبير جدا في الباب
وقد يورد في بعض الأبواب - لتأييد مذهبه - ستة أحاديث أو سبعة
أحاديث أو أكثر أو أقل من غير طريق مالك أيضا كما تراه في الباب 17 ( باب الاغتسال
يوم الجمعة )
وهذا عدد كبير في الباب أيضا
ولكثرة ما رواه من الأحاديث فيه من غير طريق مالك ولكثرة
ماذكره فيه أيضا من اجتهاده وفقهه وفقه أبي حنيفة وغيره في كل باب تقرييا ومذاهب
بعض الصحابة في بعض الأبواب اشتهر هذا الكتاب باسم ( موطأ الإمام محمد )
ولا غرابة في ذلك إذ لم يكن ( موطأ محمد ) مجرد كتاب
يروى بحروفه كما سمعه راويه من مؤلفه دون زيادة أو تعليق أو استدراك بل هو كتاب
فيه فقه الإمام محمد وفقه شيخه الإمام أبي حنيفة وفقه عامة أصحابنا الحنفية قبل
الإمام محمد ومذاهب بعض الصحابة ومناقشته أيضا لما ذهب إليه مالك أو غيره
فهو مدونة من فقه أهل الحديث والاجتهاد والرأي في الحجاز
والعراق مع الموازنة بين تلك الآراء والمذاهب في المسألة
وهذه ميزة غالية جدا عند من يدركها ويعرف قيمتها فلا
غرابة أن يضاف ( الموطأ ) هذا إلى روايه لأنه من طريقه يروى ولأنه أضاف إليه
أحاديث كثيرة وأدخل فيه علما زائدا غير قليل يتصل بفقه الحديث وأحكام الباب
ومقابلة الاجتهاد بمثله
كلمة عن روايات الموطأ عن مالك
:
- قال شيخنا العلامة الكوثري رحمه الله تعالى في المقدمة
التي كتبها لجزء الحافظ الدارقطني المسمى : " أحاديث الموطأ واتفاق الرواة عن
مالك واختلافهم فيها زيادة ونقصا " ما يلي :
ألف عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون كتابا
فيما اجتمع عليه أهل المدينة ولما اطلع عليه مالك بن أنس رضي الله عنه استحسن صنعه
إلا أنه أخذ عليه إغفاله ذكر الأخبار والآثار في الأبواب حتى قرر مالك أن يقوم هو
بنفسه بجمع كتاب تحتوي أبوابه صحاح الأخبار وعمل أهل المدينة في أبواب الفقه فألف
الموطأ وأخذ يلقيه على أصحابه فيتلقونه منه سماعا . ولم يكن تأليفه الكتاب ليعطيه
الناس فينسخوه ويتداولوه بينهم كعادة أهل الطبقات المتأخرة في تصانيفهم بل كان
التعويل حينذاك على السماع فقط . وكان تأليفه الكتاب لنفسه خاصة لئلا يغلط فيما يلقيه
على الجماعة كعادة أهل طبقته من العلماء في تآليفهم ولذا كان يزيد فيه وينقص منه
حسب ما يبدو له في كل دور من أدوار التسميع المختلفة فاختلفت نسخ الموطأ ترتيبا
وتبويبا وزيادة ونقصا وإسنادا وإرسالا على اختلاف مجالس المستملين . فأصبح رواتها
على اختلاف الختمات هم مدونوها في الحقيقة فمنهم من سمع عليه الموطأ سبع عشرة مرة
أو أكثر أو أقل بأن لازمه مددا طويلة تسع تلك المرات ومنهم من جالسه نحو ثلاث
سنوات حتى تمكن من سماع أحاديثه من لفظه ومنهم من سمعه عليه في ثمانية أشهر ومنهم
من سمعه في أربعين يوما ؟ ومنهم من سمعه عليه في أيام هرمه في مدة قصيرة ومنهم من
سمعه في أربعة أيام إلى آخر ما فصل في موضعه . ومنازل هؤلاء المستملين تتفاوت فهما
وضبطا وضعفا وقوة فتكون مواطن اتفاقهم في الذروة من الصحة عن مالك ومواضع اختلافهم
وانفرادهم متنازلة المنازل إلى الحضيض حسب مالهم من المقام في كتب الرجال . وقد
ذكر أبو القاسم الغافقي اثني عشر راويا من رواة الموطأ في
مسند الموطأ " له فيهم عبد الله بن يوسف التنيسي
ومحمد بن المبارك الصوري وسليمان بن بردة . واستدرك السيوطي عليه راويين نسختاهما
من أشهر النسخ
وساق ابن طولون في " الفهرس الأوسط " أسانيد
الموطأ من أربع وعشرين طريقا وكذلك أبو الصبر أيوب الخلوتي حيث ساق أسانيده في
" ثبته " من طريق ابن طولون ومن غير طريقه
قال عبد الفتاح بن محمد بن بشير أبو غدة - غفر الله
لمشايخه ولوالديه وتاب عليهم وعليه وأحسن إليهم وإليه - : إني أروي الموطأ إجازة
بطريق شيخنا الحافظ المحدث الناقد العلامة محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى وهو
يروي إجازة بطريق الحجار روايات
:
- 1 - محمد بن الحسن
- 2 - ويحيى بن يحيى النيسابوري
- 3 - وقتيبة بن سعيد
- 4 - وعبد الله بن عمر بن غانم
- 5 - وعبد العزيز بن يحيى الهاشمي
- 6 - وعبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون
- 7 - وابن القاسم
- 8 - وعبد الله بن نافع الزبيري
وبطريق أبي هريرة بن الذهبي روايات :
- 9 - مطرف بن عبد الله اليساري
- 10 - ومصعب بن عبد الله الزبيري
- 11 - وعلي بن زياد التونسي
- 12 - وأشهب
وبطريق محمد بن عبد الله بن المحب رواية :
- 13 - عبد الله بن وهب ورواية :
- 14 - إسحاق بن عيسى الطباع
وبطريق إبراهيم بن محمد الأرموي رواية :
- 15 - عبد الله بن مسلمة القعنبي
وبطريق زينب بنت الكمال المقدسية روايات :
- 16 - الشافعي
- 17 - ومحمد بن معاوية الأطرابلسي
- 18 - وأسد بن الفرات
وبطريق ابن حجر روايات :
- 19 - يحيى بن يحيى الليثي
- 20 - وأبي مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري
- 21 - ويحيى بن عبد الله بن بكير المصري
- 22 - وسويد بن سعيد
- 23 - وسعيد بن كثير بن عفير
- 24 - ومعن بن عيسى القزاز
قال شيخنا الكوثري : " وهؤلاء أربعة وعشرون راويا
من أصحاب مالك
وأحمد يكثر من طريق ابن مهدي
وأبو حاتم من طريق معن بن عيسى
والبخاري من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي
ومسلم من طريق يحيى بن يحيى النيسابوري
وأبو داود من طريق القعنبي
والنسائي من طريق قتيبة بن سعيد
وقد أوصل الحافظ محمد بن عبد الله الدمشقي المعروف بابن
ناصر الدين رواة الموطأ إلى ثلاثة وثمانين راويا في كتابه " إتحاف السالك
برواة الموطأ عن مالك "
وأشهر رواياته في هذا العصر رواية محمد بن الحسن بين
المشارقة ورواية يحيى الليثي بين المغاربة
فالأولى : تمتاز ببيان ما أخذ به أهل العراق من أحاديث
أهل الحجاز المدونة في الموطأ وما لم يأخذوا به لأدلة أخرى ساقها محمد في موطئه
وهي نافعة جدا لمن يريد المقارنة بين آراء أهل المدينة وآراء أهل العراق وبين أدلة
الفريقين
والثانية : تمتاز عن نسخ الموطأ كلها باحتوائها على آراء
مالك البالغة نحو ثلاثة آلاف مسألة في أبواب الفقه
وهاتان الروايتان نسخهما في غاية الكثرة في خزانات
العالم شرقا وغربا
وتوجد رواية ابن وهب في مكتبتي فيض الله وولي الدين
بالآستانة . ورواية سويد بن سعيد ورواية أبي مصعب الزهري في ظاهرية دمشق . وأطراف
الموطأ للداني في مكتبة الكبريلي في الآستانة
وطالب الحديث إذا عني بادئ ذي بدء بمدارسة أحوال رجال
الموطأ فاحصا عن الأسانيد والمتون فيه تدرج - عن دوق وخبرة - في مدارج معرفة
الحديث والفقه في آن واحد بتوفيق الله سبحانه فيصبح على نور من ربه في باقي بحوثه
في الحديث راقيا على مراقي الاعتلاء في العلم نافعا بعلمة منتفعا به والله سبحانه
ولي التسديد "
كلمات في ترجمة محمد بن الحسن راوي الموطأ وكلمات في العمل بالرأي الذي
يغمز به :
سيظهر للمطالع من قراءة هذا الموطأ وفرة شيوخ الإمام
محمد بن الحسن ومكانته في الحديث إلى جانب مكانته في الفقه والاجتهاد فقد ظلمه
جملة من المحدثين ظلما شديدا لما كان عليه من الاجتهاد والعمل بالرأي والرأي عند الكثير
منهم أو أكثرهم من خوارم الثقة بالراوي يذكرونه في ترجمة الراوي في جملة المغامز
له ولو كان إماما ثقة كل الثقة في الحديث مع أنه لا فقه بلا رأي ولا أحد من الأئمة
المتبوعين والمعتبرين لم يعمل بالرأي فهم في نقد الراوي الذي لديه رأي يمشون على
طريقة من لم يكن مثلنا فهو خصم لنا إنا لله
فأذكر هنا جملا يسيرة أقطفها من ترجمة الإمام محمد بن
الحسن في " الجزء " المطبوع مع جزء " مناقب أبي حنيفة وصاحبيه
أبي يوسف ومحمد بن الحسن "
للحافظ الذهبي ( ص 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 84 ، 93 ، 94 ،
من الطبعة الثالثة في بيروت سنة 1408 ) للتعريف بطرف من سيرة هذا الإمام الجليل
انتهت إليه رياسة الفقه بالعراق بعد أبي يوسف وتفقه به
أئمة وصنف التصانيف وكان من أذكياء العالم . ولي قضاء القضاة للرشيد ونال من الجاه
والحشمة ما لا مزيد عليه . احتج به الشافعي في الحديث يحكى عنه ذكاء مفرط وعقل تام
وسؤدد وكثرة تلاوة ( في
الآداب الشرعية " لابن مفلح الحنبلي 2 : 165 بالسند
إلى الربع المرادي : " سمعت الشافعي يقول : لو أن محمد بن الحسن كان يكلمنا
على قدر عقله ما فهمنا عنه لكنه كان يكلمنا على قدر عقولنا فنفهمه " )
محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وغيره ثنا الشافعي قال :
قال محمد بن الحسن : أقمت على باب مالك ثلاث سنين وسمعت منه لفظا سبع مئة حديث
ونيفا لفظا
الربيع بن سليمان المزني سمعت الشافعي يقول : لو أشاء أن
أقول : نزل القرآن بلغة محمد بن الحسن لقلته لفصاحته وسمعت الشافعي يقول : مارأيت
سمينا أخف روحا من محمد بن الحسن وما رأيت أفصح منه كنت إذا رأيته يقرأ القرآن كأن
القرآن نزل بلغته
إدريس بن يوسف القراطيسي سمعت الشافعي يقول : ما رأيت
أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن كأنه عليه نزل
الطحاوي سمعت أحمد بن أبي داود المكي سمعت حرملة بن يحيى
سمعت الشافعي يقول : ما سمعت أحدا قط كان إذا تكلم رأيت أن القرآن نزل بلغته غير
محمد بن الحسن وقد كتبت عنه حمل بختي
محمد بن إسماعيل الرقي ثنا ؟ ؟ الربيع ثنا الشافعي قال :
حملت عن محمد الحسن حمل بختي كتبا وما ناظرت أحدا إلا تغير وجهه ما خلا محمد بن
الحسن
ابن أبي حاتم ثنا الربيع سمعت الشافعي يقول : حملت عن
محمد بن الحسن حمل بختي ليس عليه إلا سماعي قال عبد الفتاح : كم يكون من الأحاديث في حمل هذا البختي
: الجمل الطويل العنق الضخم الجسم ؟ وكم هي قيمة هذه الشهادة الغالية من الشافعي ؟
عباس بن محمد سمعت ابن معين يقول : كتبت عن محمد بن الحسن
" الجامع الصغير "
أبو خازم القاضي ثنا بكر العمي سمعت محمد بن سماعة يقول
: كان محمد بن الحسن قج انقطع قلبه من فكره في الفقه - يعني يقع له استغراق فكر
وخاطر في مسائل الفقه يأخذه عمن حوله - حتى كان الرجل يسلم عليه فيدعو له محمد فيزيده
الرجل في السلام فيرد عليه ذلك الدعاء بعينه الذي ليس من جواب الزيادة في شيء
محمد بن سماعة قال : كان محمد بن الحسن كثيرا ما يتمثل
بهذا البيت :
محسدون وشر منزلة ... من عاش في الناس يوما غير محسود
انتهى ما قطفته من جزء الحافظ الذهبي في ترحمة محمد بن
الحسن رحمهما الله تعالى
ومصداقا لما وصفه به الإمام الشافعي من سعة الصدر وكثرة
الحلم في المناظرة وعلى المخالفين والمعارضين أورد هذه الواقعة وفيها أكثر من شاهد
وفائدة
روى الحافظ الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد
" ( 158 : 11 ، وفي " أخبار أبي حنيفة وأصحابه " للقاضي أبي عبد
الله الصيمري ص 128 ) في ترجمة ( عيسى بن أبان ) المحدث الفقيه عن " محمد بن
سماعة قال " كان عيسى بن أبان يصلي معنا وكنت أدعوه أن يأتي - مجلس - محمد بن
الحسن فيقول : هؤلاء قوم يخالقون الحديث وكان عيسى حسن الحفظ للحديث فصلى معنا
يوما الصبح وكان يوم مجلس محمد فلم أفارقه حتى جلس في المجلس
فلما فرغ محمد - من المجلس - أدنيته إليه وقلت : هذا ابن أخيك أبان
بن صدقة الكاتب ومعه ذكاء ومعرفة بالحديث وأنا أدعوه إليك فيأبى ويقول : إنا نخالف
الحديث فأقبل عليه - محمد - وقال له : يابني ما الذي رأيتنا نخالفه من الحديث لا تشهد
علينا حتى تسمع منا
فسأله يومئذ عن خمسة وعشرين بابا من الحديث فجعل محمد بن
الحسن يجيبه عنها ويخبره بما فيها من المنسوخ ويأتي بالشواهد والدلائل . فالتفت إلي
عندما خرجنا فقال : كان بيني وبين النور ستر فارتفع عني ما ظننت أن في ملك الله
مثل هذا الرجل يظهره للناس ولزم محمد بن الحسن لزوما شديدا حتى تفقه به " .
انتهى
هذه لمعة من ترجمة محمد بن الحسن راوي " الموطأ
" عن الإمام مالك رضي الله عنهما وجزاهما عن العلم والدين والمسلمين خير
الجزاء
كلمات في العمل بالرأي الذي يغمز به محمد بن الحسن والحنفية وغيرهم
:
- أشرت في أول الترجمة الموجزة لمحمد بن الحسن أنه كان
يغمز بالعمل بالرأي
وأقول : العمل بالرأي مع العدالة والضبط لا يجرح صحة
الرواية ولا يضعفها ولا يخل بصدق الراوي لأن الأمانة في النقل منه قائمة تامة وورع
العدل يمنعه أن يزيد حرفا أو ينقص حرفا في الحديث الذي يرويه لديانته بروايته
ولحفظ سمعته بسلامته
وقد عمل بالرأي من لا يحصى كثرة من المحدثين والفقهاء من
أهل المدينة والكوفة والبصرة والعراق وغيرها . بل اشتهر بعضهم بقرن الرأي في اسمه
نعتا له مثل الإمام ربيعة الرأي ( أبي عثمان ربيعة بن أبي عبد الرحمن ) التابعي
المدني شيخ مالك والثوري وشعبة والليث بن سعد وهذه الطبقة المتوفى سنة 136
وأما غمز الحنفية بالعمل بالرأي فقال الإمام فخر الدين
البزدوي في مقدمة كتابه " أصول الفقة " للحنفية أصحاب الرأي : " وأصحابنا
هم السابقون في هذا الباب - أي الفقه - وهم الربانيون في علم الكتاب والسنة
وملازمة القدوة وهم أصحاب الحديث والمعاني
أما المعاني فقد سلم لهم العلماء حتى سموهم أصحاب الرأي
والرأي اسم للفقه - قال ابن تيمية : وتسمى كتب الفقه كتب الرأي كما في "
مجموع الفتاوي " 74 : 18 -
وهم أولى بالحديث أيضا ألا ترى أنهم جوزوا نسخ الكتاب
بالسنة لقوة منزلة السنة عندهم وعملوا بالمراسيل تمسكا بالسنة والحديث ورأوا العمل
بها مع الإرسال أولى من الرأي ومن رد المراسيل فقد رد كثيرا من السنة وعمل بالفرع بتعطيل
الأصل وقدموا رواية المجهول على القياس وقدموا قول الصحابي على القياس . وقال محمد
رحمه تعالى في كتاب " أدب القاضي " : لا يستقيم الحديث إلا بالرأي ولا
يستقيم الرأي إلا بالحديث " . انتهى . كلام البزدوي
قال العلامة علاء الدين البخاري في شرحه : " كشف
الأسرار " 17 : 1 : "
معناه لا يستقم الحديث إلا باستعمال الرأي فيه بأن يدرك
معانيه الشرعية التي هي مناط الأحكام . ولا يستقيم إلا بالحديث أي لا يستقيم العمل
بالرأي والأخذ به إلا بانضمام الحديث إليه "
قال عبد الفتاح : وقد أطلق هذا اللقب : ( أصحاب الرأي )
على علماء الكوفة وفقهائها من قبل أناس من رواة الحديث كان علمهم أن يخدموا ظواهر
ألفاظ الحديث ولا يرومون فهم ما وراء ذلك من استجلاء دقائق المعاني وجليل
الاستنباط وكان هؤلاء الرواة يضيقون صدرا من كل من أعمل عقله في فهم النص وتحقيق
العلة والمناط وأخذ يبحث في غير ما يبدو لأمثالهم من ظاهر الحديث ويرونه قد خرج عن
الجادة وترك الحديث إلى الرأي فهو بهذا - في زعمهم - مذموم منبوذ الرواية
وقد جرحوا بهذا اللقب طوائف من الرواة الفقهاء الأثبات
كما تراه في كثير من تراجم رجال الحديث وخذ منها بعض الأمثلة :
- 1 - جاء في ترجمة ( محمد بن عبد الله بن المثنى
الأنصاري ) عند الحافظ ابن حجر في " هدي الساري " ( 161 : 2 ) قول
الحافظ : " من قدماء شيوخ البخاري ثقة وثقه ابن معين وغيره قال أحمد : ما
يضعفه عند أهل الحديث إلا النظر في الرأي وأما السماع فقد سمع " انتهى . قلت
: انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ " للذهبي ( 371 : 1 ) و " تهذيب
التهذيب " ( 274 : 9 - 276
)
- 2 - وقال الحافظ ابن حجر أيضا في " هدي الساري
" ( 170 : 2 ) في ترجمة ( الوليد بن كثير المخزومي ) : " وثقه إبراهيم بن سعد وابن
معين وأبو داود وقال الساجي : قد كان ثقة ثبتا يحتج بحديثه لم يضعفه أحد إنما
عابوا عليه الرأي "
- 3 - وقال الحافظ الذهبي في " المغني " ( 670
: 2 ) : " معلى بن منصور الرازي إمام مشهور موثق قال أبو داود : كان أحمد لا
يروي عنه للرأي وقال أبو حاتم : قيل لأحمد : كيف لم تكتب عنه ؟ قال : كان يكتب الشروط
من كتبها لم يخل أن يكذب "
قلت : انظر ترجمته في " تذكرة الحفاظ " ( 377
: 1 ) و " تهذيب التهذيب " ( 238 : 10 - 240 ) وفي آخر ترجمته فيه :
" قال أحمد بن حنبل : معلى بن منصور من كبار أصحاب أبي يوسف ومحمد ومن ثقاتهم
في النقل والرواية " . أنتهى . فيكون أحمد ترك الكتابة عنه من أجل الرأي فقط
وقد كثر هذا النبذ لأهل الرأي والنبذ لروايات كثير منهم
حتى أثار مثل الإمام أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي وغيره من أئمة الحنابلة أن يتكلم
بسبب هذا القول فيهم أو بأويله على وجه محتمل جاء في " مسودة آل تيمية في أصول الفقه
" ص 265 : " وقال والد شيخنا في قول أحمد : ( لا يروى عن أهل الرأي ) تكلم عليه
ابن عقيل بكلام كثير قال في رواية عبد الله : ( أصحاب الرأي لا يروى عنهم الحديث )
قال القاضي - أبو يعلى - : وهذا محمول على أهل الرأي من المتكلمين كالقدرية ونحوهم
قلت - القائل الشيخ ابن تيمية - : ليس كذلك بل نصوصه في
ذلك كثيرة وهو ما ذكرته في ( المبتدع ) ( ص 264 في " المسودة " ) أنه نوع من
الهجرة فإنه قد صرح بتوثيق بعض من ترك الرواية عنه كأبي يوسف ونحوه ولذلك لم يرو
لهم في الأمهات كالصحيحين " . انتهى
ظلم جملة من المحدثين لأبي يوسف ومحمد الفقيهين المحدثين
:
- قال العلامة الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله تعالى
في كتابه : " الجرح والتعديل " ( ص 24 ) : وقد تجافى أرباب الصحاح
الرواية عن أهل الرأي فلا تكاد تجد اسما لهم في سند من كتب الصحاح أو المسانيد أو
السنن كالإمام أبي يوسف والإمام محمد بن الحسن فقد لينهما أهل الحديث كما ترى في
" ميزان الاعتدال " ولعمري لم ينصفوهما وهما البحران الزاخران وآثارهما
تشهد بسعة علمهما وتبحرهما بل بتقدمهما على كثير من الحفاظ وناهيك كتاب "
الخراج " لأبي يوسف و " موطأ " الإمام محمد
وإن كنت أعد ذلك في البعض تعصبا إذ يرى المنصف عند هذا
البعض من العلم والفقه ما يجدر أن يتحمل عنه ويستفاد من عقله وعلمه ولكن العصبية
ولقد وجد لبعض المحدثين تراجم لأئمة أهل الرأي يخجل
المرء من قراءتها فضلا عن تدوينها وما السبب إلا تخالف المشرب على توهم التخالف
ورفض النظر في المآخذ والمدارك التي قد يكون معهم الحق في الذهاب إليها فإن الحق
يستحيل أن يكون وقفا على فئة معينة دون غيرها والمنصف من دقق في المدارك غاية
التدقيق ثم حكم
نعم كان ولع جامعي السنة بمن طوف البلاد واشتهر بالحفظ
والتخصص بعلم السنة وجمعها وعلماء الرأي لم يشتهروا بذلك وقد أشيع عنهم أنهم
يحكمون الرأي في الأثر وإن كان لهم مرويات مسندة معروفة رضي الله عن الجميع وحشرنا
وإياهم مع الذين أنعم الله عليهم " . انتهى
وقال شيخنا العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى في تعليقه
على " مسند الإمام أحمد " ( 11 : 13 ) : " أبو يوسف القاضي : ثقة صدوق
تكلموا فيه بغير حق ترجمه البخاري في " الكبير " 4 / 397 : 2 ، وقال : تركوه وقال في
" الضعفاء " ص 38 : تركه يحيى وابن مهدي وغيرهما وترجمه الذهبي في
" الميزان " 447 : 4 ، والحافظ في " لسان الميزان " 300 : 6 ،
والخطيب في " تاريخ بغداد " ترجمة حافلة 242 : 14 - 262 ، وأعدل ما قيل
فيه قول أحمد بن كامل عند الخطيب : ولم يختلف يحيى بن معين وأحمد بن حنبل وعلي بن
المديني في ثقته في النقل " انتهى
كلمات للإمام ابن تيمية في دفع الجرح بالعمل بالرأي
:
- قال عبد الفتاح " وقد رأيت للشيخ الإمام ابن
تيمية كلاما حسنا جلى فيه شأن الرأي وما يذم منه وما لا يذم فأحببت إيراده هنا
استيفاء للمقام وإن طال الكلام فإنه قاطع للشغب على العمل بالرأي من كل مشاغب
قال رحمه الله تعالى في كتابه : " إقامة الدليل على
إبطال التحليل " ( 227 : 3 ، ضمن "
الفتاوى الكبرى " ) : " ما ورد في الحديث
والأثر من ذم الرأي وأهله فإنما يتناول الحيل فإنها أحدثت بالرأي وإنها رأي محض
ليس فيه أثر عن الصحابة ولا له نظير من الحيل ثبت بأصل فيقاس عليه بمثله والحكم
إذا لم يثبت بأصل ولا نظير كان رأيا محضا باطلا
وفي ذم الرأي آثار مشهورة عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس
وابن عمر وغيرهم وكذلك عن التابعين بعدهم بإحسان فيها بيان أن الأخذ بالرأي يحلل
الحرام ويحرم الحلال
ومعلوم أن هذه الآثار الذامة للرأي لم يقصد بها اجتهاد
الرأي على الأصول من الكتاب والسنة والإجماع في حادثة لم توجد في كتاب ولا سنة ولا
إجماع ممن يعرف الأشباه والنظائر وفقه معاني الاحكام فيقيس قياس تشبيه وتمثيل أو
قياس تعليل وتأصيل قياسا لم يعارضه ما هو أولى منه فإن أدلة جواز هذا للمفتي لغيره
والعامل لنفسه ووجوبه على الحاكم والإمام أشهر من أن تذكر هنا وليس في هذا القياس تحليل
لما حرمه الله سبحانه ولا تحريم لما حلله الله
وإنما القياس والرأي الذي يهدم الإسلام ويحلل الحرام
ويحرم الحلال : ما عارض الكتاب والسنة أو ما كان عليه سلف الأمة أو معاني ذلك
المعتبرة . ثم مخالفته لهذه الأصول على قسمين :
أحدهما : أن يخالف أصلا مخالفة ظاهرة بدون أصل آخر . فهذا لا يقع من
مفت إلا إذا كان الأصل مما لم يبلغه علمه كما هو الواقع لكثير من الأئمة لم يبلغهم
بعض السنن فخالفوها خطأ . وأما الأصول المشهورة فلا يخالفها مسلم خلافا ظاهرا من
غير معارضة بأصل آخر فضلا عن أن يخالفها بعض المشهورين بالفتيا
الثاني : أن يخالف الأصل بنوع تأويل وهو فيه مخطئ بأن
يضع الإسم على غير موضعه أو على بعض موضعه ويراعي فيه مجرد اللفظ دون اعتبار
المقصود لمعنى أو غير ذلك
وإن من أكثر أهل الأمصار قياسا وفقها أهل الكوفة حتى كان
يقال : فقه كوفي وعبادة بصرية . وكان عظم علمهم مأخوذا عن عمر وعلى وعبد الله بن
مسعود رضي الله عنهم وكان أصحاب عبد الله وأصحاب عمر وأصحاب علي من العلم والفقه
بالمكان الذي لا يخفى
ثم كان أفقههم في زمانه إبراهيم النخعي ؟ ؟ كان فيهم
بمنزلة سعيد بن المسيب في أهل المدينة وكان يقول : إني لأسمع الحديث الواحد فأقيس
به مئة حديث . ولم يكن يخرج عن قول عبد لله وأصحابه . وكان الشعبي أعلم بالآثار
منه . وأهل المدينة أعلم بالسنة منهم
وقد يوجد لقدماء الكوفيين أقاويل متعددة فيها مخالفة
لسنة لم تبلغهم ولم يكونوا مع ذلك مطعونا فيهم ولا كانوا مذمومين بل لهم من
الإسلام مكان لا يخفى على من علم سيرة السلف وذلك لأن مثل هذا قد وجد لأصحاب رسول
الله صلى الله عليه و سلم لأن الإحاطة بالسنة كالمتعذر على الواحد أو النفر من
العلماء . ومن خالف ما لم يبلغه فهو معذور " . انتهى
قال عبد الفتاح : ولله در الإمام ابن تيمية كيف جلى هذه المسألة
واستوفاها ورد قول الجارح بها بمتانة وإقناع . وبهذه البيان الشافي الوافي يتبين
أن جرح الراوي بأنه ( من أهل الرأي ) مردود ولا يصح غمز الثقات الأثبات والأعلام
الكبار به
تحجر الرواة وضيقهم من المشتغل بغير الحديث
:
- ومأتى جرحهم الراوي بهذا الجرح المردود : أنه كانت همة
أكثر أهل الحديث متوجهة إلى الرواية والسماع ويرفضون النظر في المآخذ والمدارك كما
أشار إليه الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى فيما تقدم من كلامه
بل كان أولئك الرواة يرون العلم كل العلم رواية الحديث
ومتنا لا بحثا وفقيا ويرون إعمال الرأي في فهم الأثر خروجا عليه فإذا بلغهم عن
فقيه أنه تكلم في مسألة باحثا مجتهدا أو عن متكلم قال في صفة من صفات الله تعالى
قولا أو عن مذكر تحدث عن حال النفس كاشفا منقبا أو عن محدث روى شعرا : ثارت لذلك
حفيظتهم ونقموا عليه ما صنع وقالوا فيه من الجرح ما يرونه ملاقيا للجارح الذي اتصف
به في نظرهم
وقد جاء في ترجمة الإمام الشافعي رضي الله عنه في "
معجم الأدباء " لياقوت الحموي ( 299 : 17 ) ما نصه : " عن مصعب الزبيري
قال : كان أبي والشافعي يتناشدان فأتى الشافعي على شعر هذيل حفظا وقال : لا تعلم
بهذا أحدا من أهل الحديث فإنهم لا يحتملون هذا " . انتهى
قلت : بل إن أهل الحديث لم يحتملوا أقل من هذا بكثير لم يحتملوا
تصنيف الحديث على الأبواب جاء في " الحلية " لأبي نعيم ( 165 : 8 ) في
ترجمة الإمام الجليل القدوة عالم خراسان الفقيه المحدث العابد المجاهد : ( أبي عبد
الرحمن عبد الله بن المبارك ) المتوفى سنة 181 رحمه الله تعالى ما يلي :
قال أحمد بن أبي الحوارى : سمعت أبا أسامة - هو الحافظ
الإمام الحجة حماد بن أسامة الكوفي - يقول : مررت بعبد الله بن المبارك بطرسوس -
ثغر من ثغور الجهاد في وجه الأعداء - وهو يحدث فقلت : يا أبا عبد الرحمن إني لأنكر
هذه الأبواب والتصنيف الذي وضعتمون ما هكذا أدركنا المشيخة
انتهى
فإذا كان هذا شأن أحد كبار المحدثين مع شيخ المحدثين
والزهاد وإمام المجاهدين والعباد : عبد الله بن المبارك وكل الذي صنعه هو أنه جمع
الأحاديث تحت عناوين ( الأبواب والتصنيف عليها ) فلا شك أن شأنهم أشد إنكارا مئة
مرة مع الذي يعمل رأيه في فهم النص أو يؤوله لدليل يقتضي ذلك عنده
وقال الإمام الغزالي في " الإحياء " ( 79 : 1
في مبحث ( آفات العلم وبيان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء ) ) : " كان
الأولون يكرهون كتب الأحاديث وتصنيف الكتب لئلا يشتغل الناس بها عن الحفظ وعن
القرآن وعن التدبر والتذكر وكان أحمد بن حنبل ينكر على مالك في تصنيفه "
الموطأ " ويقول : ابتدع ما لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم " . انتهى
وانظر أقوالا أخرى للإمام أحمد - في هذا الصدد أيضا وعلى
غرار ما نقله الإمام الغزالي - في " مناقب الإمام أحمد " لابن الجوزي في
( الباب الثامن والعشرون في ذكر كراهيته وضع الكتب المشتملة على الرأي ليتوافر
الالتفات إلى النقل ) ( وذلك في ص 249 من الثانية المحققة وص 192 من الطبعة الأولى )
الرد على من قدح في أبي حنيفة بدعوى تقديمه القياس على السنة
:
- قال الإمام المحقق ابن حجر المكي الهيتمي الفقيه
الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه : " الخيرات الحسان في مناقب الإمام أبي
حنيفة النعمان " ( ص 98 )
: ( الفصل السابع والثلاثون في الرد على من قدح في أبي
حنيفة لتقديمه القياس على السنة
) :
قال الحافظ أبو عمر بن عبد البر [ الإمام المحدث الفقيه
المالكي الأندلسي في " جامع بيان العلم وفضله " ( 148 : 2 وما تراه بين
هاتين المعكوفتين [ ] هو من زيادتي على كلام ابن حجر الهيتمي من " جامع بيان
العلم " ) في ( باب ما جاء في ذم القول في دين الله بالرأي والظن والقياس على
غير أصل ) بعد أن نقل طائفة من أقوال بعض المحدثين في الغمز بأبي حنيفة ] ما يلي :
أفرط أصحاب الحديث في ذم أبي وتجاوزوا الحد في ذلك
لتقديمه الرأي والقياس على الآثار . وأكثر أهل العلم يقولون : إذا صح الحديث بطل الرأي والقياس .
وكان رده لما من أخبار الآحاد بتأويل محتمل . وكثير منه قد تقدمه إليه غيره وتابعه
عليه مثله [ ممن قال بالرأي ]
وجل ما يوجد له من ذلك تبع فيه أهل علم بلده كإبراهيم
النخعي وأصحاب ابن مسعود إلا أنه أكثر من ذلك هو وأصحابه . وغيره إنما يوجد له ذلك
قليلا
[ وما أعلم أحدا من أهل العلم إلا وله تأويل في آية أو
مذهب في سنة فرد من أجل ذلك المذهب سنة أخرى بتأويل سائغ أو ادعاء نسخ إلا أن لأبي
حنيفة من ذلك كثيرا وهو يوجد لغيره قليلا ]
قال الليث بن سعد : أحصيت على مالك سبعين مسألة قال فيها
برأيه وكلها مخالفة لسنة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولقد كتبت إليه أعظه في
ذلك
ومن ثمة لما قيل لأحمد بن حنبل : ما الذي نقمتم على أبي
حنيفة ؟ قال الرأي قيل : أليس مالك تكلم بالرأي ؟ قال : بلى ولكن أبو حنيفة أكثر رأيا منه قيل
: فهلا تكلمتم في هذا بحصته وهذا بحصته ؟ فسكت أحمد
قال أبو عمر : ولم نجد أحدا من علماء الأمة أثبت حديثا
عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم رده إلا بحجة كادعاء نسخ بأثر مثله أو بإجماع
أو بعمل يجب على أصله الانقياد إليه أو طعن في سند . ولو رده أحد من غير حجة لسقطت
عدالته فضلا عن إمامته ولزمه اسم الفسق ولقد عافاهم الله من ذلك
ولقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم من اجتهاد الرأي
والقول بالقياس على الأصول ما يطول ذكره وكذلك التابعون . وعدد ابن عبد البر منهم
خلقا كثيرين
انتهى كلام ابن عبد البر وفيه جواب شاف عن ذلك القدح .
والحاصل أن أبا حنيفة لم ينفرد بالقول بالقياس بل على ذلك عمل فقهاء الأمصار كما
قاله ابن عبد البر وبسط الكلام عليه ردا على من جهل فجعل ذلك عيبا " . انتهى
كلام ابن حجر الهيتمي
وهذا القدر من كلام الإمامين : ابن حجر المكي الشافعي
ابن عبد البر الأندلسي المالكي - إلى جانب كلام الإمام ابن تيمية الحراني الحنبلى
- كاف في تجلية رد جرح الراوي بالعمل بالرأي والله سبحانه وتعالى أعلم
كلمات في ترجمة الشارح الإمام اللكنوي
:
- ترجم الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى لنفسه في ستة كتب
من كبار تآليفه في خاتمة " النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير " وفي
مقدمة كتابه هذا : " التعليق الممجد " في آخر الفائدة التاسعة وفي مقدمة
" السعاية لكشف ما في شرح الوقاية " وفي مقدمة " عمدة الرعاية لحل
شرح الوقاية " وفي " التعليقات السنية على الفوائد البهية " وفي مقدمة "
الهداية " للإمام المرغيناني
وقد جمعت له ترجمة مطولة مستفيضة من هذه الكتب الستة وأثتبها
في أول كتابه " الرفع والتكميل في الجرح والتعديل " الذي خدمته في طبعاته
الثلاث وأوفاها ترجمة له في الطبعة الثالثة كما ترجمت له بتراجم منقولة عن بعض
معاصريه أو تلامذته ومنها الترجمة في أول كتابه " الأجوبة الفاضلة عن الأسئلة
العشرة الكاملة " في مباحث هامة شائكة من علوم مصطلح الحديث الشريف . ومنها
في أول كتابه " تحفة الأخيار بإحياء سنة سيد الأبرار " - صلى الله عليه و سلم - الذي
قريب الصدور إن شاء الله تعالى
وقد تحقق عندي واستقر في نفسي من تتبعي لكتب الإمام محمد
عبد الحي اللكنوي رحمه الله تعالى ومؤلفاته : رسائل صغيرة في صفحات أو كتبا كبيرة
في مجلدات : أن تصانيفه دائما - على اختلاف مواضيعها - تتميز بمزايا لا تجتمع عند
غيره
ففيها التميز بالضبط التام الدقيق للألفاظ المقتضية ذلك
والشرح الوافي للمعاني وتبيين الأحكام الفقهية - إن كان الموضوع فقها - بما يكفي
ويشفي
وفيها تراجم العلماء الذين يأتي ذكرهم في سياق البحث
عنده لزيادة التعريف بهم بإيجاز في محله وباستيعاب في محله
وفيها الحديث عن رجال الإسناد أو بيان حاله إذا كان
المقام يقتضي ذلك . وفيها تنوع معارفه المتوازن المتين في التفسير والحديث
وعلومهما والفقه والأصول والفتاوي والكلام والتاريخ والسير والتراجم والأنساب
واللغة والنحو والصرف والمنطق والمناظرة والحكمة . وقل أن يجتمع هذا كله في
العلماء
وفيها التمكن التام من الولوج في كل علم أو فن يؤلف فيه
بل فيه التفوق والمهارة البارزة والإتقان الظاهر في كل ما يكتبه وفيها من التواضع
البالغ عند عرض المسائل والآراء التي يختارها أو يرجحها أو يجزم بها ويخطئ سواها فلا
انتفاخ ولا صراخ ولا استكبار ولا استعلاء ولا تكلف ولا مغالاة
وفيها الإنصاف والاعتدال والبعد عن التعصب لمذهب أو رأي
معين بوضوح وجلاء اتباعا منه للدليل ولوجاهة الرأي المختار . وفيها استيعاب
الاستدلال للمسألة التي يحققها حتى ينتهي بالقارئ إلى الحكم الذي قرره ويقنعه به
وفيها الصبر والجلد القوي على مناقشة ما يحتاج إلى
المناقشة بترو وأناة ليتميز الصواب من الخطأ في الموضوع
وفيها كثرة المصادر المعروفة وغير المعروفة يسردها بلا
كلل ولا ملل وكأنها كلها كالخاتم في يده أو السطور أمام عينيه فينقل منها ما يريد
لدعم ما انتهى إلى تقريره بكل أمانة ودقة واستيفاء وكثير من تلك المصادر التي ينقل
منها ما سمع جلة العلماء المشتغلين في العلم بأسمائها فضلا عن معرفتهم بذواتها
وقراءتها فلذا يكثر الجديد والمفيد في كل ما يكتبه
وإني لأتعجب كيف نقل تلك النقول من مكامنها وهي في بطون
الكتب البعيدة عن الأيدي والأنظار التي لا فهارس لها ولا أدلة على مضامينها وإني
أتصور أن بينه وبين تلك النقول شعاعا مرشدا إليها ومغناطيسا دالا عليها أصدق
الدلالة وأدقها
نعم الأمر كذلك في تصوري وذلك الشعاع والمغناطيس هو
الذهن الفريد المتقد العجيب الذي أكرمه الله به فهو يرشده إلى كل شاذة وفاذة في الباب
فتراه يوردها في تأليفه دراكا تباعا حتى كأنه قد استظهرها حفظا وتمثلها لفظا
وقد صار طابع الولوع بالتحقيق والتدقيق وترجيح الراجح وتضعيف
الواهي في المسألة : عفويا في حجاه وسمة بارزة في جميع كتبه ومؤلفاته فقد ألف
واستلذ التحقيق واستطعمه حتى صار طبعا في خاطره وتفكيره وأوتي الصبر عليه على أنه
لم يسلم من الخطأ الذي ما تنزه عنه إلا الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام الذي
عصمهم الله تعالى بفضله وكرمه
وكنت في أول أمري لما أطالع في كتابه المتميز المفيد :
" الفوائد البهية في تراجم الحنفية " وأراه يقول في تراجم من يترجمهم :
( وقد طالعت من كتبه كتاب كذا وكتاب كذا وكتاب كذا )
كنت أقول هذا القول على التجوز أي أنه يتصفح الكتاب
وينظر فيه بالإجمال لأن الكتب التي يذكر مطالعته لها كثيرة جدا جدا وبعضها في
مجلدات كبار فهي إلى ندرة وجودها وأنها من المخطوطات : واسعة متسعة لا يصبر على قراءة الكتاب
الواحد منها أمثالنا إلا إذا دفعته إلى ذلك رغبة حب وشوق أو إلزام أتاه من فوق
فلما قرأت جملة من كتبه واستنرت بتآليفه ومداركه العالية
عملا بوصية شيخي الإمام العلامة المحقن محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى تبين لي
أن قوله : ( طالعت من كتبه كتاب كذا وكتاب كذا ... . ) : حقيقة لا تجوز فيها وأنها
مطالعة العالم الذكي اللوذعي الذي يفهم ويعي ويحفظ ما قرأ وطالع
ويكون ما قرأه من سنين بعيدة منصوبا بين عينيه ففي كثير
من المواضع والموضوعات التي يكتب أو يؤلف فيها تجده ينقل الكلمة القصيرة الصغيرة
من الكتاب الطويل الكبير فانبهرت من حذاقته وزكانته وشدة استيعابه للموضوع الذي لا
يصل إليه المطالع المطلع في مظنته إلى بصعوبة تراه هو قد تناوله بسهولة ويسر
وانسجام
ومما أذكره مثالا لهذه السمة السامية في كتبه : الكتاب
الكبير الذي سماه " ظفر الأماني في شرح مختصر السيد الجرجاني " في علم
المصطلح الحديثي ومن أكبر ما ألف فيه فقد هالني حين حققته واعتنيت به لطبعه كثرة
النقول فيه من مصادر بعيدة متباينة المواضيع والعلوم
فتراه ينقل الجملة والجملتين والكلمة والكلمتين ثم يعرح
على كتاب آخر فينقل منه الصفحة أو نصفها أو مثيلها ثم ينتقل إلى كتاب آخر لا يظن
ولا يرد إلى الذهن أن يكون فيه الجملة التي يلتقطها منه وتكون هي في موضعها الذي
أثبتها فيه كحجرة الخاتم الثمينة في الخاتم النفيس
فلله دره ما أعلمه بالنصوص ومظانها وغير مظانها وما
أصبره على نقلها وأنقده لاختيارها والكتب أغلبها لديه مخطوطة
وإذا كان هذا شأنه في الكتاب الكبير الضخم فلا يستغرب أن
يكون هكذا شأنه أيضا في الكتب الصغيرة والرسائل اللطيفة كرسالته : " تحفة
الأخيار بإحياء سنة سيد الأبرار " وهي من آخر ما اعتنيت بخدمته وتقديمه للطبع
فهذه الرسالة على لطافتها حجما نقل فيها من مصادر مخطوطة ما سمعت بأسماء كثير منها
فضلا عن رؤيتها في الفقه الحنفي وفي غيره فقد كان لديه مكتبة عامرة جامعة تستجيب
لكل علم يريد تحقيقه والتأليف فيه
فهذا الرجل إمام في العلم وإمام في كثرة التآليف المفيدة
المتقنة مع قصر العمر فقد عاش تسعا وثلاثين سنة وأربعة أشهر وخلف أكثر من خمسة عشر
ومئة كتاب ورسالة في مواضيع شتى في المنقول والمعقول شرحا أو تحشية أو تأليفا
مبتكرا مستأنفا
ولو حسبت أيام حياته وقسمت على صفحات مؤلفاته لأتت
بالمدهش العجاب من وفرة ما يصنفه كل يوم فأين وقت المطالعة والتفكير والنسخ
والتسويد والتبييض إن كان لديه تسويد والأكل والشرب والنوم والأسفار عنده ؟
ولكن هناك أناسا آتاهم الله تعالى المواهب النادرة الفذة
والقدرة العجيبة الباهرة عل احتواء العلم وتحقيقه وتدوينه عذبا مضيئا وضيئا من
شعاع الخاطر إلى رأس القلم دون تردد أو تعثر أو وهن ذهن أو عبارة أو تكدر أو فتور
بيان فأنفاسهم وخواطرهم تحمل العلم مستقيما وأقلامهم تستقبله كذلك فيخرج عسلا مصفى
وتأليفا قويما ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والإمام اللكنوي الشاب منهم جزاهم الله
عن العلم والدين والمسلمين خير الجزاء
أهمية طبع كتاب التعليق الممجد
:
- هذا الكتاب العظيم والشرح الجليل أحد الكتب الكبار
التي ألفها الإمام عبد الحي اللكنوي من كتبه الكثيرة البالغة 115 كتاب وقد بدأ
بتأليفه أواخر سنة 1292 ، وكانت سنه 27 سنة ثم اعترضته أسفار وأعراض وأشغال فأتم
تأليفه في شعبان سنة 1295
فهي موهبة عجيبة وقدرة غريبة أن يتسنم كتاب الموطأ شاب
هندي اللغة والدار في هذه السن وقد ضمنه زاهي علمه وأرقى معرفته في الحديث الشريف
وعلومه وفي الفقه الحنفي والمذاهب الأخرى وسائر ما يتصل بذلك من العلوم من بعيد أو
من قريب فجاء هذا الكتاب درة فريدة من درر العم وجوهرة نفيسة من أنفس الجواهر
وسيجد القارئ المطالع فيه المزايا التي تميز بها الإمام
اللكنوي وأشرت إليها قريبا وسيدهش من قوة ملكته ناصية التحقيق والتدقيق والضبط
والإتقان ومناقشة المذاهب والآراء والترجيح والتضعيف والتجرد والإنصاف دون لي
للنصوص ولا اعتساف
هذا الكتاب النفيس طبح أكثر من خمس مرات في الهند
وباكستان الطباعة الهندية الحجرية ذات الحواشي الغواشي والسطور المنمنمة والعبارات
المستديرة على جوانب الصفحة الثلاث والعبارات القصيرة المتداخلة بين السطور لضبط
اسم أو كلمة أو بيان عطف على معطوف أو إعراب أو لغة أو رواية أو اختلاف فيها أو ما
إلى ذلك . وبعض هذه العبارات القصيرة كتبت تحت السطر على امتداده ومستواه وبعضها
كتبت فوق السطر مقلوبة عليه مع قرب السطور وتداخل الكلمات كما يراه القارئ المتأمل
في الصورة المأخوذة عن النسخة المطبوعة في هذه التقدمة فصارت قراءته - مع نفاسة
مضمونه في كل جملة شارحة أو تعليقة موضحة - عسيرة لا يصبر عليها إلا سادتنا
ومشايخثنا العلماء الهنود والباكستانيون الذي ألفوا هذه الطريقة في الطباعة
الحجرية
وفي تداخل الكلمات في السطور وإلا أفراد قليلون من
العلماء العرب الذين يستهويهم التحقيق العلمي والفتوحات الربانية في المطبوعات
الهندية النفيسة المضمون والعلم
وأما عامة القراء العرب فما أبعدهم من الصبر على قراءة
مثل هذا الكتاب ومن المطبوعات الهندية القديمة فلذا حرم من هذا الكتاب وأمثاله
كثيرون من إخواننا العلماء العرب وحيل بينهم وبين ما يشتهون
وقد كنت منذ ثلاثين سنة نوهت بفضل هذا الكتاب ومزاياه في
بعض تعليقاتي على كتاب " الرفع والتكميل " وقلت : إن خلو مكتبة العالم
منه حرمان كبير فأخذت هذا الكلمة مأخذها من عزائم كثير من العماء وبعض الجهات
العلمية الرسمية التي اعتادت نشر الكتب النادرة النفيسة النافعة فعزمت وزارة
الأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة على طبعه واهتمت به وكلفتني بتحقيق دولة
مقدمته التي قدم بها المؤلف قبل الدخول في الشرح والتي تبلغ كتابا مستقلا غير صغير
ونسختها وبعثتها إلي ثم توقفت لبعض الأسباب فوقف الكتاب كما هو
ثم عزمت مؤسسة شهيرة كبيرة قديرة من دور النشر على نشره
ونسخته إلى منتصفه وقدمته لي وكلفتني بتحقيقه والعناية به وكنت حينئذ في ارتباط
علمي ودراسي جامعي ومشاغل زاحمة لا يمكنني معها أن أتفرغ له كما أحب ليخرج كما
يستحق أن يخرج به فتوقف نشره أيضا
وأخيرا توجهت همة الأخ الفاضل الشيخ الدكتور تقي الدين
الندوي الهندي المنشأ والدار العربي المقام والقرار إلى نسخه وكتابته والصبر على
خدمته بكل دقة وأمانة ليخرج إلى القراء بالطباعة الفائقة والعناية الطبية وتنزيل
شروحه وتعليقاته في منازلها وربطها بالألفاظ المتصلة بها مع الضبط والإتقان
وكان مما أعانه وشجعه على ذلك اهتمام الأخ الأستاذ محمد
على دولة ناشر الكتب النافعة المختارة المنتقاة السليمة القويمة فاستقبل هذا
الكتاب بترحاب واستعداد كامل لنشره عملا بثنائي عليه وحضي على طبعه وإخراجه
فلهذين الأخوين الأستاذين الفاضلين يعود فضل إخراج هذا الكتاب
العظيم ولهما منة على من يقرأه بهذا العرض الرائق القشيب وهذا الطبع الفصيح الجميل
وإني لأقدم شكري الجزيل لهما على تحقيق هذا الأمنية
الغالية التي كانت في نفسي فحققاها على خير ما يستطاع جزاهما الله خيرا وتقبل
منهما هذا العمل الصالح الثمين بإخراج هذا الكتاب وأمثاله . وحينما تتناوله أيدي القراء العلماء
العرب سيعرفون منه نبوغ العالم الشاب الهندي عبد الحي اللكنوي صاحب التصانيف
الزائدة على 115 مؤلف ومانته في صفوف العلماء الكبار والمؤلفين المكثرين الأخيار
رحمات الله تعالى عليه ورضوانه العظيم
في الرياض يوم الجمعة 27 من صفر سنة 1412 وكتبه عبد
الفتاح أبو غدة
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم بقلم سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي
- الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
وبعد فأبدأ هذا التقديم المتواضع لكتاب " التعليق
الممجد على موطأ الإمام محمد " للإمام أبي الحسنات عبد الحي اللكنوي رحمه
الله تعالى تحقيق وأخراج أخينا الفاضل فضيلة الشيخ الدكتور تقي الدين الندوي بما
قاله حكيم الإسلام الإمام أحمد بن عبد الرحيم المعروف بالشيخ ولي الله الدهلوي (
1114 هـ - 1176 هـ ) في مقدمة كتابه " المصفى شرح الموطأ " بالفارسية
ما معناه بالعربية قال - بعد ما ذكر حيرته بسبب اختلاف مذاهب الفقهاء وكثرة أحزاب العلماء
وتجاذيهم كل واحد عن الآخر إلى جانب - قال رحمه الله :
( ألهمت الإشارة إلى كتاب " الموطأ " تأليف
الإمام الهمام حجة الإسلام مالك بن أنس وعظم ذلك الخاطر رويدا فرويدا وتيقنت أنه
لا يوجد الآن كتاب ما في الفقه أقوى من موطأ الإمام مالك لأن الكتب تتفاضل فيما
بينها : إما من جهة فضل المصنف أو من جهة التزام الصحة أو من جهة شهرة أحاديث أو
من جهة القبول لها من عامة المسلمين أو من جهة حسن الترتيب واستيعاب المقاصد
المهمة أو نحوها وهذه الأمور كلها موجودة في الموطأ على وجه الكمال بالنسبة إلى
جميع الكتب الموجودة على وجه الأرض الآن ) ( نقلا من " تسهيل دراية الموطأ في
كتاب المسوي شرح الموطأ " إخراج دار الكتب العلمية - بيروت ص 17 - 18 )
ومن كلامه فيه في نفس مقدمة المصفى : ( لقد انشرح صدري
وحصل لي اليقين بأن الموطأ أصح كتاب يوجد على وجه الأرض بعد كتاب الله كذلك تيقنت
أن طريق الإجتهاد وتحصيل الفقه ( بمعنى معرفة أحكام الشريعة من أدلتها التفصيلية ) مسدود اليوم (
على من رام التحقيق ) إلا من وجه واحد وهو أن يجعل المحقق الموطأ نصب عينيه ويجتهد
في وصل مراسيله ومعرفة مآخذ أقوال الصحابة والتابعين ( بتتبع كتب أئمة المحدثين )
ثم يسلك طريق الفقهاء المجتهدين
( في المذاهب ) من تحديد مفهوم الألفاظ وتطبيق الدلائل
وتبيين الركن والشرط والآداب واستخلاص القواعد الكلية الجامعة المانعة ومعرفة علل
الأحكام وتعميمها وتحقيقها وفقا لعموم العلة وخصوصها وأمثال ذلك ويجتهد في فهم تعقبات
الإمام الشافعي وغيره ( كتفقبات الإمام محمد في موطئه وكتاب الحجج ) ثم يجتهد في
تطبيق المختلفات أو ترجيح الأحسن منها ويتمكن من تحصيل اليقين بدلالة الدلائل على
تلك المسائل وبغالب الظن للرأي لمعرفة أحكام الله تعالى ) ( المرجع السابق : ص 29 )
أما ما يتصل بمكانة الموطأ للإمام محمد رحمه الله تعالى
بالنسبة إلى موطأ مالك برواية يحيى الأندلسي الليثي المصمودي وهو المتبادر بالموطأ
عند الإطلاق وأكب عليه العلماء في القديم والحديث بالتدريس والشرح فحسب القارئ ما
يقوله الإمام عبد الحي بن عبد الحليم اللكنوي صاحب " التعليق الممجد "
في مقدمته لهذا الكتاب :
( له ترجيح على الموطأ برواية يحيى وتفضيل عليه لوجوه
مقبولة عند أولي الأفهام ) ( التعليق الممجد ص 35 طبع المطبع المصطفائي 1297 هـ )
ثم ذكر هذه الأسباب وتوسع في عدها وشرحها ( يرجع إلى
البحث في المقدمة من ص 35 إلى ص 40
)
وقد كان الإمام عبد الحي اللكنوي من أقدر الناس وأجدرهم
بالتعليق على موطأ الإمام محمد لأنه كان يجمع بين الصلة العلمية القوية بالحديث
والصلة العلمية القوية بفقه المذاهب الأربعة وبصفة خاصة بالمذهب الحنفي الذي كان الإمام
محمد من أعلامه البارزين ومؤسسيه الأصيلين فكان بذلك يجمع بين نسب علمي معنوي قريب
بصاحب الموطأ إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس ونسب معنوي علمي كذلك بالإمام
محمد بن الحسن تلميذ الإمام مالك وصاحب الإمام أبي حنيفة . والنسب العلمي والمعنوي
ليس أقل قيمة ولا أضعف تأثيرا من النسب الجسدي الظاهر وبذلك استطاع أن يتغلب على
ما يعتبره كثير من التناقض والجمع بين الأضداد واستطاع أن ينصف كل الإنصاف لصاحب
الكتاب الأول الإمام مالك وراويه وناقله الراشد البار الفقيه المجتهد والمحدث
الواعي الإمام محمد . هذا عدا ما اتصف به من اتساع الأفق العلمي ورحابة الصدر وسلامة
الفكر والذكاء النادر . يقول سميه العلامة عبد الحي بن فخر الدين الحسني ( م 1341 هـ
) في كتابه المشهور : " نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر " في ترجمة
الإمام عبد الحي اللكنوي يحكي قوله
:
( ومن منحه أنه جعلني سالكا بين الإفراط والتفريط لا
تأتي مسألة معركة الآراء بين يدي إلا ألهمت الطريق الوسط فيها ولست ممن يختار
التقليد البحت بحيث لا يترك قول الفقهاء وإن خالفته الأدلة الشرعية ولا ممن يطعن
عليهم ويحقر الفقه بالكلية ) (
" نزهة الخواطر " 8 / 235 )
وصاحب كتاب " نزهة الخواطر " قد أدرك الإمام عبد
الحي اللكنوي وحضر مجالسه أكثر من مرة فشهادته له شهود عيان وانطباع معاصر خبير
يقول : ( كان متبحرا في العلوم معقولا ومنقولا مطلعا على دقائق الشرع وغوامضه تبحر
في العلوم وتحرى في نقل الأحكام وحرر المسائل وانفرد في الهند بعلم الفتوى فسارت
بذكره الركبان بحيث إن كل علماء إقليم يشيرون إلى جلالته وله في الأصول والفروع
قوة كاملة وقدرة شاملة وفضيلة تامة وإحاطة عامة ... والحاصل أنه كان من عجائب
الزمن ومن محاسن الهند وكان الثناء عليه كلمة إجماع والاعتراف بفضله ليس فيه نزاع
) ( " نزهة الخواطر " : 8 / 234 - 235 )
و " التعليق الممجد " للإمام عبد الحي اللكنوي
يمثل ما وصف به من الجمع بين إتقان صناعة الحديث والاطلاع على مراجعه وبين المعرفة
الدقيقة الواسعة بالمذاهب الفقيه ثم ما اتصف به من سعة الصدر من سعة العلم وإعطاء الحديث
حقه من الإجلال والترجيح والفقه من التقدير والاهتمام والخروج من كل ذلك بكلام
متزن مقتصد لا إفراط فيه ولا تفريط
وقد اتفق لكاتب هذه السطور الاطلاع على هذا الكتاب أيام
طلبه لعلم الحديث وأيام التدريس فأعجب بسلامة فكره ورحابة صدره
وقد كان هذا الكتاب " التعليق الممجد " في
حاجة إلى أن يتناوله أحد المتوفرين على دراسة الحديث الشريف وتدريسه بالعناية به
تعليقا وتصحيحا ونشره بالحروف العربية الحديثة حتى تتيسر قراءته لمن اعتاد ذلك من
العلماء في العام العربي فقد كان كتابه بالخط الفارسي مطبوعا كل مرة على الحجر غير
واضح وغير شائق للمشتغلين بالحديث والفقه من العلماء الشباب والكهول والشيوخ في
المشرق العربي
وقد وفق لذلك أخونا العزيز فضيلة الشيخ الدكتور تقي
الدين الندوي أستاذ الحديث بجامعة الإمارات العربية المتحدة وعني بتصحيح نسخ
الكتاب والتعليق على مواضع كثيرة من الكتاب والرجوع إلى المصادر التي نقل منها
المؤلف عند التردد ووضع الفهرس العام للكتاب وقام بذلك بعمل علمي جليل وإحياء
مأثرة من مآثر عالم مخلص رباني خادم العلوم الدينية وناشرها في ربوع الهند ومؤلف
كتب يبلغ عددها إلى مئة وعشرة ( 110
) كتب منها 86 كتابا بالعربية فاستحق بذلك الأخ العزيز
الفاضل شكر المقدرين لكتاب الموطأ والمشتغلين بعلم الحديث والفقه وثناء الجميع
وتقديرهم تقبل الله عمله ونفع به الداني والقاصي
أبو الحسن علي الحسني الندوي 15 من ذي الحجة الحرام سنة
1409 هـ
دار العوم ندوة العلماء - الهند
مقدمة
المحقق [ د . تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة الإمارات العربية
المتحدة ]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين
محمد وآله وأصحابه أجمعين
أما بعد فيسر المحقق ويسعده أن يقدم للقراء الكرام كتاب
" التعليق الممجد على موطأ محمد " للإمام أبي الحسنات عبد الحي اللكنوي
- رحمه الله تعالى رحمة واسعة - في الطبعة القشيبة المشرقة
كتاب الموطأ من أشهر ما دون في النصف الأول من القرن
الثاني هو تأليف إمام دار الهجرة - على صاحبها الصلاة والسلام - أبي عبد الله مالك
بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحمريري القحطاني أحد أعلام الإسلام وأحد
أعيان هذه الأمة وأحد أركان الملة وأحد من وضع له القبول في الأرض وأحد من سلمت له
الأمة الإمامة في الحديث والفقه معا
وكتاب الإمام أبي عبد الله البخاري " الجامع الصحيح
المسند من أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم وسننه وأيامه " وإن كان أصبح
أصح كتاب بعد كتاب الله العزيز عند جمهور العلماء لما له من مزايا في التزام أمور
وشروط وآداب وعادات في تخريجه الحديث وانتقائه ما لم يشاركه فيه أحد من معاصريه
ولا ممن سبقه مع ذلك فإن موطأ الإمام مالك أصبح قدوة وأسوة للبخاري ولمن جاء بعده
فهو الذي انتهج هذا المنهج وسلك مسلك الانتقاء والاصطفاء وفتح هذا الباب من الجمع
بين الحديث والفقه وآثار الصحابة وأقوال التابعين فللإمام مالك ولكتابه منة على رقاب
الأمة جميعا
وتهافت على روايته وسماعه عن المؤلف الإمام محدثون وأئمة
فقهاء وعلماء وملوك كما لم يتفق لغيره من الكتب ذلك وقد أفرد له القاضي عياض بابا
في المدارك ( " ترتيب المدارك " : 2 / 170 )
واشتهر من رواته جماعة نسبت إليهم نسخ الموطأ : منهم
الإمام محمد بن الحسن الشيباني الكوفي صاحب الإمام أبي حنيفة النعمان والإمام يحيى
بن يحيى المصمودي الأندلسي ونسخة يحيى هي المعروفة بين أهل العلم قد شرحها جمع من
المتقدمين والمتأخرين ومنهم شيخنا المحدث الكبير محمد زكريا الكاندهلوي المتوفى
سنة 1982 بالمدينة المنورة على صاحبها الصلاة والسلام وأسمى شرحه " أوجز
المسالك إلى موطأ الإمام مالك "
طبع في القاهرة في خمسة عشر مجلدا
وقد قام باستيفاء من شرحه قديما وحديثا من أقدم عهد إلى
عهده في الفائدة العاشرة من الفصل الثاني من مقدمة الكتاب
وأما نسخة محمد بن الحسن الشيباني فلم يشرحها إلا الشيخ
بيرى زاده والشيخ علي القاري ثم جاء بعدهما الإمام عبد الحي اللكنوي فقام بشرح
الكتاب فكفى وشفى
والكتاب كان بالخط الفارسي وطبع في الهند مرارا طباعة
حجرية دقيقة بحيث لا تكاد تبدو للناظر وقد كان ذلك من أسباب زهد كثير من فضلاء العرب
في الاستفادة منه وانصرافهم عنه وقد طال طلب إخواننا طبع هذا الكتاب على الحروف
الجديدة وفي الحروف العربية وحدها كما ذكر الشيخ عبد الفتاح أبو غدة في هامش
" الرفع والتكميل " ( في ص 65 ) وقد طبع هذا الكتاب العظيم مرات كثيرة
وكلها في الهند نسأل الله أن ييسر لنا طبعه في بلادنا فإن خلو مكتبة العالم منه
لحرمان كبير
وقد أمرني سماحة الأستاذ الكبير أبو الحسن علي الندوي
بتحقيق هذا الكتاب العظيم وانتساخ هوامشه ووضعها في محلها فاشتغلت به متوكلا على
الله تعالى
إن هذا الشرح لموطأ مالك برواية الإمام محمد بن حسن
الشيباني زينة الشروح وصاحبه كان آية من آيات الله في العلم والإخلاص والتقوى {
واتقوا الله ويعلمكم الله } ( سورة البقرة : آية 282 )
هذا ويرى القارئ في الكتاب مسلك مالك في السنن وروح أبي
حنيفة في الاستنباط وعلم الشافعي في التأصيل والتفريع وورع أحمد في الاحتياط
عملي في هذا الكتاب :
- 1 - انتسخت هوامش الكتاب ووضعتها في محلها
- 2 - صححت الكتاب وإذا وجدت فيه تحريفا أو تغايرا ذا
بال نبهت إليه
- 3 - علقت على مواضع كثيرة من الكتاب بما يستكمل مقاصده
ويزيد فرائده وفوائده
- 4 - وإذا ترددت في كلمة من الشرح رجعت إلى المصادر
التي نقل منها المؤلف وتأكدت من صحتها
- 5 - كان المؤلف عليه الرحمة والرضوان - كعادته في أكثر
كتبه - قد علق في حواشي الكتاب تراجم لكثير ممن ذكرهم من العلماء وختمها بقوله : (
منه )
فإني وضعت محله ( ش ) إيذانا بأنها من المؤلف الشارح
- 6 - وضعت فهرسا عاما للكتاب
وفي الختام أسأله تعالى أن يتقبل منا ومن جمع من ساهم في
إخراج هذا الكتاب وأن يوفقنا لخدمة السنة المطهرة وعلومها وأن يحسن ختامنا ويرحم
والدينا ومشايخنا وسائر المسلمين إنه ولينا ومولانا ونعم النصير
د . تقي الدين الندوي أستاذ الحديث الشريف بجامعة
الإمارات العربية المتحدة
ترجمة " العلامة فخر الهند عبد الحي اللكنوي " ( من " نزهة الخواطر وبهجة
المسامع
والنواطر " للشيخ السيد عبد الحي الحسني ( م 1341 هـ ) : 8 / 234 )
الشيخ العالم الكبير العلامة عبد الحي بن عبد الحليم بن
أمين الله بن محمد أكبر أبي الرحم بن محمد يعقوب بن عبد العزيز بن محمد سعيد بن
الشيخ الشهيد قطب الدين الأنصاري السهالوي اللكنوي : العالم الفاضل النحرير أفضل
من بث العلوم فأروى كل ظمآن
ولد في سنة أربع وستين ومئتين وألف ببلدة باندا وحفظ
القرآن واشتغل بالعلم على والده وقرأ عليه الكتب الدرسية معقولا ومنقولا ثم قرأ
بعض كتب الهيئة على خال أبيه المفتي نعمة الله بن نور الله اللكهنوي وفرغ من
التحصيل في السابع عشر من سنه ولازم الدرس والإفادة ببلدة حيدر آباد مدة من الزمان
وفقه الله سبحانه للحج والزيارة مرتين : مرة في سنة تسع وسبعين مع والده ومرة في
سنة ثلاث وتسعين بعد وفاته وحصلت له الإجازة عن السيد أحمد بن زيني دحلان الشافعي
والمفتي محمد بن عبد الله بن حميد الحنبلي بمكة المباركة وعن الشيخ محمد بن محمد
الغربي الشافعي والشيخ عبد الغني بن أبي سعيد العمري الحنفي الدهولي بالمدينة
المنورة ثم إنه أخذ الرخصة ( أي التقاعد من الوظيفة ) من الولاة بحيدر آباد وقنع
بمئتين وخمسين ربية بدون شرط الخدمة وقدم بلدته لكهنوء فأقام بها مدة عمره ودرس
وأفاد وصنف وذكر
وإني حضرت بمجلسه غير مرة فألفيته صبيح الوجه أسود
العينين نافذ اللحظ خفيف العارضين مسترسل الشعر ذكيا فطنا حاد الذهن عفيف النفس رقيق
الجانب خطيبا مصقعا متبحرا في العلوم معقولا ومنقولا مطلعا على دقائق الشرع
وغوامضه تبحر في العلوم وتحرى في نقل الأحكام وحرر المسائل وانفرد في الهند بعلم
الفتوى فسارت بذكره الركبان بحيث إن علماء كل إقليم يشيرون إلى جلالته
وله في الأصول والفروع قوة كامة وقدرة شاملة وفضيلة تامة
وإحاطة عامة وفي حسن التعليم صناعة لا يقدر عليها غيره وكان إذا اجتمع بأهل العلم
وجرت المباحثة في فن من فنون العلم لا يتكلم قط بل ينظر إليهم ساكتا فيرجعون إليه
بعد ذلك فيتكلم بكلام يقبله الجميع ويقنع به كل سامع وكان هذا دأبه على مرور
الأيام لا يعتريه الطيش والخفة في شيء كائنا ما كان
الحاصل أنه كان من عجائب الزمن ومن محاسن الهند وكان
الثناء عليه كلمة إجماع والاعتراف بفضله ليس فيه نزاع
وكان على مذهب أبي حنيفة في الفروع والأصول ولكنه كان
غير متعصب في المذهب يتتبع الدليل ويترك التقليد إذا وجد في مسألة نصا صريحا
مخالفا للمذهب قال في كتابه " النافع الكبير " : ( ومن منحه - أي منح
الله سبحانه - أني رزقت التوجه إلى فن الحديث وفقه الحديث ولا أعتمد على مسألة
مالم يوجد أصلها من حديث أو آية وماكان خلاف الحديث الصحيح الصريح أتركه وأظن
المجتهد فيه معذورا بل مأجورا ولكني لست ممن يشوش العوام الذين هم كالأنعام بل
أكلم الناس على قدر عقولهم ... ) . انتهى . وقال بعيد ذلك : ( ومن منحه أنه جعلني
سالكا بين الإفراط والتفريط لا تأتي مسألة معركة الآراء بين يدي إلا ألهمت الطريق
الوسط فيها ولست ممن يختار التقليد البحت بحيث لا يترك قول الفقهاء وإن خالفته
الأدلة الشرعية ولا ممن يطعن عليهم ويهجر الفقه بالكلية ) . انتهى
وقال في " الفوائد البهية " في ترجمة عصام بن
يوسف : ( ويعلم أيضا أن الحنفي لو ترك في مسألة مذهب إمامه بقوة دليل خلافا لا يخرج
به عن ربقة التقليد بل هو عين التقليد في صورة ترك التقليد ألا تري أن " عصام بن
يوسف " ترك مذهب أبي حنيفة في عدم الرفع ومع ذلك هو معدود في الحنفية ( قال
الإمام ولي الله الدهلوي - رحمه الله تعالى - في كتابه " حجة الله البالغة
" ( 1 / 126 ) : " قيل لعصام بن يوسف رحمه الله : إنك تكثر الخلاف لأبي
حنيفة رحمه الله ؟ قال : لأن أبا حنيفة أوتي من الفهم ما لم نؤت فأدرك بفهمه ما لم
ندرك ولا يسعنا أن نفتي بقوله ما لم نفهم " ) . ويؤيده ما حكاه أصحاب
الفتاوى المعتمدة من أصحابنا من تقليد أبي يوسف يوما الشافعي في طهارة القلتين
وإلى الله المشتكى من جهلة زماننا حيث يطعنون على من ترك تقليد إمامه في مسألة
واحدة لقوة دليلها ويخرجونه عن مقلديه ولا عجب منهم فأنهم من العوام وإنما العجب
ممن يتشبه بالعلماء ويمشي مشيهم كالأنعام ) . انتهى
وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصيرته في الفقه له بسطة
كثيرة في علم النسب والأخبار وفنون الحكمة وكان ذا عناية تامة بالمناظرة ينبه
كثيرا في مصنفاته على أغلاط العلماء ولذلك جرت بينه وبين العلامة عبد الحق بن فضل
حق الخير آبادي مباحثات في تعليقات حاشية الشيخ غلام يحيى على " ميرزاهد رسالة
" وكان الشيخ عبد الحق يأنف من مناظرته ويريد أن لا يذاع رده عليه
وكذلك جرت بينه وبين السيد صديق حسن الحسني القنوجي فيما
ضبط السيد في " إتحاف النبلاء " وغيره من وفيات الأعلام نقلا عن "
كشف الظنون " وغيره وانجرت إلى ما تأباه الفطرة السليمة ومع ذلك لما توفي
الشيخ عبد الحي المترجم له تأسف بموته تأسفا شديدا وما أكل الطعام في تلك الليلة
وصلى عليه صلاة الغيبة نظرا إلى سعة إطلاعه في العلوم والمسائل
وكذلك جرت بينه وبين العلامة محمد بشير السهسواني في
مسألة شد الرحل لزيارة النبي صلى الله عليه و سلم
ومن مصنفاته رحمه الله تعالى ... ( سرد المؤلف هنا
مصنفات الإمام اللكنوي ويأتي ذكر أكثرها في ( ترجمته في هذه المقدمة بقلمه ) سوى
أني زدت ما فات ذكرها في ترجمته
:
في فن الصرف : 1 - تكملة الميزان 2 - شرحها
وفي فن المنطق والحكمة : 1 - الكلام الوهبي المتعلق
بالقطبي 2 - حاشية على شرح تهذيب المنطق لعبد الله اليزدي
وفي فن المناظرة : 1 - حاشية على شرح الشريفية المشتهر
بالرشيدية
وفي علم التاريخ : 1 - مقدمة السعاية 2 - ومقدمة عمدة
الرعاية 3 - وإبراز الغي في شفاء العي 4 - وتذكرة الراشد برد تبصرة الناقد 5 -
وطرب الأماثل بتراجم الأفاضل 6 - ورسالة في الرؤيا المنامية التي وقعت لي 7 -
وفرحة المدرسين بذكر المؤلفات والمؤلفين
وفي فن الفقه والحديث : 1 - القول الجازم في سقوط الحد
بنكاح المحارم 2 - وتعليقه 3 - وردع الإخوان عما أحدثوه في آخر جمعة رمضان 4 -
وعمدة الرعاية بحل شرح الوقاية 5 - وجمع المواعظ الحسنة لخطب شهور السنة 6 -
والآيات البينات على وجود الأنبياء في الطبقات 7 - وجمع الغرر في الرد على نثر
الدرر 8 - ونفع المفتي والسائل بجمع متفرقات المسائل 9 - والآثار المرفوعة في
الأحاديث الموضوعة 10 - وغيث الغمام على حواشي إمام الكلام 11 - ومجموعة الفتاوى (
ثلاثة مجلدات كبار ) 12 - وحاشية على شرح السيد الجرجاني للسراجية في الفرائض 13 -
وحاشية على الهداية 14 - وظفر الأماني في شرح المختصر المنسوب للجرجاني في المصطلح
15 - والرفع
والتكميل في الجرح والتعديل 16 - وتعليق على الجامع الصغير
ومن مصنفاته التي لم تتم : منها 1 - خير العمل بذكر
تراجم علماء فرنكي محل ( لم يتم ) 2 - والنصيب الأوفر في تراجم علماء المائة الثالثة
عشر ( لم يتم )
وقال سماحة الشيخ أبو الحسن الندوي في كتابه : "
المسلمون في الهند " ( ص 40 ) : ويبلغ عدد مؤلفات علامة الهند فخر المتأخرين الشيخ
عبد الحي اللكنوي ( 110 ) منها ( 86 ) كتابا بالعربية
وكانت وفاته لليلة بقيت من ربيع الأول سنة أربع وثلاثمئة
وألف . ودفن بمقبرة أسلافه وكنت حاضرا ذلك المشهد وكان ذلك اليوم من أنحس الأيام
اجتمع الناس في المدفن من كل طائفة وفرقة أكثر من أن يحصروا وقد صلوا عليه ثلاث
مرات )
مقدمة الشارح
الحمد لله
الذي اصطفى من عباده رسلا وأنبياء وجعل أفضلهم وأكملهم خاتم الأنبياء فهدى بهم
الأمم الطاغية والفرق الباغية أحمده حمدا كثيرا وأشكره شكرا جميلا على أن اختار
لأفضل أنبيائه وزراء ونقباء وخلفاء وأبدالا ونجباء من اقتدى بأحدهم اهتدى ومن ترك
سبيلهم ولم يتمسك بسننهم استحق الحفرة الحامية . أشهد أن لا إله إلا هو وحده لا
شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صاحب المعجزات الباهرة اللهم صل عليه وعلى آله
وصحبه وتبعه إلى يوم الآخرة
وبعد فيقول عبده الراجي عفو ربه ( في الأصل : عفوه القوي
والظاهر عفو ربه القوي ) القوي معدن السيئات ومخزن المخالفات المكنى بأبي الحسنات
المدعو بعبد الحي اللكنوي ابن مولانا الحاج الحافظ محمد عبد الحليم أدخله الله دار
النعيم : لا يخفى على أولي الألباب أن أفضل العلوم علم السنة والكتاب وأن أفضل
الأعمال القيام بخدمتها ونشر أسرارهما وكثيرا ما كان يختلج في قلبي أن أشرح كتابا
في الحديث وأكشف أسراره بالكشف الحثيث باعثا لرضا نبينا شفيع المذنبين ورضاه رضا
رب العالمين عسى الله أن يجعلني ببركته من الصالحين ويحشرني في زمرة الحدثين مع
الأنبياء والصديقين . إلا أن ضيق باعي قد كان يثبطني عن القيام في هذا المقام إلى
أن أشار إلى ( في الأصل : " إليه
" والظاهر " إلي " ) بعض من أمره حتم
وإرشاده غنم أن أحشي موطأ الإمام مالك الذي قال الإمام الشافعي في حقه : ( ما على
ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك ) ( تزيين الممالك : ص 43 ) وأعلق
عليه حاشية وافية وتعليقات كافية . فتذكرت ما رأيت في المنام في السنة الثامنة
والثمانين والمائتين ( في الأصل : " والمائتين " ساقطة ) بعد الألف من
الهجرة - على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم والتحية - كأني دخلت في المسجد النبوي بالمدينة
الطيبة فإذا أنا بالإمام مالك جالسا فيه فحضرت عنده وصافحته وقلت له : كتابكم
" الموطأ " لي فيه اختلاجات وشكوك أرجو أن أقرأه عليكم لتحل تلك الشكوك
فقال فرحا ومسرورا : هات به واقرأه عندي فقمت من هناك لآتي به من بيتي فاستيقظت
وحمدت الله على هذه الرؤيا الصالحة وشكرته . فكأن في هذه الرؤيا إشارة من الإمام
مالك إلى توجهي إلى مؤطئه ( في الأصل " بموطئه " وهو تحريف والصواب : " إلى
موطئه " ) والاشتغال بدرسه وتدريسه وشرحه
فلما تذكرت هذا صممت عزمي بتعليق تعليق عليه وشددت مئزري
لكتابة حاشية عليه وكان في بلادنا في أعصارنا من نسخه نسختان متداولتان : نسخة
يحيى الأندلسي ونسخة محمد بن الحسن الشيباني من أجل تلامذة الإمام أبي حنيفة لا
زال مغبوطا بالفضل الرحماني فاخترت لتعليق التعليق النسخة الثانية لوجهين :
أحدهما : أن النسخة الأولى قد شرحها جمع من المتقدمين
والمتأخرين ونسخة محمد لم يشرحها إلا الفاضلان الأكملان بيرى زاده وعلي القاري
فيما بلغنا وأنا ثالثهما إن شاء ربنا فاحتياجها إلى التحشي والشرح أكثر ونفعه أكمل
وأظهر
وثانيهما : أن نسخة محمد مرجحة على موطأ يحيى لوجوه
سيأتي ذكرها في المقدمة ونافعة غاية النفع لأصحابنا الحنفية خصهم بالألطاف الخفية
فشرعت في كتابة تعليق عليه مسمى ( في الأصل : "
مسميا " ) بـ " التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد " وفي شهر
شوال من السنة الحادية والتسعين حين إقامتي بحيدر أباد - الدكن صانه الله عن البدع
والفتن وكتبت قريبا من النصف وبلغت إلى كتاب الحج ثم ببركته يسر الله لي سفر الحج
وسافرت في شوال من السنة الثانية والتسعين إلى الحرمين الشريفين مرة ثانية رزقنا
الله العودة إليهما مرة ثالثة ومرة بعد مرة إلى أن أتوفى في المدينة الشريفة ثم رجعت
في الربيع الأول من السنة الثالثة والتسعين إلى الوطن - حفظ عن شرور الزمن -
وابتليت مدة بالأمراض العديدة التي ابتليت بها في تلك الأماكن الشريفة إلى أن
رزقني الله النجاة منها ببركة الأدعية والأذكار المأثورة لا بالأدوية المعمولة
فاشتغلت بإتمامه مع زيادات لطيفة فيما أسلفته فجاء بفضل الله وعونه بحيث تنشرح به
صدور الأفاضل وتنشط به آذان الأماثل وأرجو من إخوان الصفا وخلان الوفا أن يطالعوه
بنظر الإنصاف لا بنظر الاعتساف ويصلحوا ما وقع فيه من الخطأ والخلل وما أبرئ نفسي
من السهو والزلل فإن البراء من كل خطأ ليس من شأن البشر إنما هو شأن خالق القوى
والقدر وأستغفر الله من زلة القدم وطغيان القلم مما علمت وما لم أعلم ورحم الله
امرءا أصلح السهو والنسيان أو دعاني بخير الدنيا والآخرة بحضرة الملك المنان وقد
جنحت في هذا التعليق إلى أمور يحسنها أرباب الشعور :
أحدها : أني لم أبال بتكرار بعض المطالب المفيدة في
المواضع المتفرقة ظنا مني أن الإعادة لا تخلو عن الإفادة مع أني كلما أعدت أمرا
ذكرته لم أجعله خاليا عن أمر مفيد زدته
وثانيها : أني التزمت بذكر مذاهب الأئمة المختلفة مع
الإشارة إلى دلائلها بقدر الضرورة وترجيح بعض على بعض ولعمري إنها طريقة حسنة قل
من يسلكها في زماننا وإلى الله المشتكى من عادات جهلاء بلادنا بل من صنيع كثير من
فضلاء أعصارنا حيث يظن بعضهم أن المذهب الذي تمذهب به مرجح في جميع الفروع وأن كل مسألة
منه بريئة عن الجروح وبعضهم يسعى في هدم بنيان المذاهب المشهورة وينطق بكلمات
التحقير في حق الأئمة المتبوعة وأبرأ إلى الله من هؤلاء وهؤلاء ضل أحدهما بالتقليد
الجامد وثانيهما بالظن الفاسد والوهم الكاسد يتنازعون فيما لا ينفعهم بل يضرهم
ويبحثون في ما لا يعنيهم وينادي منادي كل منهما في حق آخرهما بالتكفير والتضليل
والتفسيق والتجهيل ومع ذلك يحسبون أنهم يحسنون { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون } ( سورة الشعراء : آية 227
) { إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون } (
سورة الأنعام : آية 159 ) ولعلمي أن ( في الأصل : " هذه الاختلافات
" بدون " أن " ) هذه الاختلافات الواقعة بين الأئمة في الفروع
الفقهية المأخوذة من اختلافات الصحابة والروايات النبوية ليس فيها تفسيق ولا تضليل
ومن نطق بذلك فهو أحق بالتضليل
وثالثها : أني أسندت البلاغات والأحاديث المرسلة وشيدت
الموقوفة بالمرفوعة
ورابعها : أني أكثرت من ذكر مذاهب الصحابة والتابعين ومن
بعدهم من الأئمة المجتهدين والمعتبرين ليتنبه الهائم ويتيقظ النائم ويعلم أن
اختلاف الأئمة رحمة وأن لكل منهم قدوة
وخامسها : أني ذكرت تراجم الرواة وأحوالهم وما يتعلق
بتوثيقهم وتضعيفهم من دون عصبية مذهبية وحمية جاهلية وربما تجد فيه تكرارا لا يخلو
عن الإفادة فإن الإعادة لا يخلو عن ذكر اختلاف أو زيادة
وسادسها : أني قد وجدت نسخ الموطأ مختلفة كثيرة الاختلاف
فذكرت اختلافها وبينت الغير ( هكذا جاء في الأصل وهو استعمال خاطئ وغلط شائع لما
جمع فيه من إدخال " أل " على " غير " مع الإضافة إلى ما فيه
" أل " وصوابه أن يقال
" غير الصحيح " ) الصحيح والصحيح منها من دون
اعتساف
وسابعها : أني نبهت على السهو والزلات التي صدرت من علي
القاري في " شرحه " في شرح المقصود أو تنقيد الرواة خوفا من أن ينظره
أحد ممن ليس له حظ في هذه الفنون فيقع في الخطأ وسيء الظنون لا تحقيرا لشأنه وكشفا
لنسيانه فإني من بحار علمه مغترف وبفضله معترف والمتأخر وإن كان علمه أوسع وكلامه
أنفع إلا أن الفضل للمتقدم والشرف للأقدم
هذا وأسأل الله تعالى خاشعا متضرعا أن يتقبل مني هذا
التأليف وسائر تأليفاتي ويجعلها خالصة لوجهه وذريعة لإقبال نبيه وسببا لنجاتي إنه
على كل شيء قدير وبالإجابة جدير وكان ذلك حين كنت مغبوطا بين الأقران والأماثل
ومحسودا للأماجد والأفاضل بالمنن الفائضة علي والإنعامات الواصلة إلي من حضرة من
هو قمر أقمار الوزارة نور حديقة الرئاسة سحاب ماطر الإنعام والإحسان بحر زاخر
الإكرام والامتنان سدته الرفيعة ملجأ للأماجد والأفاضل وعتبته العلية محط الرجال (
في الأصل : " رجال " وهو تحريف . ) الأماثل يأتون إليه من كل مرمى سحيق
ويستفيضون من بحر فضله العميق بأن ينشد في حقه ما أنشده التفتازاني في حق ملكه :
أقامت في الرقاب له أيادي ... هي الأطواق والناس الحمام
باسط بساط العدل والإنصاف هادم قصر الجور والاعتساف هو
الذي ضرب به ( في الأصل : " ضربه " وهو تحريف ) المثل في حسن الانتظام
والأفضال وذكر اسمه عند أرباب الإقبال آصف السلطنة النظامية وزير الدولة الآصفية :
النواب مختار الملك سالار جنك تراب عليخان بهادر لا زالت أقمار دولته طالعة وشموس إقباله
بازغة اللهم كما منحت على عبادك بفضله ولطفه فامنن عليه بعلو درجة في الدنيا
والآخرة واحفظه بحفاظتك من بليات الدنيا والآخرة بحرمة نبيك سيد الأنبياء وآله
رؤوس الأتقياء
مقدمة : فيها فوائد مهمة
[ الفائدة ] الأولى : في كيفية شيوع كتابة الأحاديث وبدء تدوين
التصانيف وذكر اختلافها مقصدا وتنوعها مسلكا وبيان أقسامها وأطوارها
- قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ( إمام الحفاظ أحمد بن
علي بن محمد العسقلاني المصري الشافعي المتوفى سنة 852 هـ وقد ذكرت ترجمته في
التعلقيات السنية على الفوائد البهية في تراجم الحنفية ( ش ) ) : في " هدي
الساري " ( 1 / 17 - 18 وفي الأصل : " الهدي الساري " وهو تحريف ) . مقدمة
شرحه لصحيح البخاري المسمى بفتح الباري . أعلم - علمني الله وإياك - أن آثار النبي
صلى الله عليه و سلم لم تكن في عصر النبي صلى الله عليه و سلم وعصر أصحابه وكبار
تبعهم مدونة في الجوامع ولا مرتبة لوجهين : أحدهما : أنهم كانوا في ابتداء الحال
قد نهوا عن ذلك كما ثبت في " صحيح مسلم " خشية أن يختلط بعض ذلك بالقرآن
العظيم والثاني : سعة حفظهم وسيلان ذهنهم ولأن أكثرهم كانوا لا يعرفون الكتابة ثم
حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار وتبويب الأخبار لما انتشر العلماء في
الأمصار وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار فأول من جمع ذلك الربيع
بن صبيح وسعيد بن أبي عروبة وغيرهما فكانوا يصنفون كل باب على حدة إلى أن قام كبار
أهل الطبقة الثالثة في منتصف القرن الثاني فدونوا الأحكام فصنف الإمام مالك الموطأ
وتوخى فيه القوي من حديث أهل الحجاز ومزجه بأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم
وصنف أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج بمكة وأبو عمرو عبد الرحمن
الأوزاعي بالشام وأبو عبد الله سفيان الثوري بالكوفة وحماد بن سلمة بن دينار
بالبصرة وهشيم بواسط ومعمر باليمن وابن المبارك بخراسان وجرير بن عبد الحميد بالري
وكان هؤلاء في عصر واحد فلا يدرى أيهم سبق ثم تلاهم كثير من أهل عصرهم في النسج على
منوالهم الى أن رأى بعض الأئمة منهم أن يفرد حديث النبي صلى الله عليه و سلم خاصة
وذلك على رأس المئتين فصنفوا المسانيد فصنف عبد الله بن موسى العبسي مسندا ثم صنف
نعيم بن حامد الخزاعي نزيل مصر مسندا ثم اقتفى الأئمة أثرهم في ذلك فقل إمام من
الحفاظ إلا وصنف حديثه في المسانيد كالإمام أحمد بن حنبل واسحاق ابن راهويه وعثمان
ابن أبو شيبة وغيرهم ومنهم من صنف على الأبواب والمسانيد معا " كأبي شيبة
فلما رأى البخاري هذة التصانيف ووجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح
والتحسين والكثير منها يشتمل على الضعيف فحرك همته لجمع الحديث الصحيح . انتهى
كلامه ( ليس غرض الحافظ أن كتابة الحديث لم تبدأ إلا في أواخر عصر النابعين بل
غرضه أن الكتابة بصورة الكتب والرسائل لم يشرع فيها إلى ذاك الوقت وإلا فمجرد
الكتابة كان من زمن النبي صلى الله عليه و سلم وهناك روايات كثيرة صريحة في زمنه
صلى الله عليه و سلم واستقر الأجماع على جوازها انظر : مقدمة " أوجز المسالك
" . 1 / 13 ، 14 )
وقال ابن الأثير الجزري ( هو مبارك بن محمد بن محمد بن
عبد الكريم بن عبد الواحد الجزري نسبة الى جزيرة ابن عمر بلدة الشافعي مؤلف " جامع
الأصول " و " النهاية " في غريب الحديث وله أخ معروف بابن الأثير
مؤلف " المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر " وهو أبو الفتح نصر الله
المتوفي سنة 627 هجري وأخ آخر مؤلف " أسد الغابة في أخبار الصحابة "
اسمة عز الدين علي المتوفي سنة 62 . هجري وكثيرا ما يشتبه أحدهم بالآخر وقد سقطت
تراجمهم في التعليقات ( ش ) في مقدمة كتابه " جامع الأصول " ( 1 / 43 -
46 ) : والناس في تصانيفهم التي جمعوها مختلفو الأغراض فمنهم من قصر همته على تدوين
الحديث مطلقا ليحفظ لفظه وليستنبط له الحكم كما فعله عبيد الله بن موسى العبسي
وأبو داود الطيالسي وغيرهما من أئمة الحديث أولا وثانيا الإمام أحمد بن حنبل ومن
بعده فإنهم أثبتوا الأحاديث في مسانيد رواتها فيذكرون مسند أبي بكر الصديق مثلا
ويثبتون فيه كل ما روي عنه ثم يذكرون بعده الصحابة واحدا بعد واحد على هذا النسق
ومنهم من يثبت الأحاديث في الأماكن التي هي دليل عليها فيضعون لكل حديث بابا يختص
به فان كان في معنى الصلاة ذكروه ( في الأصل : فيه ذكروه ) في باب الصلاة وإن كان
في معنى الزكاة ذكروه في باب الزكاة كما فعله مالك بن أنس في ( الموطأ ) إلا أنه
لقلة ما فيه من الأحاديث قلت أبوابه ثم اقتدى به من بعده فلما انتهى الأمر إلى البخاري
ومسلم وكثرت الأحاديث المودعة في كتابيهما كثرت أبوابهما وأقسامهما واقتدى بهما من
جاء من بعدهما وهذا النوع أسهل مطلبا من الأول لوجهين :
الأول : أن الإنسان قد يعرف المعنى الذي يطلب الحديث من
أجله وإن لم يعرف راويه ولا في مسند من هو بل ربما لا يحتاج الى معرفة راويه
والوجه الثاني : أن الحديث إذا ورد في كتاب الصلاة علم
الناظر فيه أن هذا الحديث هو دليل ذلك الحكم من أحكام الصلاة فلا يحتاج إلى أن
يتفكر به . ومنهم من استخرج أحاديث تتضمن ألفاظا لغوية ومعاني مشكلة فوضع لها
كتابا على حدة قصره على شرح الحديث وشرح غريبه وإعرابه ومعناه ولم يتعرض لذكر
الأحكام كما فعله أبو عبيدة القاسم بن سلام وعبد الله بن مسلم بن قتيبة وغيرهما
ومنهم من ضاف الى هذا ذكر الأحكام وآراء الفقهاء مثل أبي سليمان حمد بن محمد الخطابي
وغيره . ومنهم من قصد ذكر الغريب دون متن الحديث واستخرج الكلمات الغريبة دونها
كما فعله ابو عبيدة أحمد بن محمد الهروي وغيره . ومنهم من قصد استخراج أحاديث
تتضمن ترغيبا وترهيبا وأحاديث تتضمن أحكاما شرعية فدونها وأخرج متونها وحدها كما
فعله أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي في كتاب " المصابيح " . وغير
هؤلاء المذكورين من أئمة الحديث لو رمنا أن نستقصي ذكر كتبهم واختلاف أغراضهم
ومقاصدهم لطال الخطب ولم ينتهي إلى حد انتهى وقال أيضا قبيل ذلك ( 1 / 40 - 43 ) :
لما انتشر الإسلام واتسعت البلاد وتفرقت الصحابة في الأقطار وكثرت الفتوح ومات
معظم الصحابة وتفرق أصحابهم وأتباعهم وقل الضبط احتاج العلماء إلى تدوين الحديث
وتقيده بالكتابة ولعمري إنها الأصل فإن الخاطر يغفل والذهن يغيب والذكر يمل والقلم
يحفظ ولا ينسى فانتهى الأمر إلى زمان جماعة من الأئمة مثل عبد الملك بن جريج ومالك
بن أنس وغرهما ممن كان في عصرهما فدونوا الحديث حتى قيل : إن أول كتاب صنف في
الإسلام كتاب ابن جريج وقيل موطأ مالك وقيل : إن أول من صنف وبوب الربيع بن صبيح
في البصرة ثم انتشر جمع الحديث وتدوينه وسطره في الأجزاء والكتب وكثر ذلك وعظم
نفعه إلى زمن الامامين أبي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري وأبي الحسين مسلم بن
الحجاج النيسابوري فدونا كتابيهما وأثبنا من الحديث ما قطعا بصحته وثبت عندهما
نقله وسميا كتابيهما الصحيح من الحديث وأطلقا هذا الإسم عليهما وهما أول من سمى
كتابه بذلك . ولقد صدقا فيما قالا وبرا فيما زعما ولذلك رزقهما الله من حسن القبول
في شرق الأرض وغربها وبرها بحرها والتصديق لقولهما والانقياد لسماع كتابيهما ما هو
ظاهر مستغن عن البيان ثم ازداد انتشار هذا النوع من التصنيف والجمع والتأليف وتفرقت
أغراض الناس وتنوعت مقاصدهم إلى أن انقرض ذلك العصر الذي كانا فيه وجماعة من
العلماء قد جمعوا وألفوا مثل أبي عيسى الترمزي وأبي داود سليمان بن الأشعث
السجستاني وأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي وغيرهم من العلماء الذين لا يحصون
وكان ذلك العصر خلاصة العصور في تحصيل هذا العلم وإليه المنتهى ثم من بعده نقص هذا
الطلب وقل ذلك الحرص وفترت تلك الهمم وكذلك كل نوع من أنواع العلوم والصنائع
والدول وغيرها فإنه يبتدئ قليلا قليلا ولا يزال ينمي ويزيد ويعظم إلى أن يصل إلى
غاية هي منتهاه ويبلغ إلى أمد أقصاه فكان غاية هذا العلم إلى زمن البخاري ومسلم
ومن كان في عصرهما ثم نزل وتقاصر إلى زماننا هذا وسيزداد تقاصرا والهمم قصورا .
انتهى
وقال السيوطي في كتابه " الوسائل إلى معرفة الاوائل
" ( ص 100 - 101 ) : أول من دون الحديث ابن شهاب الزهري في خلافة عمر بن عبد
العزيز بأمره ذكره الحافظ ابن حجر في شرح البخاري وأخرج أبو نعيم في " حلية
الأولياء " ( حلية الأولياء : 3 / 363 ) عن مالك بن أنس قال : أول من دون
العلم ابن شهاب وقال مالك في الموطأ برواية محمد بن الحسن : أخبرنا يحيى بن سعيد
بن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من
حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم أو سنته أو حديث عمر أو نحو هذا فاكتبه لي فإني
خفت دروس العلم وذهاب العلماء ( انظر سنن الدارمي : 1 / 126 وتقييد العلم ص 105 )
. وأول من صنف في الحديث ورتبه على الأبواب مالك في المدينة وابن جريج بمكة
والربيع بن صبيح أو سعيد بن أبي عروبة أو حماد بن سلمة بالبصرة وسفيان الثوري
بالكوفة والأوزاعي بالشام وهشيم بواسط ومعمر باليمن وجرير بن عبد الحميد بالري
وابن مبارك بخراسان قال الحافظان بن حجر والعراقي : وكان هؤلاء في عصر واحد فلا يدرى
أيهم سبق وذلك في سنة بضع وأربعين ومائة
وأول من أفرد الأحاديث المسندة دون الموقوفات والمقاطيع على
رأس المائتين عبيد الله بن موسى بالكوفة ومسدد بالبصرة وأسد بن موسى الأموي بمصر
ونعيم بن حماد الخزاعي ( في الأصل : " الخراعي " وهو تحريف ) . واختلف في أول
من صنف المسند من هؤلاء فقال الدارقطني : نعيم وقال الخطيب : أسد بن موسى وقال الحاكم : عبيد الله
وقال العقيلي : يحيى الحماني وقال ابن عدي : أول من صنف المسند بالكوفة عبيد الله
ومسدد أول من صنف المسند بالبصرة وأسد أول من صنف المسند بمصر وهو قبلهما وأقدمهما
موتا ( انظر الرسالة المستطرفة ص 36 - 37 وتدريب الراوي ص 89 ومنهج ذوي النظر ص 18 ) وأول من صنف في
الصحيح المجرد البخاري ذكره ابن الصلاح واحترز بالمجرد الذي زاده عن الموطأ فإنه
أيضا صحيح لكنه محتوي على الموقوفات والمقاطيع . انتهى . وفي ( تنوير الحوالك على الموطأ
مالك للسيوطي ) ( 1 / 4 - 5 ) :
أخرج الهروي في " ذمم الكلام " من طريق الزهري
قال : أخبرني عروة ابن الزبير أن عمر ابن الخطاب أراد أن يكتب السنن واستشار فيها
أصحاب رسول الله فأشار إليه عامتهم بذلك . فلبث عمر شهرا يستخير الله في ذلك شاكا
فيه ثم أصبح يوما وقد عزم الله له فقال : إني كنت ذكرت لكم في كتاب السنن ما قد علمتم
ثم تذكرت فإذا أناس من أهل الكتاب من قبلكم قد كتبوا مع كتاب الله كتبا فأكبوا
عليها وتركوا كتاب الله وإني والله لا ألبس كتاب الله بشيء فترك كتاب السنن . وقال
ابن سعد في " الطبقات " : أخبرنا قبيصة بن عقبة أنا ؟ ؟ سفيان عن معمر
عن الزهري قال : أراد عمر أن يكتب السنن فاستخار الله شهرا ثم أصبح وقد عزم له
فقال : ذكرت قوما كتبوا كتابا فأقبلوا عليه وتركوا كتاب الله وأخرج الهروي من طريق
يحيى بن سعيد عن عبد الله بن دينار قال
: لم يكن الصحابة ولا التابعون يكتبون الحديث إنما كانوا
يؤدونها لفظا ويأخذونها حفظا إلا كتاب الصدقات والشيء اليسير الذي يقف عليه الباحث
بعد الاستقصاء حتى خيف عليه الدروس وأسرع في العلماء الموت فأمر أمير المؤمنين عمر
بن عبد العزيز أبي بكر الحزمي فيما كتب إليه أن انظر ما كان من سنة أو حديث عمر
فاكتبه . وقال مالك في " الموطأ " برواية محمد بن الحسن عن يحيى بن سعيد
أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن انظر ما كان من
حديث رسول الله أو سنته ( في الأصل : " سنة " وهو تحريف ) أو نحو هذا
فاكتبه لي فإني قد خفت دروس العلم وذهاب العلماء علقه البخاري في صحيحه وأخرجه أبو
نعيم في " تاريخ أصبهان " بلفظ : كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق :
انظروا حديث ( في الأصل : " أحاديث " وهو تحريف ) رسول الله فاجمعوه
واخرج ابن عبد البر في " التمهيد " من طريق ابن وهب قال : سمعت مالكا يقول
: كان عمر بن عبد العزيز يكتب الى الأمصار يعلمهم الفقه والسنن وكتب الى المدينة
يسالهم عما مضى وأن يعلموا بما عندهم ويكتب الى ابي بكر بن حزم أن يجمع السنن
ويكتب إليه بها فتوفي عمر وقد كتب ابن حزم كتابا قبل أن يبعث بها إليه . انتهى
وفي " تنوير الحوالك " ( 1 / 6 ) أيضا : قال أبو
طالب المكي في " قوت القلوب " : هذة المصنفات من الكتب حادثة بعد سنة
عشرين أو ثلاثين ومئة ويقال : إن أول ما صنف في الإسلام كتاب ابن جريج في الأثار
وحروف من التفاسير ثم كتاب معمر بن راشد الصنعاني باليمن جمع فيه سنن منثورة مبوبة
ثم كتاب الموطأ بالمدينة لمالك ؟ ثم جمع ابن عيينة كتاب الجامع والتفسير في أحرف
من القرآن وفي الأحاديث المتفرقة وجامع سفيان الثوري صنفه أيضا في هذة المدة وقيل
أنها صنفت سنة ستين ومئة . انتهى
الفائدة
الثانية : في ترجمة الإمام مالك
- ( انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء : 8 / 48 ، ترتيب
المدارك : 1 / 102 ، 254 وفيات الأعيان : 4 / 135 ، 139 تهذيب التهذيب : 10 / 5
وطبقات الحفاظ ص 89 وتهذيب الكمال : 7 / 139 ومقدمة أوجز المسالك 1 / 17 ، 55
وليس في الإمكان حصر الكتب التي ألفت في سيرنه أو ترجمت
له ولي كتاب " الإمام مالك ومكانة كتابه الموطأ " مطبوع )
وما أدراك ما مالك ؟ إمام الأئمة مالك الأزمة رأس أجلة
دار الهجرة قدوة علماء المدينة الطيبة يعجز اللسان عن ذكر أوصافه الجليلة ويقصر
الإنسان عن ذكر محاسنه الحميدة
وقد أطنب المؤرخون في تواريخهم والمحدثون في تواليفهم في
ذكر ترجمته وثنائه وصنف جمع منهم رسائل مستقلة في ذكر حالاته كأبي بكر أحمد بن
مروان المالكي الدينوري المصري المتوفى سنة عشر وثلاث مائة على ما في " كشف
الظنون عن أسامي الكتب والفنون " ( 2 / 1841 ) وأبو الروح عيسى بن مسعود
الشافعي المنوفى سنة أربع وسبعين وسبعمائة والجلال السيوطي الشافعي المصري صنف
رسالة سماها " تزيين الأرائك بمناقب الإمام مالك " ولنذكر ههنا نبذا من
أحواله ملخصا من " معدن اليواقيت الملتمعة في مناقب الأئمة الأربعة "
وغيره من كتب ثقات الأمة قاصدا فيه الاختصار فالتطويل يقتضي الأسفار الكبار
فأما اسمه ونسبه فهو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن
عمرو بن الحارث بن غيمان - بغين معجمة وياء تحتية - ويقال عثمان ( قال الذهبي في سير
أعلام النبلاء : 8 / 71 : وهذا لم يصح
) بن جثيل بجيم وثاء مثلثة ولام - وقيل خثيل بخاء معجمة
- بن عمرو بن الحارث الأصبحي المدني نسبة إلى أصبح بالفتح قبيلة من يعرب بن قحطان
. وجده الأعلى أبو عامر ذكره الذهبي في " تجريد الصحابة " . وقال : كان
في زمان النبي صلى الله عليه و سلم ولابنه مالك رواية عن عثمان وغيره . وأما
ولادته ووفاته . فذكر اليافعي في " طبقات الفقهاء " أنه ولد سنة أربع
وتسعين وذكر ابن خلكان وغيره انه ولد سنة خمسة وتسعين وقيل سنة تسعين ( قال الذهبي
في المصدر السابق 8 / 49 : الأصح في سنة ثلاثة وتسعين ) وذكر المزي في "
تهذيب الكمال " وفاته سنة تسعة وسبعون ومائة ضحوة رابع عشر من ربيع الأول
وحمل به في بطن أمه ثلاث سنين وكان دفنه بالبقيع وقبره يزار ويتبرك به . وأما مشايخه
وأصحابه فكثيرون فمن مشايخه : إبراهيم بن أبي عبلة المقدسي وإبراهيم بن عقبة وجعفر
بن محمد الصادق ونافع مولى بن عمر ويحيى بن سعيد والزهري وعبد الله بن دينار
وغيرهم . ومن تلامذته سفيان الثوري وسعيد بن منصور وعبد الله بن المبارك وعبد
الرحمن الأوزاعي وهو أكبر منه وليث بن سعد من أقرانه والإمام الشافعي محمد بن
ادريس ومحمد بن الحسن الشيباني وغيرهم . وأما ثناء الناس عليه ومناقبه فهو كثير :
قال أبو عمر ( ذكر بعضهم في كنيته أبو عمرو بالواو وذكر الزرقاني في " شرح
المواهب " أن كنيته أبوعمر بضم العين بدون الواو ( ش ) ) بن عبد البر في كتاب
" الأنساب " : أن الإمام مالك بن أنس كان إمام دار الهجرة وفيها ظهر
الحق وقام الدين ومنها فتحت البلاد وتواصلت الأمداد وسمي عالم المدينة وانتشر علمه
في الأمصار واشتهر في سائر الأقطار وضربت له أكباد الإبل وارتحل الناس إليه من كل
فج عميق وانتصب للتدريس وهو ابن سبعة عشر سنة وعاش قريبا من تسعين ومكث يفتي الناس
ويعلم الناس سبعين سنة وشهد له التابعون بالفقه والحديث . انتهى
وفي " الروض الفائق " أنه العالم الذي يشير
إليه ( في الأصل : " به " وهو خطأ ) النبي صلى الله عليه و سلم في
الحديث الذي رواه الترمزي ( أخرجه الترمزي في كتاب العلم رقم الحديث 2680 ) وغيره
وهو قوله صلى الله عليه و سلم : " ينقط العلم فلا يبقى عالم أعلم من عالم
المدينة " . وفي حديث آخر عن أبي هريرة : " يوشك الناس أن يضربوا أكباد
الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة " . قال سفيان بن عيينة : كانوا
يرون مالكا وقال عبد الرزاق : كنا نرى أنه مالك فلا يعرف هذا الإسم لغيره ولا ضربت
أكباد الإبل إلى أحد مثل ما ضربت إليه . وقال مصعب : سمعت مالكا يقول : ما أفتيت
حتى شهد لي سبعون شيخا أني أهل لذلك وقال الشافعي : لولا مالك وسفيان لذهب علم
الحجاز . وقال رجل للشافعي : هل رأيت أحدا ممن أدركت مثل مالك ؟ فقال : سمعت من
تقدمنا في السن والعلم يقولون : ما رأينا مثل مالك فكيف نرى مثله ؟ وقال حماد بن
سلمة : لو قيل لي اختر لأمة محمد صلى الله عليه و سلم من يأخذون عنه العلم لرأيت
مالك بن أنس لذلك موضعا ومحلا . وقال محمد بن ربيع حججت مع أبي وأنا صبي فنمت في
مسجد رسول الله فرأيت في النوم رسول الله كأنه خرج من قبره وهو متكئ على أبي بكر
وعمر فقمت وسلمت فرد السلام فقلت : يا رسول الله أين أنت ذاهب ؟ قال : أقيم لمالك
الصراط المستقيم فانتبهت وأتيت أنا وأبي إلى مالك فوجدت الناس مجتمعين على مالك
وقد أخرج لهم الموطأ وقال محمد بن عبد الحكيم : سمعت محمد بن السري يقول : رأيت
رسول الله صلى الله عليه و سلم في المنام فقلت : حدثني بعلم أحدث به عنك . فقال :
يا ابن السري إني قد وصلت بمالك بكنز يفرقه عليكم ألا وهو " الموطأ "
ليس بعد كتاب الله ولا سنتي في إجماع المسلمين حديث أصح من " الموطأ "
فاستمعه تنتفع به . وقال يحيى بن سعيد : ما في القوم أصح حديثا من مالك ثم سفيان الثوري
وابن عيينة . وقال أبو مسلم الخزاعي : كان مالك إذا أراد أن يجلس ( أي للتحديث )
توضأ وضوءه للصلاة ولبس أحسن ثيابه وتطيب ومشط لحيته فقيل له في ذلك فقال : أوقر
به حديث رسول الله . وقال ابن المبارك : كنت عند مالك وهو يحدثنا بحديث رسول الله
فلدغته عقرب ست عشرة مرة وهو يتغير لونه ويصفر وجهه ولا يقطع الحديث فلما تفرق
الناس عنه قلت له : لقد رأيت اليوم منك عجبا فقال : صبرت إجلالا لحديث رسول الله
صلى الله عليه و سلم . وقال مصعب بن عبد الله : كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله
عليه و سلم يتغير لونه وينحني فقيل له في ذلك فقال : لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم . وذكر
ابن خلكان ( وفيات الأعيان : 4 / 136
) : كان مالك لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه يقول
: لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله صلى الله عليه و سلم مدفونة
الفائدة
الثالثة : في ذكر فضائل الموطأ وسبب تسميته به وما اشتمل عليه
- قال السيوطي في " تنوير الحوالك " ( 1 / 6 ،
8 ) : قال القاضي أبو بكر بن العربي في " شرح الترمزي " : الموطأ هو
الأصل الأول واللباب وكتاب البخاري هو الأصل الثاني في هذا الباب وعليهما بنى
الجميع كمسلم والترمزي . وذكر ابن الهياب ( في الأصل : ابن الهباب وهو تحريف ) أن مالكا
روى مئة ألف حديث جمع منها في الموطأ عشر آلاف حديث ثم لم يزل يعرضها على الكتاب والسنة
ويختبرها بالآثار والأخبار حتى رجعت إلى خمسمائة . وقال إلكيا الهراسي في تعليقه
في الأصول : إن موطأ مالك كان اشتمل على تسعة ألاف حديث ثم لم يزل ينتقي حتى رجع
إلى سبعمائة . وأخرج أبوالحسن بن فهر في " فضائل مالك " عن عتيق بن
يعقوب قال : وضع مالك الموطأ على نحو من عشرة آلاف حديث فلم يزل ينظر فيه في كل
سنة ويسقط منه حتى بقي منه هذا
...
وأخرج ابن عبد البر عن عمر بن عبد الواحد صاحب الأوزاعي
قال : عرضنا على مالك الموطأ في أربعين يوما فقال كتاب ألفته في أربعين سنة
أخذتموه في أربعين يوما ما أقل ما تفقهون فيه ... وقال أبو عبد الله محمد بن
إبراهيم الكناني الأصفهاني : قلت لأبي حاتم الرازي : لم سمي موطأ مالك بالموطأ ؟
فقال شيء قد صنفه ووطأه للناس حتى قيل موطأ مالك كما قيل جامع سفيان وقال أبو
الحسن بن فهر : أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن فراس سمعت أبي يقول : سمعت علي بن أحمد الخلنجي
يقول : سمعت بعض المشايخ يقول : قال مالك : عرضت كتابي هذا على سبعين فقيها من
فقهاء المدينة فكلهم واطأني عليه فسميته الموطأ قال ابن فهر : لم يسبق مالكا أحدا إلى هذه التسمية
فإن من ألف في زمانه سمى بعضهم بالجامع وبعضهم بالمصنف وبعضهم بالمألف والموطأ :
الممهد المنقح وفي القاموس وطأه هيأه ودمثه وسهله ورجل الموطأ الأكناف سهل دمث
كريم مضياف أويتمكن في ناحيته صاحبه غير مؤذ ولا ناب ( وفي الأصل : " ثاب
" وهو تحريف ) به موضعه وموطأ العقب سلطان يتبع وهذه المعاني كلها تصلح في
هذا الاسم على سبيل الاستعارة وأخرج ابن عبد البر عن المفضل بن محمد بن حرب المدني
قال أول من عمل كتابا بالمدينة على معنى الموطأ من ذكر ما اجتمع عليه أهل المدينة
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون وعمل ذلك كلاما بغير حديث فأتي به
مالك فنظر فيه فقال : ما أحسن ماعمل هذا ولو كنت أنا الذي عملت لابتدأت الآثار ثم
شددت ذلك بالكلام ثم إنه عزم على تصنيف الموطأ فصنفه فعمل من كان بالمدينة يومئذ
من العلماء الموطآت فقيل لمالك : شغلت نفسك بعمل هذا الكتاب وقد شركك فيه الناس
وعملوا أمثاله فقال : ائتوني بماعملوا به فأتي به فنظر في ذلك ثم نبذه وقال :
لتعلمن أنه لا يرتفع إلا ما أريد به وجه الله قال : فكأنما ألقيت تلك الكتب في
الآبار وقال الشافعي : ما على ظهر الأرض كتاب بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك أخرجه
ابن فهر من طريق يونس بن عبد الأعلى عنه وفي لفظ : ما وضع على الأرض كتاب هو أقرب
إلى القرآن من كتاب مالك وفي لفظ : ما في الأرض بعد كتاب الله أكثر صوابا من موطأ
مالك وفي لفظ : ما بعد كتاب الله أنفع من الموطأ وقال الحافظ مغلطاي أول من صنف
الصحيح مالك ( شرح الزرقاني : 1 / 8
)
وقال الحافظ بن حجر : كتاب مالك صحيح عنده وعند من يقلده
على ما اقتضاه نظره من الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وغيرهما قلت : ما فيه من
المراسيل فإنها مع كونها حجة عنده بلا شرط وعند من وافقه من الأئمة على الإحتجاج
بالمرسل فهي أيضا حجة عندنا لأن المرسل عندنا حجة إذا اعتضد وما من مرسل في الموطأ
إلا وله عاضد أو عواضد فالصواب إطلاق أن الموطأ صحيح كله لا يستثنى منه شيء وقد
صنف ابن عبد البر كتابا في وصل ما في الموطأ من المرسل والمنقطع والمعضل قال : وجميع ما فيه من
قوله : بلغني ومن قوله : عن الثقة عنده مما لم يسنده : أحد وستون حديثا كلها مسندة
من غير طريق مالك إلا أربع لا تعرف : أحدها : حديث إني لأنسى أو أنسى لأسن ( وفي
الأصل : " لا أنسى ولكن أنسى " وهو تحريف وأخرجه مالك في كتاب السهو : 1
/ 100 ) والثاني أن النبي صلى الله عليه و سلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء
الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل الذي بلغ غيرهم في
طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر والثالث : قول معاذ آخر ما أوصاني به رسول الله
صلى الله عليه و سلم وقد وضعت رجلي في الغرزان قال : حسن خلقك للناس والرابع : إذا
أنشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة . انتهى
وفي " سير النبلاء " للذهبي ( هو أبو عبد الله
محمد بن أحمد بن عثمان التركماني الدمشقي المتوفي سنة 748 هـ ( ش ) ) في ترجمة الشيخ أبو محمد علي بن
أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح الشهير بابن حزم الظاهري الأندلسي القرطبي (
سير أعلام النبلاء : 18 / 184 )
المتوفى في شعبان سنة 456 هـ ست وخمسين بعد أربعمائة بعد
ما ذكر مناقبة ومعائبة : وإني أنا أميل إلى محبة أبي محمد لمحبته بالحديث الصحيح ومعرفة
به وإن كنت لا أوافقه في كثير مما يقوله في الرجال والعلل والمسائل البشعة في
الأصول والفروع وأقطع بخطئه في غير مسألة ولكن لا أكفره ولا أضلله وأرجو له العفو
والمسامحة وأخضع لفرط ذكائه وسعة علمه ورأيته ذكر قول من يقول : أجل المصنفات
الموطأ فقال : بل أولى الكتب بالتعظيم صحيحا البخاري ومسلم وصحيح ابن السكن ومنتقى
ابن الجارود والمنتقى لقاسم ابن أصبغ ثم بعدها كتاب أبي داود وكتاب النسائي ومصنف
القاسم بن أصبغ ومصنف أبي جعفر الطحاوي قلت : ما ذكر سنن ابن ماجه ولا جامع أبي
عيسى الترمزي فإنه ما رآهما ولا أدخلا إلى الأندلس إلا بعد موته قال : ومسند
البزار ومسند ابن أبي شيبة ومسند أحمد بن حنبل ومسند إسحق ومسند الطيالسي ومسند
الحسن بن سفيان ومسند ابن سنجر ومسند عبد الله بن محمد المسندي ومسند يعقوب بن
شيبة ومسند علي بن المديني ومسند ابن أبي غرزة وما جرى مجرى هذه الكتب التي أفردت
بكلام رسول الله صرفا ثم الكتب التي فيها كلامه وكلام غيره ثم مصنف عبد الرزاق
ومصنف أبي بكر بن أبي شيبة ومصنف بقي بن مخلد وكتاب محمد بن نصر المروزي وكتاب ابن
المنذر الأكبر والأصغر ثم مصنف حماد بن سلمة وموطأ مالك بن أنس وموطأ ابن أبي ذئب
وموطأ ابن وهب ومصنف وكيع ومصنف محمد بن يوسف الفريابي ومصنف سعيد بن منصور ومسائل
أحمد وفقه أبي عبيد وفقه أبي ثور قلت ما أنصف ابن حزم بل رتبة الموطأ أن يذكر تلو
الصحيحين مع سنن أبي داود النسائي ( تدريب الراوي ص 54 ، والأجوبة الفاضلة ص 47 .
عد الجمهور الموطأ في الطبقة الأولى من كتب الحديث منهم الإمام ولي الله الدهلوي
وابنه العلامة عبد العزيز الدهلوي . مقدمة أوجز المسالك 1 / 32 ) لكنه تأدب وقدم المسندات
النبوية الصرفة وإن للموطأ لوقعا في النفوس ومهابة في القلوب لا يوازيها شيء .
انتهى كلام الذهبي ( سير أعلام النبلاء : 18 / 201 - 203 )
الفائدة الرابعة : قد يتوهم التعارض بين ما مر نقله عن الشافعي أن أصح الكتب بعد كتاب الله الموطأ وقول جمهور المحدثين أن أصح الكتب كتاب البخاري ثم كتاب مسلم وأن أعلى الأحاديث من حيث الأصحية ما اتفقا عليه ثم ما انفرد به البخاري ثم ما انفرد به مسلم ثم ما كان على شرطهما ثم ما كان على شرط البخاري ثم ما كان على شرط مسلم ثم باقي الصحاح على حسب مراتبها ومنهم من فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري فإن كان مراده من حيث الأصحية فهو غلط وأن كان من وجه آخر فهو أمر خارج عن البحث ولإبن الهمام في " فتح القدير " ( 3 / 186 ) حاشية الهداية كلام في هذا المقام لكنه مدفوع بعد دقة النظر عند الأعلام وتفصيل هذا البحث مذكور في شروح الألفية وشروح شرح النخبة ودراسات اللبيب في الأسوة الحسنة بالحبيب وجوابه على ما في " فتح المغيث شرح ألفية الحديث " للسخاوي ( هو شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي : نسبة إلى سخا قرية من أعمال مصر تلميذ الحافظ ابن حجر المتوفى سنة 902 هـ بالمدينة المنورة . ( ش ) ) و " تدريب الراوي شرح تقريب النواوي " للسيوطي وغيرهما أن قول الشافعي كان قبل وجود كتاب البخاري ومسلم ( فتح المغيث 1 / 27 ، وتدريب الراوي 1 / 91 ) . وقال الحافظ ابن حجر في مقدمة " فتح الباري " ( ص 10 ) نقلا عن " مقدمة ابن الصلاح " : أما ما روينا عن الشافعي أنه قال : ما أعلم في الأرض كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ أصح من الموطأ فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي البخاري ومسلم ثم أن كتاب البخاري أصح الكتابين وأكثرهما فوائد . انتهى . وقال أيضا : قد استشكل بعض الأئمة إطلاق تفضيل البخاري على كتاب مالك مع اشتراكهما في اشتراط الصحة والتثبت والمبالغة في التحري وكون البخاري أكثر حديثا لا يلزم منه أفضلية الصحة والجواب عن ذلك أن ذلك محمول على شرائط الصحة فمالك لا يرى الانقطاع في الإسناد قادحا فلذلك يخرج المراسيل والمنقطعات والبلاغات في أصل موضوع كتابه البخاري يرى أن الانقطاع علة فلا يخرج ما هذا سبيله إلا في غير أصل موضوع كتابه كالتعليقات والتراجم ولا شك أن المنقطع وإن كان عند قوم مما يحتج به فالمتصل أقوى منه إذا اشترك رواتهما في العدالة والحفظ فبان بذلك فضيلة صحيح البخاري واعلم أن الشافعي إنما أطلق على الموطأ فضيلة الصحة بالنسبة إلى الجوامع الموجودة في زمانه كجامع سفيان الثوري ومصنف حماد بن سلمة وغير ذلك وهو تفضيل مسلم لا نزاع فيه . انتهى
الفائدة
الخامسة : من فضائل الموطأ اشتماله كثيرا على الأسانيد التى حكم المحدثون عليها
بالأصحية
- وقد اختلف فيه فقيل : أصح الأسانيد ما رواه محمد بن
مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عبد الله بن
عمر بن الخطاب وهذا مذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه صرح به ابن الصلاح وقيل : أصحها محمد بن
سيرين عن عبيدة بن عمرو السلماني عن علي بن أبي طالب قاله علي بن المديني وعمرو
ابن علي الفلاس . وقيل إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قاله يحيى بن
معين والنسائي . وقيل : الزهري عن زين العابدين علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن
علي بن أبي طالب حكاه ابن الصلاح عن أبي بكر بن أبي شيبة والعراقي عن عبد الرازق
وقيل مالك عن نافع عن ابن عمر وهذا قول البخاري وبه صدق العراقي كلامه وهو أمر
تميل إليه النفوس وتنجذب إليه القلوب وبناء على هذا قال أبو منصور عبد القاهر
التميمي البغدادي : إن أجل الأسانيد : الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر لأنه لم
يكن في الرواه عن مالك أجل من الشافعي ( انظر مقدمة ابن الصلاح ص 86 ، طبع بتحقيق
الدكتور عائشة عبد الرحمن على هامشها محاسن الاصطلاح ) . وبنى عليه بعضهم أن أجلها
أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك عن نافع عن إبن عمر لكون أحمد أجل من أخذ عن
الشافعي وتسمى هذه الترجمة سلسلة الذهب . وتعقب الحافظ مغلطاي أبا منصور التميمي
في ذكره الشافعي برواية أبي حنيفة عن مالك إن نظرنا إلى الجلالة وابن وهب والقعنبي
إن نظرنا إلى الإتقان وقال البلقيني في " محاسن الإصطلاح " ( ص 86 ) :
أما أبو حنيفة فهو وإن روى عن مالك كما ذكره الدارقطني لكن لم تشتهر روايته عنه
كاشتهار رواية الشافعي وقال العراقي : رواية أبي حنيفة عن مالك فيما ذكره
الدارقطني في ( غرائبه ) ليست من روايته عن نافع ابن عمر والمسألة مفروضة في ذلك
نعم ذكر الخطيب حديثا كذلك في روايته عن مالك وقال الحافظ ابن حجر : أما اعتراضه
بأبي حنيفة فلا يحسن لأن أبا حنيفة لم يثبت روايته عن مالكك وإنما أوردها
الدارقطني ثم الخطيب لروايتين وقعتا لهما عنه بإسنادين فيهما مقال وأيضا فإن رواية
أبي حنيفة عن مالك إنما هي فيما ذكره في المذاكرة ولم يقصد الرواية عنه كالشافعي
الذي لازمه مدة طويلة وقرأ عليه الموطأ بنفسه . وأما اعتراضه بابن وهب والقعنبي (
ينسب إلى جده قعنب - بفتح القاف وسكون العين وفتح النون - وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة
أحد رواة الموطأ عن مالك توفي بالبصرة سنة 221 هـ ) فلا شك أن الشافعي أعلم منهما
وقال غير واحد : إن ابن وهب غير جيد التحمل فيحتاج إلى صحة النقل عن أهل الحديث
أنه كان أتقن الرواية عن مالك نعم كان كثير اللزوم به . انتهى ملخصا . وقيل : أصح الأسانيد
شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب يعني عن شيوخه وقيل : عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه عن عائشة ذكره الخطيب عن ابن معين وقيل يحيى بن أبي كثير بن أبي سلمة عن أبي
هريرة قاله سليمان بن داود الشاذكوني وقيل : أيوب عن نافع عن ابن عمر رواه خلف بن
هشام البزار عن أحمد وقيل : شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة عن أبي موسى الأشعري نقله
الخطيب عن وكيع وقيل : سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن
مسعود قاله ابن مبارك والعجلي . هذا ما في " تدريب السيوطي " ( انظر
تدريب الراوي ص 74 - 77 ) و
" شرح شرح نخبة الفكر " لملا أكرم السندي ( ص
50 - 51 ) . وفي المقام تفصيل ليس هذا موضع ذكره
الفائدة السادسة : قال السيوطي : في " تنوير الحوالك " ( ص 1 / 10 - 12 ) : الرواة عن مالك فيهم كثرة جدا بحيث لا يعرف لأحد من الأئمة رواة كرواته وقد أفرد الحافظ أبو بكر الخطيب كتابا في الرواة عن مالك أورد فيه ألف رجل إلا سبعة وذكر القاضي عياض أنه ألف في رواته كتابا وذكر فيه نيفا على ألف اسم وثلاثمائة وأما الذين رووا عنه الموطأ فعقد لهم القاضي في المدارك بابا وسمى منهم غير الأربعة المشهورين - وسيأتي ذكرهم - الشافعي ومطرف بن عبد الله وعبد الله بن عبد الحكم وبكار بن عبد الله الزبيري ويحيى بن يحيى النيسابوري وزياد بن عبد الله الأندلسي وسبطون ( هكذا في الأصل والصحيح شبطون بشين معجمة موحدة وطاء مهملة : شرح الزرقاني 1 / 6 ) بن عبد الله الأندلسي ومحمد بن شروس الصنعاني وأبا قرة السكسكي وأبا ( في الأصل : " أبو فلان " وهو تحريف ) فلان السهمي البغدادي وأحمد بن منصور النامزاني وقتيبة بن سعيد وعتيق بن يعقوب الزبيري وأسد بن الفرات القروي وإسحق بن عيسى الطباع وبديرة المغني البغدادي وحفص بن عبد السلام الأندلسي وأخاه حسان وحبيب بن أبي حبيب وخلف بن جرير بن فضالة وخالد بن نزارة الإيلي والغازي بن قيس الأندلسي وقرعوس بن العباس الأندلسي ومحرز المدني وسعيد ابن عبد الحكم الأندلسي وسعيد بن أبي هند الأندلسي وسعيد بن عبدوس الأندلسي وعبد الأعلى بن مسهر الدمشقي وعبد الرحيم بن خالد المصري وإسماعيل بن أبي أويس وأخاه أبا بكر وعلي بن زياد التونسي وعباس بن ناصح الأندلسي وعيسى بن شجرة التونسي وأيوب بن صالح المدني وعبد الرحمن بن هند الطليطلي ( في الأصل : " الطيطلي " وهو تحريف ) وعبد الرحمن بن عبد الله الأندلسي وعبيد بن حبان الدمشقي وسعيد بن داود المدني قال القاضي : فهؤلاء الذين حققنا أنهم رووا عنه الموطأ ونص على ذلك أصحاب الأثر والمتكلمون في الرجال وقد ذكروا أيضا أن محمد بن عبد الله الأنصاري البصري أخذ الموطأ عنه كتابة وإسماعيل بن إسحق أخذه مناولة وأما القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة فرواه عن رجل عنه وذكروا أن هارون الرشيد وبنيه الأمين والمأمون والمؤتمن أخذوا عنه الموطأ وقد ذكر عن المهدي والهادي أنهما سمعا منه ورويا عنه ولا مرية في أن رواة الموطأ أكثر من هؤلاء ولكن إنما ذكرنا منهم من بلغنا نصا سماعه منه وأخذه له عنه أو من اتصل إسنادنا له فيه منه والذي اشتهر من نسخ الموطأ عنه مما رويته أو وقفت عليه أو كان في رواية شيوخنا أو نقل منه أصحاب اختلافات الموطآت نحو عشرين نسخة وذكر بعضهم أنها ثلاثون وقد رأيت الموطأ برواية محمد بن حميد بن عبد الرحيم بن سروس الصنعاني عن مالك وهو غريب ولم يقع لأصحاب اختلاف الموطآت . هذا كله كلام القاضي ( تنوير الحوالك : ص 9 ) . وذكر الخطيب ممن روى عن مالك الموطأ : إسحاق بن موسى الموصلي مولى بني مخزوم . وقال الخليلي في الإرشاد وقال أحمد بن حنبل كنت سمعت الموطأ من بضعة عشر رجلا من حفاظ أصحاب مالك فأعدته على الشافعي لأني وجدته ( في الأصل وجدت والظاهر وجدته ) أقومهم وقال أبو بكر بن خزيمة : سمعت نصر بن مرزوق يقول : سمعت يحيى بن معين يقول : وسألته عن رواة الموطأ فقال أثبت الناس في الموطأ عبد الله بن مسلمة القعنبي وعبد الله بن يوسف التنيسي بعده قال الحافظ : وهكذا أطلق المديني والنسائي وقال أبو حاتم أثبت أصحاب مالك وأوثقهم معن بن عيسى . وقال بعض الفضلاء : اختار أحمد في " مسنده " رواية عبد الرحمن بن مهدي والبخاري رواية عبد الله بن يوسف التنيسي ومسلم رواية يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري وأبو داوود رواية القعنبي والنسائي رواية قتيبة بن سعيد . قلت : يحيى المذكور ليس هو صاحب الرواية المشهورة وهو يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن النيسابوري أبو زكريا مات سنة ستة وعشرين ومائتين في صفر وأما يحيى صاحب الرواية المشهورة فهو يحيى بن يحيى بن كثير بن وسلاس أبو محمد الليثي الأندلسي مات في رجب سنة أربع وثلاثين ومئتين . انتهى ملخصا
الفائدة
السابعة : [ نسخ الموطأ ]
- قد أورد بعض أعيان دهلي ( هو الشيخ عبد العزيز المحدث
الدهلوي المتوفي 1239 هجري . في الاصل : " الدهلي " وهو تحريف ) في
كتابه " بستان المحدثين
" المؤلف باللسان الفارسي في ذكر حال الموطأ وترجمة
مؤلفه واختلاف نسخه تفصيلا حسنا . وخلاصة ما ذكره فيه معربا أن نسخ الموطأ التي
توجد في ديار العرب في هذه الأيام متعددة
النسخة الأولى : المروجة في بلادنا المفهومة من الموطأ
عند الإطلاق في عصرنا هي نسخة يحيى بن يحيى المصمودي ( انظر ترجمته في الإنتقاء في فضائل
الثلاثة الأئمة الفقهاء ص 58 60 ، وشذرات الذهب 2 / 83 ) هو أبو محمد يحيى بن يحيى
بن كثير بن وسلاس بفتح الواو وسكون السين المهملة ابن شملل بفتح الشين المعجمة
والللام الأولى بينهما ميم ابن منقايا بفتح الميم وسكون النون المصمودي بالفتح
نسبة إلى مصمودة قبيلة من بربر وأول من أسلم من أجداده منقايا على يد يزيد بن عامر
الليثي وأول من سكن الأندلس منهم جده كثير وأخذ يحيى الموطأ أولا من زياد بن عبد الرحمن
بن زياد اللخمي المعروف بالشبطون وكان زياد أول من أدخل مذهب مالك في الأندلس ورحل
إلى مالك للإستفادة مرتين ورجع إلى وطنه واشتغل بإفادة علوم الحديث وطلب منه أمير
قرطبة قبول قضاء قرطبة فامتنع وكان متورعا زاهدا مشارا إليه في عصره وفاته في
السنة التي مات فيها الإمام الشافعي وهي سنة أربع ومائتين وارتحل يحيى إلى المدينة
فسمع الموطأ من مالك بلا واسطة إلا ثلاثة أبواب من كتاب الإعتكاف : باب خروج
المعتكف إلى العيد وباب قضاء الاعتكاف وباب النكاح في الاعتكاف وكانت ملاقاته
وسماعه في السنة التي مات فيها مالك يعني سنة تسع وسبعين بعد المائة وكان حاضرا في
تجهيزه وتكفينه وأخذ الموطأ أيضا من أجل تلامذة مالك عبد الله بن وهب وأدرك كثيرا
من أصحابه وأخذ العلم عنهم ووقعت له رحلتان من وطنه ففي الأولى أخذ عن مالك وعبد
الله بن وهب وليث بن سعد المصري وسفيان بن عيينة ونافع بن نعيم القاري وغيرهم وفي
الثانية أخذ العلم والفقه عن ابن القاسم صاحب المدونة من أعيان تلامذة مالك وبعدما
صار جامعا بين الرواية والدراية عاد إلى أوطانه وأقام بالأندلس يدرس ويفتي على
مذهب مالك وبه وبعيسى بن دينار تلميذ مالك انتشر مذهبه في بلاد المغرب وكانت وفاة
يحيى في سنة أربعة وثلاثين بعد المائتين وأول نسخته بعد البسملة " وقوت
الصلاة " مالك ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوما فدخل عليه عروة
بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوما وهو بالكوفة فدخل عليه أبو
مسعود الأنصاري فقال : ما هذا يا مغيرة ؟ أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى معه رسول
الله صلى الله عليه و سلم ثم صلى ... الحديث
النسخة الثانية : نسخة ابن وهب ( أنظر ترجمته في : ترتيب
المدارك 2 / 421 ، تهذيب التهذيب 6 / 73 ، الديباج المذهب 133 ، طبقات الحفاظ ص
126 ) : أولها : أخبرنا مالك عن أبي الزناد وعن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ...
الحديث وهذا الحديث من متفردات ابن وهب ولا يوجد في الموطآت الأخر إلا موطأ ابن
القاسم . وهو أبو محمد عبد الله بن سلمة الفهري المصري ولد في ذي القعدة سنة خمس
وعشرين بعد مائة وأخذ عن أربع مائة شيخ منهم مالك وليث بن سعد ومحمد بن عبد الرحمن
والسفيانان وابن جريج وغيرهم وكان مجتهدا لا يقلد أحدا وكان تعلم طريق الاجتهاد
والتفقه من مالك وليث وكان في عصره كثير الرواية للحديث وذكر الذهبي وغيره أنه وجد
في تصانيفه مائة ألف حديث وعشرون ألف من رواياته ومع هذا لا يوجد في أحاديثه منكر
فضلا عن ساقط وموضوع ومن تصانيفه كتاب مشهور بجامع ابن وهب وكتاب المناسك وكتاب
المغازي وكتاب تفسير الموطأ وكتاب القدر وغير ذلك وكان صنف كتاب أهوال القيامة
فقرئ عليه يوما فغلب عليه الخوف حتى عرض له الغشي وتوفي في تلك الحالة يوم خامس
شعبان سنة سبع وتسعين بعد مائة
النسخة الثالثة : نسخة ابن القاسم ومن متفرداتها : مالك
عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
قال : " قال الله : من عمل عملا أشرك فيه معي غيري فهو له كله أنا أغنى الشركاء " . قال أبو
عمر بن عبد البر : هذا الحديث لا يوجد إلا في موطأ ابن القاسم وابن عفير
وهو أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم بن خالد المصري ( انظر ترجمته في
: وفيات الاعيان 1 / 276 ، الديباج المذهب 146 ، حسن المحاضرة 1 / 303 ، تذكرة
الحفاظ 1 / 356 ، طبقات السيوطي 148 . ) ولد سنة اثنتين وثلاثين بعد مائة أخذ
العلم عن كثير من الشيوخ منهم مالك وكان زاهدا فقيها متورعا كان يختم القرآن كل
يوم ختمتين وهو أول من دون مذهب مالك في " المدونة " وعليها اعتمد
فقهاء مذهبه وكانت وفاته في مصر سنة إحدى وتسعين بعد مائة
النسخة الرابعة : معن بن عيسى ومن متفرداتها : مالك عن
سالم أبي النضر عن أبي سلمة عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي
من الليل فإذا فرغ من صلاته فإن كنت يقظانة تحدث معي وإلا اضطجع حتى يأتيه المؤذن
وهو أبو يحيى معن ( له ترجمة في : الانتقاء لابن عبد البر
ص 61 ، تهذيب التهذيب 10 / 252 ، والديباج 347 ) بالفتح ابن عيسى بن دينار المدني
القزاز يعني بائع القز الأشجعي مولاهم من كبار أصحاب مالك ومحققيهم ملازما له
ويقال له : عصا مالك لأن مالك كان يتكئ عليه حين خروجه من المسجد بعدما كبر وأسن
وتوفي بالمدينة سنة ثمانية وتسعين ومائة في شوال
النسخة الخامسة : نسخة القعنبي ومن متفرداتها : أخبرنا
مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا
عبد فقولوا عبده ورسوله
وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة بن قعنب الحارثي
القعنبي ( له ترجمة في : تذكرة الحفاظ 1 / 383 ، والديباج المذهب 131 ، والعبر 1 / 382 ) بفتح القاف وسكون العين نسبة
إلى جده . كان أصله من المدينة وسكن البصرة ومات بمكة في شوال سنة إحدى وعشرون بعد
المائتين وكانت ولادته بعد ثلاثين ومائة وأخذ عن مالك والليث وحماد وشعبة وغيرهم
قال ابن معين : ما رأينا من يحدث لله إلا وكيعا والقعنبي له فضائل جمة وكان مجاب
الدعوات وعد من الأبدال
النسحة السادسة : نسخة عبد الله بن يوسف ( له ترجمة في :
تهذيب التهذيب 6 / 88 ، تقريب التهذيب 1 / 463 ) الدمشقي الأصل التنيسي المسكن إلى
تنيس بكسر التاء المثناة الفوقية وكسر النون الممشددة بعدها ياء مثناة تحتية آخره
سين مهملة بلدة من بلاد المغرب وذكر السمعاني أنها من ( في الأصل : " من بلاد
" وهو خطأ ) بلاد مصر . وثقه البخاري وأبو حاتم وأكثر عنه البخاري في كتبه
ومن متفرداتها إلا بالنسبة إلى موطأ ابن وهب : مالك عن ابن شهاب عن حبيب مولى عروة
عن عروة : أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه و سلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال :
إيمان بالله ... الحديث
النسخة السابعة : نسخة يحيى بن يحيى بن بكير أبو زكريا المعروف
بابن بكير المصري ( له ترجمة في : تذكرة الحفاظ 2 / 420 ، حسن المحاضرة 1 / 437 ،
شذرات الذهب 2 / 71 ) أخذ عن مالك والليث وغيرهما وروى عنه البخاري ومسلم بواسطة
في صحيحيهما ووثقه جماعة ومن لم يوثقه لم يقف على مناقبه مات في صفر سنة إحدى
وثلاثين بعد المائتين . ومن متفرداتها : مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن
عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " ما زال جبريل يوصيني بالجار
حتى ظننت أنه ليورثنه " . قلت : هذا الحديث موجود في موطأ محمد أيضا برواية
مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن حزم عن عمرة عن عائشة كما ستقف عليه إن شاء
الله تعالى ( رقم الحديث 935 )
النسخة الثامنة : نسخة سعيد بن عفير ( له ترجمة في :
تذكرة الحفاظ 2 / 427 ، وتهذيب النهذيب
4 / 74 ، وميزان الاعتدال 2 / 155 ) وهو سعيد بن كثير بن عفير بن مسلم الأنصاري
أخذ عن مالك والليث وغيرهما وروى عنه البخاري وغيره ولد سنة ست وأربعين بعد مائة
توفي في رمضان سنة ست وعشرين بعد المائتين . ومن متفرداتها : مالك عن ابن شهاب عن
إسماعيل بن محمد بن ثابت بن قيس بن شماس عن جده أنه قال : يا رسول الله لقد خشيت
أن أكون قد هلكت قال : لم ؟ قال : نهانا الله أن نحمد بما لم نفعل وأجدني أحب أن
نحمد ... الحديث . قلت : هذا موجود في موطأ محمد أيضا
النسخة التاسعة : نسخة أبو مصعب الزهري ( له ترجمة في :
شذرات الذهب 2 / 100 ، والانتقاء ص 62 ، وترتيب المدارك
3 / 347 ) أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن
عوف الزهري من شيوخ أهل المدينة وقضاتها ولد سنة خمسين مائة ولازم مالكا وتفقه
وأخرج عنه أصحاب الكتب الستة إلا أن النسائي روى عنه بواسطة توفي في رمضان سنة
اثنتين وأربعين بعد المائتين وقالوا موطأه آخر الموطآت التي عرضت على مالك ويوجد
في موطئه وموطأ أبو حذافة السهمي نحو مائة حديث زائدا على الموطأت الأخر ومن
متفرداتها : مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه
و سلم سئل عن الرقاب أيها أفضل ؟ قال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها . وقال ابن
عبد البر : هذا الحديث موجود في موطأ يحيى أيضا
النسخة العاشرة : نسخة مصعب بن عبد الله الزبيري ( له
ترجمة في : ترتيب المدارك 3 / 170 - 172 ، توفي سنة 236 هـ وطبقات ابن سعد 5 / 439
) قال بعضهم من متفرداتها : مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم قال لأصحاب الحجر : " لا تدخلوا على هؤلاء القوم
المعذبين الإ أن تكونوا باكين ... " الحديث وقال ابن عبد البر : هذا موجود في
موطأ يحيى بن بكير وسليمان أيضا قلت : وفي موطأ محمد أيضا
النسخة الحادية عشر : نسخة محمد بن مبارك الصوري ( له
ترجمة في : تهذيب التهذيب 9 / 424 ، تقريب التهذيب 1 / 204 )
النسخة الثانية عشرة : نسخة سليمان بن برد ( له ترجمة في
: ترتيب المدارك 2 / 460 )
النسخة الثالثة عشرة : نسخة أبي حذافة السهمي أحمد بن
إسماعيل ( تهذيب التهذيب 1 / 16 ، وميزان الاعتدال 1 / 83 ) آخر أصحاب مالك موتا
كانت وفاته ببغداد سنة تسع وخمسين بعد المائتين يوم عيد الفطر لكنه لم يكن معتبرا
في الرواية ضعفه الدارقطني وغيره
النسخة الرابعة عشرة : نسخة سويد بن سعيد أبي محمد
الهروي ( تهذيب التهذيب 4 / 272 ) روى عنه مسلم وابن ماجه وغيرهما وكان من الحفاظ
المعتبرين مات سنة أربعين بعد المائتين ومن مفرداتها : مالك عن هشام عن عروة عن
أبيه عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "
إن الله لا يقبض العلم إنتزاعا
. . " الحديث
النسخة الخامسة عشر : نسخة محمد بن حسن الشيباني تلميذ
الإمام أبي حنيفة ومن مفرداته على ما سيأتي ذكره حديث " إنما الأعمال بالنية " . هذا
خلاصة ما في " البستان " مع زيادات عليه . وقد ذكر في " البستان
" أيضا
النسخة السادسة عشر : وهي نسخة يحيى بن يحيى التميمي
وقال إن آخر أبوابه باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه و سلم وقال فيه مالك
عن ابن الشهاب عن محمد بن جببير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لي خمسة أسماء :
أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر
الناس على قدمي وأنا العاقب
وهو يحيى بن يحيى بن بكير بن عبد الرحمن التميمي الحنظلي
النيسابوري المتوفي سنة اثنتين وعشرين بعد المائتين ( قال الحافظ في تهذيب التهذيب
11 / 296 : مات في آخر صفر سنة ست وعشرين بعد المائتين . وله ترجمة في المدارك 2 /
408 ، والديباج 349 ، والانتقاء ص 13 ، وتذكرة الحفاظ 2 / 415 . قال السيوطي في " االتنوير
" : ويحيى بن يحيى هذا ليس هو صاحب الرواية المشهورة الآن . مقدمة "
أوجز المسالك " 1 / 39 ) روى عنه البخاري ومسلم وغيرهما . قلت : هذا هو آخر ( أي
آخر أبواب نسخة المصمودي أيضا ) نسخة المصمودي الأندلسي المتعارفة في ديارنا وشرح
عليها الزرقاني وغيره كما لا يخفى على من طالعه . وقد ذكر السيوطي في " تنوير
الحوالك " ( 1 / 10 ) أربعة عشر نسخة حيث قال في مقدمة " تنوير الحوالك
" : قال الحافظ صلاح الدين العلائي : روى الموطأ عن مالك جماعات كثيرة وبين
رواياتهم اختلاف في تقديم وتأخير وزيادة ونقص وأكثرها زيادة رواية القعنبي ومن
أكبرها وأكثرها زيادة رواية أبي مصعب فقد قال ابن حزم : في موطأ أبي مصعب زيادة عن
سائر الموطآت نحو مائة حديث وقال الغافقي في " مسند الموطأ " أي أبو
القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الفقيه المالكي المتوفي سنة إحدى وثمانين
بعد ثلاث مائة ( تزين الممالك ص 48 ، الديباج المذهب
ص 148 ) : اشتمل كتابنا هذا على ستة مائة حديث وستة وستين حديثا وهو الذي انتهى
إلينا من مسند موطأ مالك وذلك أني نظرت الموطأ من ثنتي عشرة رواية رويت عن مالك
وهي رواية عبد الله بن وهب وعبد الرحمن بن القاسم وعبد الله بن مسلمة القعبني وعبد
الله بن يوسف التنيسي ومعن بن عيسى وسعيد بن عفير ويحيى بن عبد الله بن بكير وأبي
مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري ومصعب عبد الله الزبيري ومحمد بن المبارك الصوري
وسليمان بن برد ويحيى بن يحيى الأندلسي فأخذت الأكثر من رواياتهم فذكرت اختلافهم
في الحديث والألفاظ وما أرسله بعضهم أو أوقفه وأسنده غيرهم وما كان من المرسل
اللاحق بالمسند وعدة رجال مالك الذين روى عنهم في هذا المسند خمسة وتسعون وعدة من روي
له فيه من رجال الصحابة خمسة وثمانون رجلا ومن نسائهم ثلاث وعشرون إمرأ ة ومن
التابعين ثماني وأربعون رجلا كلهم من أهل المدينة إلا ستة رجال : أبو الزبير من
أهل مكة وحميد الطويل وأيوب السختياني من أهل البصرة وعطاء بن عبد الله من أهل
خراسان وعبد الكريم من أهل الجزيرة وإبراهيم بن أبي عبلة من أهل الشام . هذا كله
كلام الغافقي
قلت : وقد وقفت على الموطأ من روايتين أخريين سوى ما
ذكره الغافقي أحدهما : رواية سويد بن سعيد والأخرى برواية محمد بن الحسن صاحب أبي
حنيفة وفيها أحاديث يسيرة زائدة على سائر الموطآت منها حديث " إنما الأعمال
بالنية " وبذلك تبين صحة قول ما عزا روايتة إلى الموطأ ووهم من خطأه في ذلك
وقد بنيت في " الشرح الكبير
" على هذه الروايات الأربعة عشر . انتهى كلام السيوطي
قال الزرقاني في مقدمة شرحه ( 1 / 6 ) بعد نقل قوله :
وفيها أحاديث يسيرة ... إلخ : مراده الرد على قول " فتح الباري " : هذا
الحديث متفق على صحته أخرجه الأئمة المشهورون إلا صاحب الموطأ ( في الأصل : "
إلا الموطأ " وهو خطأ ) ووهم من زعم أنه في الموطأ مغترا بتخريج الشيخين له
والنسائي بطريق مالك . انتهى . وقال في " منتهى الأعمال " : لم يهم فإنه وإن لم يكن
في الروايات الشهيرة فإنه في رواية محمد بن الحسن أورده في آخر " كتاب
النوارد " قبل آخر الكتاب بثلاث ورقات وتاريخ النسخة التي وقفت عليها مكتوبة
في صفر سنة أربع وخمسين وخمسمائة وفيها أحاديث يسيرة زائدة عن الروايات المشهورة
وهي خالية من عدة أحاديث ثابتة في سائر الروايات . وانتهى كلام الزرقاني
وفي " كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون " (
لمصطفى بن القسطنطيني عبد الله الشهير بملا كاتب الجلبي المتوفي سنة 1067 هجري . (
ش ) ) : قال أبو القاسم محمد بن حسين الشافعي ( كشف الظنون 2 / 1908 ) : الموطآت
المعروفة عن مالك إحدى عشر معناها متقارب والمستعمل منها أربعة : موطأ يحيى بن
يحيى وابن بكير وأبي مصعب الزهري وابن وهب ثم ضعف الإستعمال إلا في موطأ يحيى ثم
في موطأ ابن بكير . وفي تقديم الأبواب وتأخيرها اختلاف في النسخ وأكثر ما يوجد
فيها ترتيب الباجي وهو أن يعقب الصلاة بالجنائز ثم الزكاة ثم الصيام ثم اتفقت النسخ
إلى الحج ثم اختلفت بعد ذلك وقد روى أبو نعيم في " حلية الأولياء " عن مالك
أنه قال : شاورني هارون الرشيد في أن يعلق الموطأ على الكعبة ويحمل الناس على ما
فيه فقلت : لا تفعل فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم اختلفوا في الفروع
وتفرقوا في البلدان وكل مصيب فقال : وفقك الله يا أبا عبد الله . وروى ابن سعد في
" الطبقات " عن مالك أنه لما حج المنصور قال لي : عزمت على أن آمر بكتبك هذة التي وضعتها
فتنسخ ثم أبعث إلى كل مصر من أمصار المسلمين منها نسخة وآمرهم أن يعملوا بما فيها
ولا يتعدوا إلى غيرها فقلت لا تفعل هذا فإن الناس قد سبقت إليهم الأقاويل وسمعوا
أحاديث ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم ودانوا به فدع الناس وما اختار أهل
كل بلد منهم لأنفسهم . كذا في عقود الجمان . انتهى
الفائدة
الثامنة : [ عدد أحاديثه ]
- قال الأبهري أبو بكر : جملة ما في الموطأ من الآثار عن
النبي صلى الله عليه و سلم وعن الصحابة والتابعين ألف وسبعمائة وعشرون حديثا
المسند منها ستمائة حديث والمرسل مائتان واثنان وعشرون والموقوف ستمائة وثلاثة عشر
ومن قول التابعين مائتان وخمسة وثمانون . وقال ابن حزم في كتاب " مراتب
الديانة " أحصيت ما في موطأ مالك فوجدت من المسند خمسمائة ونيفا وفيه
ثلاث مائة ونيف مرسلا وفيه نيف وسبعون حديثا قد ترك مالك نفسه العمل بها وفيه
أحاديث ضعيفة وهاها جمهور العلماء . كذا أورده السيوطي ( تنوير الحوالك 1 / 8 )
قلت : مراده بالضعف الضعف اليسير كما يعلم مما قد مر
وليس فيه حديث ساقط ولا موضوع كما لا يخفى على الماهر
الفائدة
التاسعة : في ذكر من علق على موطأ الإمام مالك
- لا يخفى أنه لم يزل هذا الكتاب مطرحا لأنظار النبلاء
ومعركة لآراء الفضلاء فكم من شارح له ومحش وكم من ملخص له ومنتخب
- فمنهم أبو محمد عبد الله بن محمد بن السيد بكسر السين
البطليوسي المالكي نزيل بلنسية ذكره أبو نصر الفتح بن محمد بن عبد الله بن خاقان -
المتوفى سنه خمس وثلاثين وخمسمائة على ما في " روضة المناظر في أخبار الأوائل
والأواخر " لمحمد بن الشحنة الحلبي - في كتابه " قلائد العقيان " (
ص 221 ) . وبالغ في وصفه بعبارات رائقة كما هو دأبه في ذلك الكتاب وذكر له كثيرا من
النظم والنثر يدل على جودة طبعه وقوة بلاغته وقال السيوطي أحد شراح الموطأ -
وسيأتي ذكره - في " بغية الوعاة في طبقات النحاة " في ترجمته : كان عالما
باللغات والآداب متبحرا فيهما انتصب لإقراء علم النحو وله يد طولى في العلوم
القديمة وكان لابن الحجاج صاحب قرطبة ثلاثة من الأولاد من أجمل الناس صورة رحمون
وعزون وحسون فأولع بهم وقال فيهم
:
أخفيت سقمي حتى كاد يخفيني ... وهمت في حب عزون
فعـــزوني
ثم ارحموني برحمون فإن ظمئت ... نفسي إلى ريق حسون
فحسوني
ثم خاف على نفسه فخرج من قرطبة صنف : 1 - شرح أدب الكاتب
2 - شرح الموطأ 3 - شرح سقط الزند 4 - شرح ديوان المتنبي 5 - إصلاح الخلل الواقع
في الجمل 6 - الخلل في شرح أبيات الجمل 7 - المثلث 8 - المسائل المنثورة في النحو 9 - كتاب سبب اختلاف
الفقهاء ولد سنة أربع وأربعين وأربعمائة ومات في رجب سنة إحدى عشرة وخمسمائة . ومن
شعره :
أخو العلم حي خالد بعد موته ... وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ... يظن من الأحياء وهو
عديم
انتهى ملخصا
ونسبته إلى بطليوس : بفتح الباء الموحدة والطاء المهملة
وسكون اللام وضم الياء المثناة التحتية بعدها واو بعدها سين مهملة : مدينة
بالأندلس وهو بفتح الألف وسكون النون وفتح الدال المهملة وضم اللام آخره سين مهملة
إقليم بلاد المغرب مشتمل على بلاد كثيرة كذلك ذكره أبو سعد السمعاني ( هو أبو سعد
عبد الكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار المتوفي سنة 563 هجري ( ش ) )
في كتاب " الأنساب " ( 2 / 241 ، 242 ) والسيوطي في " لب اللباب في
تحرير الأنساب " ( 1 / 160 ) . وذكر السيوطي في مقدمة شرحه " تنوير
الحوالك " نقلا عن القاضي عياض أن اسم شرح البطليوسي " المقتبس " . وقال :
هو في حواشيه على تفسير البيضاوي المسماة بنواهد الأبكار وشواهد الأفكار في تفسير
سورة البقرة : قد رأيت في " تذكرة الإمام تاج الدين " مكتوبا بخطه : قال الإمام أبو
محمد عبد الله بن السيد البطليوسي في كتاب " المقتبس شرح موطأ مالك بن أنس
" : قد اختلف الناس في معنى قوله عليه الصلاة و السلام : " اشتكت النار
إلى ربها " فجعله قوم حقيقة وقالوا : إن الله قادر على أن ينطق كل شيء إذا
شاء وحملوا جميع ما ورد من نحوه في القرآن والحديث على ظاهره وهو الحق والصواب
وذهب قوم إلى أن هذا كله مجاز وما تقدم هو الحق من حمل الشيء على ظاهره حتى يقوم
دليل على خلافه هذا لفظه بحروفه مع أن البطليوسي المذكور كان من الأئمة المتبحرين
في المعقولات والعلوم الفلسفية والتدقيقات وهؤلاء هم الذين يقولون بالتأويل وإخراج
الأحاديث عن ظواهرها ويرون أن ذلك من التحقيق والتدقيق انتهى كلامه
- ومنهم : ابن رشيق القيرواني المالكي المتوفي سنة 456
هجري ذكره صاحب " كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون " وهو العلامة
البليغ الشاعر أبو علي حسن بن رشيق على وزن كريم صاحب " العمدة في صناعة
الشعر " و " الأنموذج في شعراء القيروان " و " والشذوذ في اللغة
" قال ياقوت : كان شاعرا نحويا لغويا أديبا حاذقا كثير التصنيف حسن التأليف
تأدب على محمد بن جعفر القيرواني النحوي ولد سنة تسعين وثلاث مائة ومات بالقيروان
سنة ست وخمسين وأربع مائة . كذا في بغية الوعاة ( 2 / 109 ) . وذكره أبو عبد الله
الذهبي في " سير النبلاء " ( 18 / 325 ) وقال علمه أبوه صناعة الشعر
فرحل إلى قيروان ومدح ملكها فلما أخذته العرب واستباحوه دخل إلى صقلية وسكن مازرا (
من مدن صقلية " معجم البلدان
" 5 / 40 ) إلى أن مات سنة ثلاث وستين وأربعمائة
ويقال : في ذي القعدة سنة ست وخمسين ( وقد صحح ابن خلكان القول الأول أما الثاني
فقد قاله ياقوت في " معجمه " 8 / 111 ، وذكر أنه مات بالقيروان وتابعه على ذلك
السيوطي في " بغية الوعاة " 2 / 109 ، وقال القفطي في " أنباه
الرواة " 1 / 303 ، مات بمأزر في حدود سنة خمسين وأربعمائة ) . انتهى
ونسبته إلى القيروان قال السمعاني ( 5 / 130 ) : بفتح
القاف وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحت وفتح الراء المهملة والواو في آخرها
النون بلدة في المغرب عند إفريقية
- ومنهم : أبو مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان
القرطبي نسبة إلى قرطبة : بضم القاف والطاء المهملة بينهما راء مهملة ساكنة مدينة
بالأندلس المالكي ( له ترجمة في : الديباج المذهب 154 ، ومرآة الجنان 2 / 122 ،
وطبقات السيوطي 237 )
قال السيوطي في " البغية " ( 2 / 109 ) ذكره
الزبيدي في الطبقة الثانية من نحاة اندلس وقال في " البلغة " : إمام في
النحو واللغة والفقه والحديث وقال ابن الفرضي : كان نحويا شاعرا حافظا للأخبار
والأنساب متصرفا في فنون العلم حافظا للفقه ولم يكن له في الحديث ملكة ولا يعرف صحيحه
من سقيمه صنف " الواضحة " و " إعراب القرآن " و " غريب
الحديث " و " تفسير الموطأ " و " طبقات الفقهاء " وغير ذلك
مات سنة ثمان وقيل سنة تسع وثلاثين ومائتين عن أربع وستين سنة . انتهى
- ومنهم : الحافظ ابن عبد البر قد طالعت شرحه "
الاستذكار " وهو نفيس جدا يستحسنه الأخيار مبسوط كاف مع اختصاره وبسيط واف
مغن عن غيره وقد بسط في ترجمته شيخ الإسلام الذهبي في " سير النبلاء " و "
تذكرة الحفاظ " وغيرهما وغيره في غيره ولم يزل من جاء بعده من المحدثين يقرون
بفضله ويستمدون من تصانيفه . قال في " سير النبلاء " ( سير أعلام النبلاء 18 / 153 ) :
الإمام العلامة حافظ المغرب شيخ الإسلام أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد
البر بن عاصم النمري الأندلسي القرطبي المالكي صاحب التصانيف الفائقة مولده سنة
ثمان وستين وثلاث مائة في الربيع الآخر وقيل : في جمادى الأولى وطلب العلم بعد سنة
390 هـ وأدرك الكبار وطال عمره وعلا سنده وتكاثر عليه الطلبة وجمع وصنف ووثق وضعف
وسارت بتصانيفه الركبان وخضع لعلمه علماء الزمان وكان فقيها عابدا متهجدا إماما
دينا ثقة متقنا علامة متبحرا صاحب سنة واتباع وكان أولا أثريا ظاهرا فيما قيل ثم
تحول مالكيا مع ميل بين إلى فقه الشافعي في مسائل ولا ينكر له ذلك فإنه ممن بلغ
رتبة الأئمة المجتهدين ومن نظر في مصنفاته بان له منزلته من سعة العلم وقوة الفهم
وسيلان الذهن . وقال الحميدي : فقيه حافظ مكثر عالم بالقراآت والخلاف وبعلوم
الحديث والرجال . وقال أبو علي الغساني
: لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل قاسم بن محمد وأحمد
بن خالد ولم يكن ابن عبد البر بدونهما وكان من النمر بن قاسط طلب وتقدم ولزم أبا
عمر أحمد بن عبد الملك الفقيه وأبا الوليد بن الفرضي ودأب في الحديث وبرع براعة
فاق بها من تقدم من رجال الأندلس وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني
له بسطة كثيرة في علم النسب والأخبار جلا عن وطنه فكان في المغرب مدة ثم تحول إلى
شرق الأندلس فسكن دانية وبلنسية وشاطبية ( كذا في الأصل : وفي " سير أعلام النبلاء "
: " شاطبية " قال ياقوت : هي مدينة في شرقي الأندلس وشرقي قرطبة وهي
مدينة كبيرة قديمة يجوز أن يقال إن اشتقاقها من الشطبة وهي السعفة الخضراء الرطبة
" ) وبها توفي ( انظر " الصلة " 2 / 678 ، و " وفيات الأعيان
" 7 / 66 - 66 ) . وقال أبو داود المقرئ : مات ليلة الجمعة سلخ الربيع الآخر
سنة ثلاث وستين وأربعمائة . قال أبو علي الغساني ألف أبو عمر في " الموطأ
" كتبا مفيدة منها : كتاب " التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد
" فرتبه على أسماء شيوخ مالك على حروف المعجم وهو كتاب لم يتقدمه أحد إلى
مثله وهو سبعون جزء . قلت : هي أجزاء ضخمة جدا قال ابن حزم : لا أعلم في الكلام
على فقه الحديث مثله فكيف أحسن منه . ثم صنع كتاب " الاستذكار لمذاهب علماء
الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والأثار " هو مختصر التمهيد شرح
فيه الموطأ على وجهه وجمع كتابا جليلا مفيدا وهو " الاستيعاب في أسماء
الصحابة " وله " كتاب جامع في بيان فضائل العلم وما ينبغي في حمله وروايته
" إلى غير ذلك وكان موفقا في التأليف معانا عليه ونفع الله بتواليفه . وله
كتاب " الكافي " في مذهب مالك خمسة عشر مجلدا ( قد طبع في جزأين باسم
" كتاب الكافي في فقه أهل المدينة المالكي " في مكتبة الرياض ) وكتاب
" الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو " وكتاب " التقصي في اختصار
الموطأ " وكتاب " الإنباه عن قبائل الرواة " وكتاب " الانتقاء لمذاهب
علماء مالك وأبي حنيفة والشافعي " وكتاب " البيان في تلاوة القرآن
" وكتاب " الكنى " وكتاب " المغازي " وكتاب " القصد
والأمم في نسب العرب والعجم " وكتاب " الشواهد في إثبات خبر الواحد
" وكتاب " الإنصاف في أسماء الله " وكتاب " الفرائض "
وكتاب " أشعار أبو العتاهية
" . انتهى ملتقطا
وذكره السمعاني في " الأنساب " ( 10 / 98 ) في
نسبة القرطبي وقال : هو بضم القاف وسكون الراء وضم الطاء المهملة في آخره الباء هذة
النسبة إلى قرطبة وهي بلدة كبيرة من بلاد المغرب بالأندلس وهي دار ملك السلطان .
انتهى
- ومنهم : أبو الوليد الباجي سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب
التجيبي ( نسبة إلى تجيب بالضم وكسر الجيم قبيلة من كندة قاله في " لب اللباب
" ( ش ) ) الأندلسي القرطبي الباجي الذهبي المالكي أصله من مدينة بطليوس
فتحول جده إلى باجة ( وهي من أقدم مدن الأندلس وتقع اليوم في البرتغال على بعد 140
كم إلى الجنوب الشرقي من لشبونة ) بليدة بقرب إشبيلية فنسب إليها وما هو من باجة
المدينة التي بإفريقية التي ينسب إليها الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي
الباجي وابنه أحمد . ولد أبو الوليد سنة ثلاث وأربعمائة وأخذ عن جماعة وارتحل سنة
ست وعشرين فحج ولو مد الرحلة إلى أصفهان والعراق لأدرك إسنادا عاليا ولكنه جاور
بمكة ثلاثة أعوام ملازما للحافظ أبي ذر الهروي فأكثر عنه ثم ارتحل إلى دمشق وأخذ
عن جماعة وتفقه بالقاضي أبي الطيب والقاضي أبي عبد الله الصيمري وذهب إلى الموصل
فأقام بها على القاضي جعفر السمناني المتكلم فبرز في الحديث والفقه والكلام
والأصول والأدب فرجع إلى الأندلس بعد ثلاث عشرة بعلم غزير حصله مع الفقر والتقنع اليسير
حدث عنه أبو عمر بن عبد البر وأبو بكر الخطيب وغيرهما وتفقه به أئمة واشتهر اسمه
وصنف كتاب " المنتقى " في الفقه وشرح الموطأ فجاء في عشرين مجلدا عديم
النظير وكتابا كبيرا سماه " الاستيفاء " وله كتاب " الإيماء " في الفقه
خمس مجلدات وكتاب " السراج " في الفقه ولم يتم وكتاب " اختلاف الموطآت
" وكتاب " الجرح والتعديل " وكتاب " التسديد إلى معرفة
التوحيد " وكتاب " الإشارة " في أصول الفقه وكتاب " أحكام
الفصول في إحكام الأصول " وكتاب " الحدود " وكتاب " سنن الصالحين وسنن
العابدين " وكتاب " سبل المهتدين " وكتاب " فرق الفقهاء
" وكتاب " سنن المنهاج وترتيب الحجاج " وغير ذلك . وقد ولي قضاء الأندلس
وهنئت الدنيا به وعظم جاهه وكان يستعمله الأعيان في ترسيلهم ويقبل جوائزهم وحصل له
مال وافر إلى أن توفي في المرية تاسع عشر رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة وقال
الإمام أبو نصر : أما الباجي ذو الوزارتين فقيه متكلم أديب شاعر درس الكلام وصنف وكان
جليل القدر رفيع الخطر . هذا خلاصة ما في " سير النبلاء " ومن شاء
الاطلاع على أزيد منه فليرجع إليه ( سير أعلام النبلاء 18 / 535 )
- ومنهم : القاضي أبو بكر بن العربي المالكي ( له ترجمة
في سير أعلام النبلاء 20 / 197 ) سمى شرحه " القبس في شرح موطأ مالك بن أنس
" . قال إبن خلكان ( المتوفي سنة 681 هجري على مافي كشف الظنون وترجمته مع
وجه شهرته بابن خلكان مبسوطة في تعليقاتي على " الفوائد البهية في تراجم
الحنفية " المسماة بالتعليقات السنية . ( ش ) ) أبو العباس أحمد في تاريخه المسمى
بـ " وفيات الأعيان في أنباء أبناء الزمان " مترجما له : أبو بكر محمد
بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن العربي المعافري الأندلسي الإشبيلي الحافظ
المشهور ذكره ابن بشكوال في كتاب الصلة ( 2 / 591 ) فقال : هو الحافظ المتبحر ختام
علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها لقيته بمدينة إشبيلية ضحوة يوم الاثنين لليلتين
خلتا من جمادى الآخرة سنة ست عشرة وخمسمائة فأخبرني أنه رحل مع أبيه إلى المشرق
يوم الأحد مستهل الربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة وأنه دخل الشام ولقي بها
أبا بكر محمد بن الوليد الطرطوشي وتفقه عنده ودخل بغداد وسمع بها جماعة من أعيان
مشايخها ثم دخل الحجاز فحج في موسم سنة 489 هـ ثم عاد إلى بغداد وصحب بها أبا بكر
الشاشي وأبا حامد الغزالي ولقي بمصر والإسكندرية جماعة من المحدثين فكتب عنهم ثم
عاد إلى الأندلس سنة 493 هـ وقدم إلى إشبيليا بعلم كثير لم يدخل أحد قبله بمثله
ممن كانت له رحلة بالمشرق وكان من أهل التفنن في العلوم والجمع لها مقدما في
المعارف متكلما في أنواعها ثاقب الذهن في تمييز الصواب منها ويجمع إلى ذلك كله
آداب الأخلاق مع حسن المعاشرة ولين الكنف واستقضي ببلده فنفع الله به أهله ثم صرف
عن القضاء وأقبل على نشر العلم وبثه وسألته عن مولده فقال : ليلة الخميس لثمان
بقين من شعبان سنة ثمان وستين وأربعمائة وتوفي بالعدوة ودفن بمدينة فاس في الربيع
الآخر سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة . انتهى كلام ابن بشكوال قلت أنا : وهذا الحافظ
له مصنفات منها " عارضة الأحوذي في شرح جامع الترمذي " ( طبع بمصر في (
13 ) مجلدا
سنة 1931 م وطبع في الهند سنة 1299 هـ ضمن مجموعة فيها أربعة شروح على جامع "
الترمذي " . انظر " معجم المطبوعات " ( 1977 ) وغيره والعارضة : القدرة على
الكلام والأحوذي : الخفيف في الشيء لحذقه . انتهى كلام ابن خلكان بتلخيصه ( وفيات
الأعيان 4 / 296 ، 297 ) . ونسبته إلى إشبيلية بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة
وكسر الباء الموحدة بلدة من أمهات بلاد الأندلس . والمعافري : نسبة إلى معافر بفتح الأول
وكسر الرابع بطن من قحطان . كذا في " الأنساب " . ( 2 / 19 ، 20 )
فائدة : رأيت في بعض شروح " مناسك النووي " أن
ابن عربي اشتهر به اثنان : أحدهما : القاضي أبو بكر هذا وثانيهما : صاحب الولاية
العظمى والرواية الكبرى محيي الدين بن عربي مؤلف " الفتوحات المكية " و "
فصوص الحكم " وغيرهما من التصانيف الجليلة ويفرق بينهما بأنه يقال للقاضي ابن
العربي بالألف واللام وللشيخ الأكبر ابن عربي بغيره ( مقدمة أوجز المسالك 1 / 48 )
- ومنهم : الخطابي مؤلف " معالم السنن " شرح
سنن أبي داود وغيره ذكره صاحب كشف الظنون ممن انتخب الموطأ ولخصه وهو بفتح الخاء
المعجمة وتشديد الطاء المهملة نسبة إلى الجد فإنه حمد بن محمد بن إبراهيم البستي
بالضم نسبة إلى بست بلدة من بلاد كابل بين هراة وغزنة أبو سليمان الخطابي الشافعي
وهو إمام فاضل كبير الشأن جليل القدر له " شرح صحيح البخاري " و "
شرح سنن أبي داود " وكتاب " غريب الحديث " وغيرها سمع أبا سعيد بن الأعرابي
بمكة وأبا بكر بن داسة بالبصرة وإسمعيل بن محمد الصفار ببغداد وغيرهم وروى عنه
الحاكم أبو عبد الله الحافظ وأبو الحسين عبد الغافر الفارسي وجماعة كثيرة وذكره
الحاكم أبو في " تاريخ نيسابور " وتوفي سنة ثمان وثمانين وثلاث مائة .
كذا في " أنساب " السمعاني
( 5 / 175 ، 159 . وله ترجمة في
وفيات الأعيان 2 / 214 ، ومعجم المؤلفين 1 / 450 )
وفي " تاريخ ابن خلكان " ( 2 / 214 ) : كان
فقيها محدثا أديبا له التصانيف المفيدة منها : " غريب الحديث " ( طبع
الكتاب في جامعة أم القرى - مكة - سنة 1402 هـ بتحقيق عبد الكريم إبراهيم العزباوي
) و " معالم السنن في شرح سنن أبي داود " ( طبع الكتاب في حلب 1920 -
1934 ، وطبع في القاهرة بتحقيق أحمد محمد شاكر وحامد الفقي ) و " أعلام السنن
في شرح صحيح البخاري " وكتاب " الشجاج " ( وقع في وفيات الأعيان 2
/ 214 ، ( الشحاح ) بالحاء المهملة في الحرفين ) وكتاب " شأن الدعاء " (
طبع الكتاب في دار المأمون للتراث دمشق سنة 1404 هـ 1984 م ) وكتاب " إصلاح
غلط المحدثين " ( طبع الكتاب في دمشق بتحقيق الدكتور محمد علي عبد الكريم
الرديني سنة 1987 م ) وغير ذلك وكانت وفاته في الربيع الأول سنة 388 هـ بمدينة بست
والخطابي نسبة إلى جده وقيل : إنه من ذرية عمر بن الخطاب وقد سمع في اسمه أحمد
أيضا بالهمزة والصحيح الأول قال الحاكم : سألت أبا القاسم المظفر بن طاهر بن محمد
البستي الفقيه عن اسم أبي سليمان أحمد أو حمد فقال : قال : اسمي الذي سمـت به حمد
ولكن الناس كتبوا أحمد فتركته عليه . انتهى ملخصا
وقد ذكر السيوطي في " تنوير الحوالك " نقلا عن
القاضي عياض جمعا كثيرا ممن اعتنى بالموطأ شرحا أو تلخيصا أو غير ذلك ممن ذكرناه
ومن لم نذكره حيث قال : قال القاضي عياض في " المدارك " : لم يعتن بكتاب
من كتب الحديث والعلم اعتناء الناس بالموطأ فممن شرحه ابن عبد البر في "
التمهيد " و " الاستذكار " وأبو الوليد بن الصفار وسماه "
الموعب " والقاضي محمد بن سليمان بن خليفة وأبو بكر بن سابق الصقلي وسماه
" المسالك " وابن أبي صفرة والقاضي أبو عبد الله بن الحاج وأبو الوليد
بن الفؤاد وأبو محمد السيد البطليوسي النحوي وسماه " المقتبس " وأبو القاسم بن
أمجد الكاتب وأبو الحسن الإشبيلي وابن شراحيل وابن عمر الطلمنكي والقاضي أبو بكر
بن العربي وسماه " القبس " وعاصم النحوي ويحيى بن مزين وسماه "
المستقصية " ومحمد بن أبي زمنين وسماه " المقرب " وأبو الوليد الباجي وله ثلاثة
شروح : " المنتقى " و " الإيماء " و الاستيفاء " وممن
ألف في شرح غريبه : البرقي وأحمد بن عمران الأخفش وأبو القاسم العثماني المصري
وممن ألف في رجاله : القاضي أبو عبد الله بن الحذاء وأبو عبد الله بن مفرح والبرقي
وأبو عمر الطلمنكي وألف " مسند الموطأ " قاسم بن أصبغ وأبو القاسم
الجوهري وأبو الحسن القابسي في كتابه " الملخص " وأبو ذر الهروي وأبو الحسن علي
بن حبيب السجلماسي والمطرز وأحمد بن بهزاد الفارسي والقاضي ابن مفرج وابن الأعرابي
وأبو بكر أحمد بن سعيد بن فرضخ الأخميمي وألف القاضي إسماعيل " شواهد الموطأ
" وألف أبو الحسن الدارقطني كتاب " اختلاف الموطآت " وكذا القاضي
أبو الوليد الباجي وألف " مسند الموطأ " رواية القعنبي : أبو عمرو
الطليطلي وإبراهيم بن نصر السرقسطي ولابن جوصا " جمع الموطأ " من رواية ابن
وهب وابن القاسم ولأبي الحسن بن أبي طالب كتاب " موطأ الموطأ " ولأبي
بكر بن ثابت الخطيب كتاب " أطراف الموطأ " ولابن عبد البر " التقصي في
مسند حديث الموطأ ومرسله " ولأبي عبد الله بن عيشون الطليطلي " توجيه
الموطأ " ولحازم بن محمد بن حازم " السافر عن آثار الموطأ " ولأبي
محمد بن يربوع كتاب في الكلام على أسانيده سماه " تاج الحلية وسراج البغبة
" . انتهى كلام القاضي ( 2 / 80 ) والسيوطي ( ص 12 )
وذكر صاحب " كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون
" من شراح الموطأ زين الدين عمر بن الشماع الحلي . ولإبراهيم بن محمد الأسلمي
المتوفى سنة 784 هـ موطأ أضعاف موطأ مالك ولخص موطأ مالك أبو الحسن علي بن محمد بن
خلف القابسي وهو المشهور بملخص الموطأ مشتمل على خمسمائة وعشرين حديثا متصل الإسناد
واقتصر على رواية عبد الرحمن بن القاسم المصري من رواية أبي سعيد سحنون بن سعيد
عنه . انتهى ملخصا
ومن المعتنين بالموطأ الجلال السيوطي الشافعي فإنه أفرد
لرجاله كتابا سماه " إسعاف المبطأ برجال الموطأ " وقد طالعته واستفدت
منه وصنف شرحا كبيرا سماه " كشف المغطا " وشرحا آخر مختصرا منه سماه
" تنوير الحوالك " وقد طالعته قال فيه : هذا تعليق لطيف على موطأ الإمام
مالك على نمط ما علقته على صحيح البخاري المسمى " بالتوشيح " وما علقته
على صحيح مسلم المسمى بالديباج وأوسع منهما قليلا لخصته من شرحي الأكبر الذي جمع
فأوعى وعمد إلى الجفلى حين دعا وقد سميت هذا التعليق " تنوير الحوالك على موطأ مالك
" . انتهى
وهو خاتمة الحفاظ عبد الرحمن جلال الدين السيوطي ( انظر
: حسن المحاضرة 1 / 335 - 344 . وله ترجمة في : شذرات الذهب 8 / 51 - 55 ، البدر
الطالع 1 / 328 - 335 ، معجم المؤلفين 5 / 128 ) بضم الأولين وقد يقال :
الأسيوطي بضم الهمزة وسكون السين المهملة نسبة إلى بلدة أسيوط من البلاد المصرية
ابن كمال الدين أبي بكر بن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان بن ناظر الدين محمج
بن يوسف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد ابن الشيخ
همام الدين الهمام الخضيري كذا ساق نسبة هو في كتابه " حسن المحاضرة في أخبار
مصر والقاهرة " وترجم لنفسه ترجمة طويلة وذكر فيها ( قد ذكر بعض الفضلاء
المعاصرين في رسالته " الجنة بالأسوة الحسنة بالسنة " وغيره أنه من
تلامذة ابن حجر العسقلاني وتعقبته في منهيات " النافع الكبير " أن وفاة
ابن حجر سنة 852 هـ وولادة السيوطي سنة 849 هـ فأنى يصح له التلمذة ؟ ثم أصر على
ما كتبه في رسالة أظنها " هدية السائل إلى أجوبة المسائل " وكتب في
منهيته : هكذا ذكره الشوكاني فقط . وهو أمر ليس بدافع للتعقب فإن التواريخ تكذب
الشوكاني ثم ذكر في رسالة أخرى نحوه وكتب في منهيته عبارة لعلي القاري في "
المرقاة شرح المشكاة " دالة على أن السيوطي روى عن الحافظ وهو أيضا لم يشف
العليل فإن مثل هذا الإيراد وارد عليه أيضا ولو اكتفى على النقل عن الشوكاني أو
القاري أولا لسلم من الإيراد فإن الناقل من حيث إنه ناقل لا يرد عليه شيء والقول الفيصل
أن السيوطي ليس له تلامذة ولا إجازة خاصة من الحافظ بل لم يكن له قابلية لذلك عند
وفاة الحافظ لكنه أحضره والده مرة مجلس الحافظ وهو ابن ثلاث سنين كما ذكره في
" النور السافر " ولعل الحافظ في ذلك المجلس أجاز إجازة عامة لمن فيه
فدخل السيوطي فيها ويشهد لما ذكرنا أن السيوطي ترجم نفسه في " حسن المحاضرة
" وذكر أساتذته ومراتبه ولم يذكر تلمذة من الحافظ مع أنه فخر عظيم أي فخر ( ش
) ) أن ولادته كانت ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمان مائة وحفظ القرآن
وله دون ثمان سنين وشرع في الاشتغال بالعلم من سنة 864 هـ فأخذ الفقه والنحو عن
جماعة من الشيوخ والفرائض عن فرضي زمانه شهاب الدين الشارمساحي ولازم في الفقه شيخ
الإسلام علم الدين البلقيني إلى أن مات ثم لازم ولده وبعد وفاته سنة 878 هـ لازم
شرف الدين المناوي ولزم في الحديث والعربية التقي الشمني الحنفي شارح " مختصر
الوقاية " وأخذ عن محيي الدين الكافيجي الحنفي جميعا من الفنون ولازمه
أربع عشرة سنة وذكر أن له إلى الآن ثلاث مائة تأليف سوى ما غسلت عنه ورجعت عنه ثم
ذكر تصانيفه في التفسير كالإتقان والدر المنثور وحاشية تفسير البيضاوي وغيرها . وفي الحديث
تعليقات الصحاح الستة وغيرها وفي الفقه كثيرا من الرسائل المشتتة في المسائل
المتفرقة وفي فن العربية والتاريخ والأدب وجملة ما ذكرها فيه : في التفسير خمسة
وعشرون تأليفا وفي الحديث ومتعلقاته تسع وثمانون وفي الفقه ومتعلقاته أربع وستون
وفي فن العربية ومتعلقاته اثنان وثلاثون وفي الأصول والبيان والتصوف اثنان أو ثلاث
وعشرون وفي الأدب والتاريخ سبع وأربعون تصنيفا . وقد طالعت كثيرا من هذه التصانيف
وغيرها وكلها مشتملة على فوائد لطيفة وفرائد شريفة وله تصانيف كثيرة لم يذكرها ههنا
حتى إنه ذكر بنفسه في بعض رسائله أن مصنفاته بلغت خمسمائة . وتآليفه كلها تشهد
بتبحره وسعة نظره ودقة فكره وأنه حقيق بأن يعد من مجددي الملة المحمدية في بدء
المائة العاشرة وآخر التاسعة كما ادعاه بنفسه في " شرح سنن أبي داود "
وغيره وشهد بكونه حقيقا به من جاء بعده كعلي القاري المكي في " المرقاة شرح المشكاة "
وغيره
وقال عبد القادر العيدروس ( هو ابن عبد الله بن عبد الله
أبو بكر اليمني الحضرموتي الهندي المتوفى بأحمد آباد سنة 1130 هـ ) في " النور السافر في
أخبار القرن العاشر " ( ص 51 - 54 . انظر ترجمته في : الضوء اللامع 4 / 65 -
70 ، شذرات الذهب 8 / 51 - 55 ، البدر الطالع 1 / 328 - 335 ، حسن المحاضرة 1 / 188
- 195 ) : في يوم الجمعة سنة إحدى عشرة أي بعد تسعمائة وقت العصر تاسع الجمادى
الأولى توفي الشيخ العلامة الحافظ أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن كمال الدين
أبي بكر بن عثمان السيوطي الشافعي ودفن بشرقي باب القرافة مرض ثلاثة أيام وجد بخطه
أنه سمع ممن يوثق به أن والده كان يذكر أن جده الأعلى كان عجميا أو من المشرق وأمه
أم ولد تركية وكان يلقب بابن الكتب لأن أباه كان من أهل العلم واحتاج إلى مطالعة
كتاب فأمر امرأته أن تأتي به من بين كتبه فذهبت لتأتي به فأجاءها المخاض وهي بين
الكتب فوضعته ثم سماه والده بعبد الرحمن ولقبه جلال الدين وكناه شيخه قاضي القضاة
عز الدين أحمد بن إبراهيم الكناني لما عرض عليه وقال له : ما كنيتك ؟ فقال : لا
كنية لي فقال : أبو الفضل وتوفي والده ليلة الاثنين خامس صفر من سنة 865 هـ وجعل
الشيخ كمال الدين بن الهمام وصيا عليه فلحظه بنظره . وأحضره والده وعمره ثلاث سنين
مجلس شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر وحضر هو وهو صغير مجلس المحدث زين الدين رضوان
العقبي ثم اشتغل بالعلم على عدة مشايخ وحج سنة 869 هـ ووصلت مصنفاته نحو ستمائة
سوى ما رجع عنه وغسله وولي المشيخة في مواضع متعددة من القاهرة ثم إنه زهد في جميع
ذلك وانقطع إلى الله بالروضة وكانت له كرامات وكان بينه وبين السخاوي منافرة كما
يكون بين الأكابر . انتهى كلامه
وقد ترجمه شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المصري
تلميذ الحافظ ابن حجر في كتاب " الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع " (
4 / 65 - 70 ) بترجمة طويلة مشتملة على حط مرتبته ونقص رتبته ولن يقبل كلامه وكذا
كلام تلميذه أحمد القسطلاني صاحب
" المواهب اللدنية " و " إرشاد الساري
شرح صحيح البخاري " وغيرهما فيه كما لا يقبل كلامه على السخاوي في مقامته
المسماة بـ " الكاوي على السخاوي " لما علم من المنافرة بينهم ولا يسمع
كلام الأقران بعضهم في بعضهم
ومن المعتنين به الزرقاني ( انظر ترجمته في : هدية
العارفين 2 / 311 ، سلك الدرر 4 / 32 - 33 ، فهرس الفهارس 1 / 342 - 343 ) المالكي
محمد بن عبد الباقي بن يوسف تلميذ أبي الضياء علي الشبراملسي بشين معجمة فموحدة
فراء مهملة على وزن سكرى مضافا إلى ملس بفتح الميم وكسر اللام المشددة والسين المهملة
نسبة إلى شبراملس قرية بمصر المتوفي سنة سبع وثمانين بعد الألف . وشرحه للموطأ
شرح نفيس مشتمل على ما لا بد منه ذكر في أوائله أنه ابتدأه سنة تسع بعد مائة وألف
وقال في آخره ( شرح الزرقاني على الموطأ : 4 / 436 ) : وقد
أنعم الله الجواد الكريم الرؤوف الرحيم بتمام هذا الشرح المبارك على الموطأ لجامعه
العبد الفقير الحقير محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد شهاب الدين بن محمد
الزرقاني المالكي ووافق الفراغ من تسويده وقت أذان العصر يوم الاثنين حادي عشر ذي
الحجة سنة ثنتي عشرة بعد مائة وألف
... إلخ . وله شرح نفيس على " المواهب اللدنية "
وكانت وفاته على ما في كشف الظنون في السنة الثانية
والعشرين بعد ألف ومائة
- ومنهم : الشيخ سلام الله الحنفي من أولاد الشيخ عبد
الحق المحدث الدهلوي له شرح على الموطأ برواية يحيى سماه " المحلى بأسرار
الموطا " ( فرغ من تأليفه في سنة 1215 هـ لم يطبع بعد ونصفه الأخير موجود في
مكتبة المدرسة العلية مظاهر علوم في سهارنفور - الهند . توفي - رحمه الله - سنة
1229 هـ على الراجح وقيل سنة 1223 هـ . مقدمة أوجز المسالك 1 / 51 ) وله شرح شمائل
الترمذي وغير ذلك
- ومنهم : الشيخ ولي الله المحدث الحنفي الدهلوي ( انظر ترجمته في
الجزء اللطيف وأنفاس العارفين والإمام الدهلوي تأليف سماحة الشيخ الندوي . طبع دار
القلم - الكويت - سنة 1985 م ) قطب الدين أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين الشهيد
بن معظم بن منصور بن أحمد وتنتهي سلسلة نسبه إلى عمر الفاروق رضي الله عنه . ولد
رحمه الله كما ذكر في بعض رسائله يوم الأربعاء رابع شوال من سنة أربع عشرة بعد ألف
ومائة وختم حفظ القرآن وسنه سبع سنين واشتغل بتحصيل العلوم على حضرة والده وكان من
تلامذة السيد الزاهد الهروي ولأجله صنف السيد الزاهد حواشيه المشهورة على "
شرح المواقف " وفرغ من جميع الفنون الرسمية حين كان عمره خمس عشرة سنة وتوفي
والده حين كان عمره سبع عشرة سنة فجلس مجلسه في التدريس والإفادة وراح إلى الحرمين
الشريفين سنة ثلاث وأربعين وأخذ عن جمع من المشائخ منهم : الشيخ أبو طاهر المدني
وعاد إلى الوطن سنة خمس وأربعين وكانت وفاته سنة ست وسبعين بعد مائة وألف وقيل
أربع وسبعين وله تصانيف كثيرة كلها تدل على أنه كان من أجلة النبلاء وكبار العلماء
موفقا من الحق سبحانه بالرشد والإنصاف متجنبا التعصب والاعتساف ماهرا في العلوم
الدينية متبحرا في المباحث الحديثية منها : 1 - " إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء
" كتاب عديم النظير في بابه 2 - و " حجة الله البالغة " 3 - و
" قرة العينين في تفضيل الشيخين " 4 - و " الفوز الكبير في أصول
التفسير " 5 - و " عقد الجيد في أحكام التقليد " 6 - و " الإنصاف في
بيان سبب الاختلاف " 7 - و " البدور البازغة " في الكلام 8 - و " سرور
المحزون " 9 - و " فتح الرحمن ترجمة القرآن " 10 - و " فتح
الخبير " 11 - و " فيوض الحرمين " 12 - و " إنسان العين في
مشائخ الحرمين " 13 - و
" الانتباه في سلاسل أولياء الله " 14 - و
" الدر الثمين في مبشرات النبي الأمين " 15 - و " النوادر من
أحاديث سيد الأوائل والأواخر " 16 - و " القول الجميل " 17 - و
" الهمعات " 18 - و " التفهيمات الإلهية " 19 - و " ألطاف
القدس " 20 - و " المقالة الوضيئة في النصيحة " 21 - و "
تأويل الأحاديث " 22 - و " اللمعات " 23 - و " السطعات "
24 - و " المقدمة السنية في انتصار الفرقة السنية " 25 - و " أنفاس
العارفين " 26 - و " شفاء القلوب " 27 - و " الخير الكثير
" 28 - و " الزهراوين " . . وغير ذلك . وقد شرح الموطأ برواية يحيى
شرحين : 29 - أحدهما باللسان الفارسية سماه " المصفى " جرد فيه الأحاديث
والآثار وحذف أقوال مالك وبعض بلاغاته وتكلم فيه ككلام المجتهدين 30 - وثانيهما
بالعربية وسماه بـ " المسوى " اكتفى فيه على ذكر اختلاف المذاهب وعلى
قدر من شرح الغريب وغيره مما لابد منه كذا قاله ابنه الشيخ عبد العزيز الدهلوي
صاحب التصانيف الشهيرة والفتاوى المشهورة كتفسير فتح العزيز والتحفة الاثنا عشرية
في الرد على الشيعة وغير ذلك المتوفى على ما قيل سنة تسع وثلاثين بعد الألف
والمائتين
وكانت ولادته في سنة تسع وخمسين بعد مائة وألف في كتابه
" بستان المحدثين "
- ومنهم العلامة إبراهيم الشهير ببيرى زاده الحنفي شرح
الموطأ برواية محمد شرحا حسنا قال الفاضل محمد بن فضل الله المحبي الدمشقي في
كتابه " خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر " ( خاصة الأثر 2 / 219
- 220 ، هدية العارفين 1 / 34 ، معجم المؤلفين 221 ) : الشيخ إبراهيم بن حسين بن
أحمد بن محمد بن أحمد بن بيرى مفتي مكة أحد أكابر الفقهاء الحنفية وعلمائهم المشهورين
ومن تبحر في العلم وتحرى في نقل الأحكام وحرر المسائل وانفرد في الحرمين بعلم
الفتوى وجدد من مآثر العلم مادثر له الهمة العلية في الانهماك على مطالعة الكتب
سارت بذكره الركبان بحيث إن علماء كل إقليم يشيرون إلى جلالته أخذ عن عمه العلامة
محمد بن بيرى وعبد الرحمن المرشدي وغيرهما وأخذ الحديث عن ابن علان وأجازه كثير من
المشائخ وله مؤلفات ورسائل تنيف على السبعين منها حاشية على الأشباه والنظائر سماه
" عمدة ذوي البصائر " وشرح الموطأ رواية محمد بن الحسن ( في مقدمة أوجز
المسالك ( 1 / 53 ) قلت : وقد رأيت هذا الشرح الوجيز في البلدة الطاهرة الطيبة سمي
بالفتح الرحماني أكثر فيه الأخذ عن العلامة العيني وقد أخذت منه في بعض المواضع
وهو موجود في المكتبة المحمودية بالبلدة الطاهرة بخط المؤلف ) في مجلدين وشرح
تصحيح القدوري للشيخ قاسم وشرح " المنسك الصغير " لملا علي القاري رحمه
الله ورسالة في جواز العمرة في أشهر الحج وشرح منظومة ابن الشحنة في العقائد والسيف
المسلول في دفع الصدقة لآل الرسول ورسالة في المنسك والزيارة وأخرى في جمرة العقبة
وأخرى في الإشارة في التشهد ورسالة في بيض الصيد إذا أدخل الحرم ورسالة جليلة في
عدم جواز التلفيق رد فيها على عصرية مكي بن فروخ وغير ذلك وكانت ولادته في المدينة
المنورة في نيف وعشرين وألف وتوفي يوم الأحد سادس عشر شوال سنة تسع وتسعين وألف
ودفن بمعلاة قرب السيدة خديجة وكان قلقا من الموت فرأى النبي صلى الله عليه و سلم
في المنام يقول له : يا إبراهيم مت فإن لك بي أسوة حسنة فقال : يارسول الله على
شرط أن يكتب لي ثواب الحج في كل سنة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : لك ذلك
. انتهى ملخصا
- ومنهم : صاحب العلم الباهر والفضل الظاهر الشيخ علي
القاري الهروي ثم المكي ( خلاصة الأثر 3 / 186 ، سمط النجوم 4 / 394 ، البضاعة المزجاة
لمن يريد مطالعة المرقاة شرح المشكاة وأفراده الأستاذ خليل إبراهيم قوتلاي بتأليف
كتاب " الإمام علي القاري وأثره في علم الحديث " طبع في دار البشائر -
بيروت - سنة 1987 م ) له شرح على موطأ محمد في مجلدين مشتمل على نفائس لطيفة
وغرائب شريفة إلا أن فيه في تنقيد الرجال مسامحات كثيرة كما ستطلع عليها إن شاء
الله تعالى في مواضعها وله تصانيف كثيرة فمنها ما طالعته : 1 - " شرح المشكاة
المسمى بالمرقاة " 2 - و " شرح الشمائل المسمى بجمع الوسائل " 3 -
و " شرح الشفاء " 4 - و " شرح شرح نخبة الفكر " 5 - و " شرح الحصن
الحصين " المسمى بالحرز الثمين 6 - و " شرح الشاطبية " في القراءة
7 - و " سند الأنام شرح مسند الإمام الأعظم الهمام " 8 - و " شرح مختصر
الوقاية " في الفقه 9 - و " الأثمار الجنية في طبقات الحنفية " 10
- و " رسالة في الاقتداء بالمخالف " مسماة بالاهتداء 11 - و " رسالة
في الرد على إمام الحرمين وصلاة القفال المسماة بتشييع الفقهاء الحنفية بتشنيع السفهاء
الشافعية " 12 - و " رسالة في نصب أول في حديث البخاري أن النبي صلى
الله عليه و سلم كان أول ما قدم المدينة نزل على أجداده " 13 - ورسالة مسماة
بـ " إعراب القاري على أول باب البخاري " 14 - و " المشرب الوردي
في مذهب المهدي " 15 - و " المقالة العذبة في العمامة والعذبة " 16
- و " الإنباء بأن العصا من سنن الأنبياء " 17 - و " رفع الجناح في
أربعين حديثا في النكاح " 18 - ورسالة في البسملة أول براءة 19 - ورسالة في
حب الهرة من الإيمان 20 - ورسالة في الإشارة في التشهد مسماة بـ " تزيين
العبارة لتحسين الإشارة " 21 - وأخرى فيه مسماة بـ " التدهين للتزيين
" 22 - و " الحظ الأوفر في الحج الأكبر " 23 - و " التجريد في
إعراب كلمة التوحيد " 24 - و
" أربعون حديثا في القرآن " 25 - و "
أربعون في جوامع الكلم " 26 - و
" فرائد القلائد البهية تخريج أحاديث شرح العقائد
النسفية " 27 - و " تذكرة الموضوعات " 28 - ورسالة مختصرة في
الموضوع مسسماة بالمصنوع 29 - و " تبعيد العلماء عن تقريب الأمراء " 30
- وشم العوارض في ذم الروافض 31 - و
" المورد الروي في المولد النبوي " 32 - و
" الدرر المضيئة في الزيارة المصطفية " 33 - و " المقدمة السالمة
في خوف الخاتمة " 34 - و " فعل الخير إذا دخل مكة من حج عن الغير "
35 - و " تحقيق الاحتساب في الانتساب " 36 - و " النافعة للنساك في الاستياك
" 37 - والمعدن العدني في فضل أويس القرني " 38 - و " الاعتناء بالفناء
" 39 - و " كشف الخدر ( في الأصل : " الحذر " وهو تحريف ) عن أمر الخضر "
40 - و " فر العون من مدعي إيمان فرعون " 41 - ورسالة في النية 42 - ورسالة في وحدة
الوجود 43 - وأخرى في تكفير الحج الذنوب 44 - وأخرى في ليلة البراءة وليلة القدر
45 - و " شرح المنسك المتوسط لملا رحمة الله السندي المسمى بالمسلك المتقسط
" 46 - وشرح الفقه الأكبر 47 - وله شرح ثلاثيات البخاري 48 - وشرح المقدمة
الجزرية 49 - و " الناموس ملخص القاموس " 50 - و " نزهة الخاطر في
ترجمة الشيخ عبد القادر "
51 - ورسالة في إبطال إرسال اليدين في الصلاة وغير ذلك .
وتصانيفه كلها جامعة مفيدة حاوية على فوائد لطيفة ولولا ما في بعضها من رائحة
التعصب المذهبي لكان أجود وأجود
قال في " خلاصة الأثر " ( 3 / 186 ) مترجما له
: علي بن محمد سلطان الهروي المعروف بالقاري الحنفي نزيل مكة وأحد صدور العلم فرد
عصره الباهر السمت في التحقيق و تنقيح العبارات وشهرته كافية عن الإطراء في وصفه
ولد بهراة ورحل إلى مكة وأخذ بها عن الأستاذ أبي الحسن البكري والسيد زكريا
الحسيني والشهاب أحمد بن حجر المكي الهيثمي والشيخ أحمد المصري تلميذ القاضي زكريا
والشيخ عبد الله السندي والعلامة قطب الدين المكي وغيرهم واشتهر ذكره وطار صيته
وألف التآليف الكثيرة اللطيفة وكانت وفاته بمكة في شوال سنة أربع عشرة وألف ودفن
بالمعلاة ولما بلغ خبر وفاته علماء مصر صلوا عليه بجامع الأزهر صلاة الغيبة في
مجمع حافل يجمع أربعة آلاف نسمة فأكثر . انتهى ملخصا
ترجمة الشارح
ترجمة العبد الضعيف جامع هذه الأوراق أوردها ليكون مذكرا
ومعرفا عن أحوالي لمن غاب عني أو يأتي بعدي فيذكرني بدعاء حسن الخاتمة وخير الدنيا
والآخرة وقد ذكرت نبذا منها في مقدمة " الجامع الصغير " للإمام محمد في
الفقه الحنفي المسماة " النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير " بعد ما
ذكرت تراجم شراحه ليحشرني ربي معهم ويجعلني معهم ولست منهم والبسط فيها مفوض إلى
كتاب تراجم علماء الهند الذي أنا مشتغل بجمعه وتأليفه وفقني الله لختمه ونذكر قدرا
منها ههنا من غير اختصار مخل ولا تطويل ممل رجاء أن يحشرني ربي في زمرة الشراح
السابقين ويجعلني في الدنيا والآخرة في عداد المحدثين ويناديني معهم يوم يدعو كل أناس
بإمامهم فأقول : أنا الراجي عفو ربه القوي كنيتي أبو الحسنات كناني به والدي بعد
بلوغي واسمي عبد الحي سماني به والدي في اليوم السابع من ولادتي وحين سماني به قال
له بعض الظرفاء : حذفتم من اسمكم حرف النفي ( يعني : حرف لم ) فصار هذا فألا حسنا لأن يطول
عمري ويحسن عملي أرجو من الله تعالى أن يصدق هذا الفأل ويرزقني ببركة اسمه المضاف
إليه حياة طويلة مع حسن الأعمال وعيشا مرضيا يوم الزلزال . ووالدي مولانا محمد عبد
الحليم صاحب التصانيف الشهيرة والفيوض الكثيرة الذي كان بفتخر بوجوده أفاضل الهند والعرب
والعجم ويستند به أماثل العالم الفائق على أقرانه وسابقيه في حسن التدريس والتأليف
البارع السابق على أهل عصره ومن سبقه في قبول التصنيف المتوفى في السنة الخامسة
والثمانين بعد الألف والمائتين من هجرة رسول الثقلين ابن مولانا محمد أمين الله
ابن مولانا محمد أكبر ابن المفتي أحمد أبي الرحم ابن المفتي يعقوب ابن مولانا عبد
العزيز ابن مولانا محمد سعيد ابن ملا قطب الدين الشهيد السهالوي وينتهي نسبه إلى
سيدنا أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم . وقد ذكرته في
رسالتي التي ألفتها في ترجمة الوالد المرحوم المسماة بحسرة العالم في وفاة مرجع
العالم وتراجم كثير من أجدادي وأعزتي مبسوطة في رسالتي " إنباء الخلان أنباء
علماء هندوستان " فلتطلب منها
وكانت ولادتي في بلدة باندا حين كان والدي مدرسا بمدرسة
النواب ذي الفقار الدولة المرحوم في السادس والعشرين من ذي القعدة يوم الثلاثاء من
السنة الرابعة والستين بعد الألف والمائتين
واشتغلت بحفظ القرآن المجيد من حين كان عمري خمس سنين
وقرأت في أثنائه بعض كتب الإنشاء والخط وغير ذلك وفرغت من الحفظ حين كان عمري عشر
سنين وصليت إماما في التراويح حسب العادة عند ذلك وكان ذلك في جونفور حين كان
والدي المرحوم مدرسا بها في مدرسة الحاج إمام بخش المرحوم
ثم شرعت على حضرة الوالد في تحصيل العلوم ففرغت من
تحصيلها منقولا ومعقولا حين كان عمري سبع عشرة سنة ولم أقرأ شيئا من كتب العلوم
على غيره إلا كتبا عديدة من العلوم الرياضية قرأتها على خال والدي وأستاذه مولانا
محمد نعمت الله ابن مولانا نور الله المرحوم المتوفى في بنارس في المحرم سنة تسعين
وقد ألقى الله في قلبي محبة التدريس والتأليف من بدء
التحصيل فصنفت الدفاتر الكثيرة في الفنون العديدة ففي علم الصرف : 1 - "
امتحان الطلبة في الصيغ المشكلة " 2 - ورسالة أخرى مسماة بجاركل 3 - و
" التبيان في شرح الميزان " وفي علم النحو : 4 - " خير الكلام في تصحيح كلام
الملوك ملوك الكلام " 5 - و " إزالة الجمد عن إعراب أكمل الحمد "
وفي المنطق والحكمة : 6 - تعليقا قديما على حواشي غلام يحيى المتعلقة بالحواشي
الزاهدية المتعلقة بالرسالة القطبية مسمى بهداية الورى إلى لواء الهدى 7 - وتعليقا
جديدا عليها مسمى بمصباح الدجى في لواء الهدى 8 - وتعليقا أجد مسمى بنور الهدى
لحملة لواء الهدى 9 - و " التعليق العجيب لحل حاشية الجلال الدواني على التهذيب
" 10 - و " حل المغلق في بحث المجهول المطلق " 11 - و "
الكلام المتين في تحرير البراهين
" أي براهين إبطال اللاتناهي 12 - و " ميسر
العسير في بحث المثناة بالتكرير
" 13 - و " الإفادة الخطيرة في بحث سبع عرض
شعيرة " 14 - وتكملة حاشية الوالد المرحوم على النفيسي شرح الموجز في الطب
وفي علم المناظرة : 15 - "
الهدية المختارية شرح الرسالة العضدية " وفي علم
التاريخ : 16 - " حسرة العالم بوفاة مرجع العالم " 17 - و "
الفوائد البهية في تراجم الحنفية " 18 - و " التعليقات السنية على الفوائد
البهية " 19 - ومقدمة الهداية 20
- وذيله المسمى بمذيلة الدراية 21 - ومقدمة الجامع
الصغير المسماة بالنافع الكبير وفي علم الفقه والحديث : 22 - هذه الحاشية المسماة
بالتعليق الممجد 23 - و " القول الأشرف في الفتح عن المصحف " 24 - و
" القول المنشور في هلال خير الشهور " 25 - وتعليقه المسمى بالقول
المنثور 26 - و " زجر أرباب الريان عن شرب الدخان " 27 - وجعلته جزءا
لرسالة أخرى مسماة بترويح الجنان بتشريح حكم شرب الدخان 28 - و " الإنصاف في
حكم الاعتكاف " 29 - و
" الإفصاح عن حكم شهادة المرأة في الرضاع " 30
- و " تحفة الطلبة في مسح الرقبة " 31 - وتعليقه المسمى بتحفة الكملة 32
- وسباحة الفكر في الجهر بالذكر 33 - و " أحكام القنطرة في أحكام البسملة
" 34 - و " غاية المقال في ما يتعلق بالنعال " 35 - وتعليقه ظفر
الأنفال 36 - و " السهسهة بنقض الوضوء بالقهقهة " 37 - و " خير
الخبر بأذان خير البشر " 38 - و " رفع الشر عن كيفية إدخال الميت
وتوجيهه إلى القبلة في القبر " 39 - و " قوت المغتذين بفتح المقتدين "
40 - و " إفادة الخير في الاستياك بسواك الغير " 41 - و " التحقيق العجيب في
التثويب " 42 - و " الكلام الجليل فيما يتعلق بالمنديل " 43 - و
" تحفة الأخيار في إحياء سنة سيد الأبرار " 44 - وتعليقه المسمى بنخبة
الأنظار 45 - و " إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة " 46
- و " تحفة النبلاء فيما يتعلق بجماعة النساء " 47 - و " الفلك الدوار
فيما يتعلق برؤية الهلال بالنهار " 48 - و " زجر الناس على إنكار أثر
ابن عباس " 49 - و " الفلك المشحون في انتفاع المرتهن بالمرهون "
50 - و " الأجوبة الفاضلة للأسئلة العشرة الكاملة " 51 - و "
إمام الكلام فيما يتعلق بالقراءة خلف الإمام " 52 - و " تدوير الفلك في
حصول الجماعة بالجن والملك " 53 - و " نزهة الفكر في سبحة الذكر الملقبة
بهدية الأبرار في سبحة الأذكار " 54 - وتعليقه المسمى بالنفحة بتحشية النزهة
55 - و " آكام النفائس في أداء الأذكار بلسان فارس " 56 - و "
الكلام المبرم في نقض القول المحقق المحكم " 57 - والكلام المبرور في رد
القول المنصور " 58 - و
" السعي المشكور في رد المذهب المأثور " هذه
الرسائل الثلاثة ألفتها ردا على رسائل من حج ولم يزر قبر النبي صلى الله عليه و
سلم وافترى على علماء العالم 59 - و " هداية المعتدين في فتح المقتدين "
60 - و " دافع الوسواس في أثر ابن عباس رضي الله عنهما " 61 - و "
الآيات البينات على وجود الأنبياء في الطبقات " وهذه الرسائل الستة باللسان
الهندية
هذه تصانيفي المدونة إلى هذا الآن وأما تصانيفي التي لم
تتم إلى الآن وفقني الله لاختتامها كما وفقني لبدئها : 1 - " المعارف بما في
حواشي شرح المواقف " 2 - و " دافع الكلال عن طلاب تعليقات الكمال على الحواشي
الزاهدية المتعلقة بشرح التهذيب للجلال " 3 - و " تعليق الحمائل على حواشي
الزاهد على شرح الهياكل " 4 - وحاشية بديع الميزان 5 - ورسالة في تفصيل
اللغات 6 - ورسالة مسماة بتبصرة البصائر في الأواخر 7 - ورسالة في الأحاديث المشتهرة
8 - ورسالة
في تراجم فضلاء الهند 9 - ورسالة في الزجر عن الغيبة 10 - وشرح شرح الوقاية المسمى
بالسعاية
وأما تعليقات المتفرقة على الكتب الدرسية فهي كثيرة أسأل
الله أن يجعل جميع تصنيفاتي وتحريراتي خالصة لوجهه الكريم ينفع بها عباده ويجعلها
ذريعة لفوزي بالنعيم
وقد أجازني بجميع كتب الحديث ومنها هذا الكتاب وجميع كتب
المعقول والمنقول والفروع والأصول كثير من المشائخ العظام والفضلاء الأعلام فمنهم
والدي المرحوم أجازني بجميع ما أجازه شيخ الإسلام ببلد الله الحرام مولانا الشيخ
جمال الحنفي المتوفى في سنة أربع وثمانين بعد الألف والمائتين ومفتي الشافعية بمكة
المعظمة مولانا السيد أحمد بن زيني دحلان والمدرس بالمسجد النبوي مولانا الشيخ
محمد بن محمد الغرب الشافعي ونزيل المدينة الطيبة مولانا الشيخ عبد الغني ابن
الشيخ أبي سعيد المجددي المتوفى في سادس المحرم من السنة السادسة والتسعين ومولانا
الشيخ علي ملك باشلي الحريري المدني ومولانا حسين أحمد المحدث المليح آبادي
المتوفي السنة السادسة والسبعين في ومضان من تلامذة الشيخ عبد العزيز الدهلوي
وغيرهم عن شيوخهم وأساتذتهم على ما هو مبسوط في قراطيس إجازاتهم ودفاتر أسانيدهم
وأجازني أيضا بلا واسطة مولانا السيد أحمد دحلان عن شيوخه في السنة التاسعة
والسبعين حين تشرفت بزيارة الحرمين ( في الأصل : " بالحرمين " ) الشريفين مع
الوالد المرحوم ومولانا الشيخ علي الحريري المدني شيخ الدلائل أجازني بدلائل
الخيرات في أوائل المحرم من سنة ثمانين حين دخلت المدينة الطيبة وأيضا مولانا
الشيخ عبد الغني المرحوم تشرفت بملاقاته مرة ثانية في أوائل المحرم من السنة الثالثة
والتسعين ولم يتيسر لي طلب الإجازة منه فلما وصلت إلى الوطن كتبت إليه رقعة بطلب
الإجازة فكتب إلي إجازة بما أجازه به الشيخ مولانا محمد إسحق والشيخ مخصوص الله
ابن مولانا رفيع الدين ومحدث المدينة مولانا الشيخ عابد السندي مؤلف " حصر (
في الأصل : " الحصر الشارد " وهو خطأ ) الشارد " والشيخ إسماعيل
أفندي ووالده مولانا الشيخ أبو سعيد المجددي وأيضا أجازني مفتي الحنابلة بمكة
المعظمة مولانا محمد بن عبد الله بن حميد المتوفى السنة الخامسة والتسعين تشرفت بملاقاتة
بمكة في ذي القعدة من السنة الثانية والتسعين وبعث إلي ورقة إجازة في السنة
الثالثة والتسعين بما أجازه السيد الشريف محمد بن علي السنوسي الحسني عن شيوخه على
ما هو مثبت في كتابه " البدور الشارقة في أثبات ساداتنا المغاربة والمشارقة
" والسيد محمد الأهدل والسيد محمود أفندي الآلوسي مفتي بغداد مؤلف التفسير
المشهور بروح البيان وغيرهم وتفصيل أسانيد مشائخي وشيوخ مشائخي موكول إلى رسالتي
" إنباء الخلان بأنباء علماء هندوستان " وفقني الله لإتمامه
الفائدة
العاشرة : في نشر مآثر الإمام محمد وشيخيه أبي يوسف وأبي حنيفة :
- وهم المراد بأئمتنا الثلاثة في كتب أصحابنا الحنفية
ويعرف الأولان بالصاحبين والثانيان بالشيخين والأول والثالث بالطرفين وقد ذكرت
تراجمهم في كثير من الرسائل كمقدمة الهداية ومقدمة الجامع الصغير وطبقات الحنفية وغيرها
والآن نذكر قدرا ضروريا منها
- أما محمد فهو أبو عبد الله محمد بن الحسن بن فرقد
الشيباني ( انظر ترجمته في : وفيات الأعيان 1 / 574 ، تهذيب الأسماء واللغات 1 /
80 ، البداية والنهاية 1 / 202 ، الكامل في التاريخ 6 / 14 ، طبقات الفقهاء
للشيرازي 114 ، تاريخ بغداد 2 / 172 - 182 ، الفوائد البهية 163 ) نسبة ولاء إلى
شيبان بفتح الشين المعجمة قبيلة معروفة الكوفي صاحب الإمام أبي حنيفة أصله من دمشق
من أهل قرية يقال لها حرستا بفتح الحاء المهملة وسكون الراء المهملة وفتح السين
المهملة قدم أبوه العراق فولد له محمد بواسط ونشأ بالكوفة وتلمذ لأبي حنيفة وسمع
الحديث عن مسعر بن كدام وسفيان الثوري وعمرو بن دينار ومالك بن مغول والإمام مالك
بن أنس والأوزاعي وربيعة بن صالح وبكير والقاضي أبي يوسف وسكن بغداد وحدث بها وروى
عنه الإمام الشافعي محمد بن إدريس وأبو سليمان موسى بن سليمان الجوزجاني وهشام بن
عبيد الله الرازي وأبو عبيد القاسم بن سلام وعلي بن مسلم الطوسي وأبو حفص الكبير
وخلف بن أيوب . وكان الرشيد ولاه القضاء بالرقة فصنف كتابا مسمى بالرقيات ثم عزله
وقدم بغداد فلما خرج هارون الرشيد إلى الري الخرجة الأولى أمره فخرج معه فمات
بالري سنة تسع وثمانين ومائة . وحكي عنه أنه قال : مات أبي وترك ثلاثين ألف درهم فأنفقت خمسة
عشرة ألفا على النحو والشعر وخمسة عشر ألفا على الحديث والفقه وقال الشافعي : ما
رأيت سمينا أخف روحا من محمد بن الحسن وما رأيت أفصح منه كنت أظن إذا رأيته يقرأ
القرآن كأن القرآن نزل بلغته وقال أيضا : ما رأيت أعقل من محمد بن الحسن وروي عنه أن
رجلا سأله عن مسألة فأجابه فقال الرجل : خالفك الفقهاء : فقال له الشافعي : وهل رأيت فقيها قط
؟ اللهم إلا أن يكون رأيت محمد بن الحسن . ووقف رجل على المزني فسأله عن أهل
العراق فقال : ما تقول في أبي حنيفة ؟ فقال : سيدهم قال " أبو يوسف ؟ قال :
أتبعهم للحديث قال : فمحمد بن الحسن ؟ قال : أكثرهم تفريعا ؟ قال : فزفر أحدهم
قياسا وروي عن الشافعي أنه قال : ما ناظرت أحدا إلا تغير وجهه ما خلا محمد بن
الحسن ولو لم يعرف لسانهم لحكمنا أنهم من الملائكة محمد في فقهه والكسائي في نحوه
والأصمعي في شعره وروي عن أحمد بن حنبل أنه قال : إذا كان في المسألة قول ثلاثة لم
يسمع مخالفتهم فقيل له : من هم ؟ قال : أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن فأبو
حنيفة أبصرهم بالقياس وأبو يوسف أبصر الناس بالآثار ومحمد أبصر الناس بالعربية .
هذا كله أورده السمعاني في " كتاب الأنساب " ( 7 / 431 ط بيروت )
وقال أبو عبد الله الذهبي في " ميزان الاعتدال
" ( 3 / 513 ) : محمد بن الحسن الشيباني أبو عبد الله أحد الفقهاء لينه النسائي
وغيره من قبل حفظه يروي عن مالك بن أنس وغيره وكان من بحور العلم والفقه قويا في مالك
. انتهى
وقال الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان " ( 5
/ 121 - 122 ) : هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني مولاهم ولد بواسط ونشأ
بالكوفة وتفقه على أبي حنيفة وسمع الحديث من الثوري ومسعر وعمر بن ذر ومالك بن
مغول والأوزاعي ومالك بن أنس وربيعة بن صالح وجماعة وعنه الشافعي وأبو سليمان الجوزجاني
وهشام الرازي وعلي بن مسلم الطوسي وغيرهم ولي القضاء في أيام الرشيد وقال ابن عبد
الحكم : سمعت الشافعي يقول : قال محمد : أقمت على باب مالك ثلاث سنين وسمعت منه
أكثر من سبعمائة حديث وقال الربيع : سمعت الشافعي يقول : حملت عن محمد وقر بعير
كتبا وقال عبد الله بن علي المديني عن أبيه في حق محمد بن الحسن : صدوق . انتهى
وفي " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي ( هو يحيى بن شرف بن حسن
النووي الدمشقي شارح " صحيح مسلم " المتوفى سنة 677 هـ ) : قال الخطيب :
ولد محمد بواسط ونشأ بالكوفة وسمع الحديث بها من أبي حنيفة ومسعر بن كدام وسفيان
الثوري وعمر بن ذر ومالك بن مغول وكتب أيضا عن مالك بن أنس وربيعة بن صالح وبكير
بن عامر وأبي يوسف وسكن بغداد وحدث بها وروى عنه الشافعي وأبو سليمان الجوزجاني
وأبو عبيد وغيرهم وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي : كان أصل محمد من الجزيرة وكان
أبوه من جند الشام فقدم واسطا فولد له ( في الأصل : " فولد بها " وهو
تحريف ) محمد سنة ثنتين وثلاثين ومائة ونشأ بالكوفة وطلب الحديث وسمع سماعا كثيرا
وجالس أبا حنيفة وسمع منه ونظر في الرأي فغلب ( في الأصل : " فغلبت "
وهو تحريف ) عليه وعرف به وتقدم فيه وقدم بغداد فنزل بها واختلف إليه الناس وسمعوا منه
الحديث والرأي وخرج إلى الرقة وهارون الرشيد فيها فولاه قضاءها ثم عزله فقدم بغداد
فلما خرج هارون إلى الري أمره فخرج معه فمات فيها سنة تسع وثمانين . ثم روى الخطيب
بإسناده إلى الشافعي قال : قال محمد بن الحسن : أقمت على باب مالك ثلاث سنين وكسرا
قال : وكان يقول إنه سمع لفظا أكثر من سبعمائة حديث وكان إذا حدثهم عن مالك امتلأ
منزله وكثر الناس حتى يضيق عليهم الموضع وبإسناده عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة
قال : كان محمد يجلس في مسجد الكوفة وهو ابن عشرين سنة وبإسناده عن الشافعي قال :
ما رأيت مبدنا قط أذكى من محمد بن الحسن وعنه : كان إذا أخذ في المسألة كأنه قرآن ينزل
لا يقدم حرفا ولا يؤخره وعنه كان محمد يملأ العين والقلب وعنه قال : حملت عنه وقري
بختي كتبا وعن يحيى بن معين قال : كتبت " الجامع الصغير " عن محمد بن
الحسن وعن أبي عبيد : ما رأيت أعلم في كتاب الله منه وعن إبراهيم الحربي قال : قلت
لأحمد : من أين لك هذه المسائل الدقيقة ؟ قال : من كتب محمد بن الحسن وبإسناده عن
أبي رجاء عن محموية قال : وكنا نعده من الأبدال قال : رأيت محمد بن الحسن في
المنام فقلت : يا أبا عبد الله إلام صرت ؟ قال : قال لي ربي : إني لم أجعلك وعاء للعلم
وأنا أريد أن أعذبك قلت : ما فعل أبو يوسف ؟ قال : فوقي ( أي فوق محمد بن الحسن )
قلت : فأبو حنيفة ؟ قال : فوقه بطبقات كثيرة . انتهى ( الأسماء واللغات 1 / 80 - 82 )
ملخصا
قلت :
بهذه العبارات الواقعة من الأثبات وغيرها من كلمات الثقات
التي تركنا ذكرها خوفا من التطويل يظهر جلالة قدره وفضله الجميل فمن طعن عليه كأنه
لم تقرع سمعه هذه الكلمات ولم يصل بصره إلى كتب النقاد الأثبات وكفاك مدح الشافعي
له بعبارات رشيقة وكلمات لطيفة وروايته عنه . وقد أنكر ابن تيمية ( يعني أحمد بن
عبد الحليم الحراني الدمشقي المتوفى سنة 728 هـ . ( ش ) ) في " منهاج السنة
" الذي ألفه في رد " منهاج الكرامة " للحلي ( يعني الحسن بن يوسف
بن مطهر الحلي تلميذ الطوسي المتوفى سنة 726 هـ . ( ش ) ) الشيعي تلمذ الشافعي منه
وقد كذبه من قبله كالنووي والخطيب والسمعاني وغيرهم وهم أعلم منه بحال إمامهم
- أما أبو يوسف : فهو القاضي يعقوب بن إبراهيم بن حبيب
الكوفي ذكره الذهبي في حفاظ الحديث في كتابه " تذكرة الحفاظ " ( 1 / 292 - 294 . وله
ترجمة في : وفيات الأعيان 6 / 378 ، الجواهر المضية 2 / 220 ، ومرآة الجنان 1 / 382 ، البداية والنهاية 10 / 180 ، وبروكلمان
3 / 245 ، وعبر الذهبي 1 / 284 ، النجوم الزاهرة
2 / 107 ) وقال في ترجمته : سمع هشام بن عروة وأبا إسحق الشيباني وعطاء بن السائب وطبقتهم
وعنه محمد بن الحسن الفقيه وأحمد بن حنبل وبشر بن الوليد ويحيى بن معين وعلي بن
الجعد وعلي بن مسلم الطوسي وخلق سواهم نشأ في طلب العلم وكان أبوه فقيرا فكان أبو حنيفة
يتعاهده قال المزني : أبو يوسف أتبع القوم للحديث وروى إبراهيم بن أبي داود عن
يحيى بن معين قال : ليس في أهل الرأي أحد أكثر حديثا ولا أثبت منه وروى عباس عنه
قال : أبو يوسف صاحب حديث وصاحب سنة وقال ابن سماعة : كان أبو يوسف يصلي بعدما ولي القضاء
في كل يوم مائتي ركعة وقال أحمد : كان منصفا في الحديث مات سنة اثنتين وثمانين
ومائة وله أخبار في العلم والسيادة وقد أفردته وأفردت صاحبه محمد بن الحسن في جزء
. انتهى ملخصا
قال السمعاني ( ص 439 ط قديم ) : سمع أبا إسحق الشيباني
وسليمان التيمي ويحيى بن سعيد ( في الأصل : " سعد " وهو تحريف ) وسليمان
الأعمش وهشام بن عروة وعبيد الله بن عمر العمري وعطاء بن السائب ومحمد بن إسحق
وليث بن سعد وغيرهم وتلمذ لأبي حنيفة وروى عنه محمد بن الحسن وبشر بن الوليد
الكندي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم وكان قد سكن بغداد وولي قضاء القضاة وهو
أول من دعي بقاضي القضاة في الإسلام ولم يختلف يحيى بن معين وأحمد وابن المديني في
كونه ثقة في الحديث وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة ونشر
علمه في أقطار الأرض . انتهى
- وأما أبو حنيفة : فله مناقب جميلة ومآثر جليلة عقل
الإنسان قاصر عن إدراكها ولسانه عاجز عن تبيانها وقد صنف في مناقبه جمع من علماء
المذاهب المتفرقة ولم يطعن عليه إلا ذو تعصب وافر أو جهالة مبينة والطاعن عليه إن
كان محدثا أو شافعيا نعرض عليه كتب مناقبه التي صنفه علماء مذهبه ونبرز عنده ما
خفي عليه من مناقبه التي ذكرها فضلاء مسلكه كالسيوطي مؤلف " تبييض الصحيفة في
مناقب الإمام أبي حنيفة " وابن حجر المكي مؤلف " الخيرات الحسان في
مناقب النعمان " وكالذهبي ذكره في " تذكرة الحفاظ " و " الكاشف
" وأثنى عليه وأفرد في مناقبه رسالة ( قد طبعت هذه الرسالة بعنوان مناقب
الإمام أبي حنيفة وصاحبيه بتحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري والشيخ أبي الوفاء
الأفغاني في بيروت سنة 1408 هـ ) وابن خلكان ذكر مناقبه في تاريخه واليافعي مؤلف "
مرآة الجنان " ذكر مناقبه فيه والحافظ ابن حجر العسقلاني ذكره في "
التقريب " وغيره وأثنى عليه والنووي شارح صحيح مسلم أثنى عليه في "
تهذيب الأسماء واللغات " والإمام الغزالي أثنى عليه في " إحياء العلوم "
وغيرهم وإن كان مالكيا نوقفه على مناقبه التي ذكرها علماء مشربه كالحافظ ابن عبد
البر وغيره وإن كان حنبليا نطلعه على تصريحات أصحاب مذهبه كيوسف بن عبد الهادي
الحنبلي مؤلف " تنوير الصحيفة في مناقب أبي حنيفة " وإن كان من
المجتهدين المرتفع عن درجة المقلدين نسمعه ما جرى على لسان المجتهدين والمحدثين من
ذكر مفاخره وسرد مآثره وإن كان عاميا لا مذهب له فهو من الأنعام بل هو أضل نقوم
عليه بالنكير ونجعله مستحقا للتعزيز . وكفاك من مفاخره التي امتاز بها بين الأئمة
المشهورين كونه من التابعين وهو وإن كان مختلفا فيه كما قال ابن نجيم المصري في
" البحر الرائق شرح كنز الدقائق " في بحث عدم قبول شهادة من يظهر سب
السلف : السب الشتم والسلف كما في " النهاية " : الصحابة والتابعون وأبو
حنيفة . انتهى . وزاد في " فتح القدير " وكذا العلماء والفرق بين السلف
والخلف أن السلف الصالح الصدر الأول من الصحابة والتابعين والخلف : بفتح اللام من
بعدهم في الخير وبالسكون في الشر . كذا في " مختصر النهاية " وعطف أبي
حنيفة على التابعين إما عطف خاص على عام بناء على أنه منهم كما في " مناقب
الكردري " وصرح به في " العناية " أو ليس منهم بناء على ما صرح به
شيخ الإسلام ابن حجر فإنه جعله من الطبقة السادسة ممن عاصر صغار التابعين ولكن لم
يثبت له لقاء أحد من الصحابة ذكره في " تقريب التهذيب " . انتهى كلام
البحر لكن الصحيح المرجح هو كونه من التابعين فإنه رأى أنسا رضي الله عنه بناء على
أن مجرد رؤية الصحابة كاف للتابعية كما حققه الحافظ ابن حجر في غير " التقريب
" والذهبي والسيوطي وابن حجر المكي وابن الجوزي والدارقطني وابن سعد والخطيب
والولي العراقي وعلي القاري وأكرم السندي وأبو معشر وحمزة السهمي واليافعي والجزري
والتوربشتي والسراج وغيرهم من المحدثين والمؤرخين المعتبرين ومن أنكره فهو محجوج
عليه بأقوالهم وقد ذكرت تصريحاتهم وعباراتهم في رسالتي " إقامة الحجة على أن
الإكثار في التعبد ليس ببدعة " ( طبعت هذه الرسالة في حلب 1386 هـ )
قال الذهبي في " تذكرة الحفاظ " ( 1 / 168 ) :
أبو حنيفة الإمام الأعظم فقيه العراق النعمان بن ثابت هو زوطا التيمي الكوفي مولده
سنة ثمانين رأى أنس بن مالك غير مرة لما قدم عليهم الكوفة رواه ابن سعد عن سيف بن
جابر عن أبي حنيفة أنه كان يقوله وحدث عن عطاء ونافع وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج
وسلمة بن كهيل وأبي جعفر محمد بن علي وقتادة وعمرو بن دينار وأبي إسحق وخلق كثير تفقه
به زفر بن هذيل وداود الطائي والقاضي أبو يوسف ومحمد بن الحسن وأسد بن عمرو والحسن
بن زياد ونوح الجامع وأبو مطيع البلخي وعدة وكان تفقه بحماد بن أبي سليمان وغيره
وحدث عنه وكيع ويزيد بن هارون وسعد بن الصلت وأبو عاصم وعبد الرزاق وعبيد الله بن
موسى وبشر كثير وكان إماما ورعا عالما عاملا متعبدا كبير الشأن لا يقبل جوائز
السلطان بل يتجر ويتكسب قال ابن المبارك : أبو حنيفة أفقه الناس وقال الشافعي :
الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة وروى أحمد بن محمد بن القاسم عن يحيى بن معين
قال : لا بأس به ولم يكن متهما ولقد ضربه يزيد بن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون
قاضيا وقال أبو داود : إن أبا حنيفة كان إماما وقال بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال
: كنت أمشي مع أبي حنيفة فقال رجل لآخر : هذا أبو حنيفة لا ينام الليل فقال : والله لا يتحدث
الناس عني بما لم أفعل فكان يحيي الليل صلاة ودعاء وتضرعا . قلت : مناقب هذا الإمام قد أفردتها في
جزء . انتهى كلامه
وقد ذكر النووي في " تهذيب الأسماء " ( 1 / 216
- 223 ) كثيرا من مناقبه في أربع ورقات نقلا عن الخطيب وغيره وذكر أنه ولد سنه
ثمانين وتوفي ببغداد سنة خمسين ومائة على الصحيح المشهور بين الجمهور وفي رواية
غريبة أنه توفي سنة إحدى وخمسين وعن مكي بن إبراهيم أنه توفي سنة ثلاث وخمسين
وقال ابن حجر المكي في " الخيرات الحسان " ( ص
74 ) بعدما ذكر محاسنه ومحامده في ستة وثلاثين فصلا في الفصل السابع والثلاثين قال
الحافظ ابن عبد البر ما حاصله :
إنه أفرط بعض أصحاب الحديث في ذم أبي حنيفة وتجاوزوا
الحد في ذلك لتقديمه القياس على الأثر وأكثر أهل العلم يقولون : إذا صح الحديث بطل
الرأي والقياس لكنه لم يرو إلا بعض أخبار الآحاد بتأويل محتمل وكثير منه قد تقدمه
إليه غيره وتابعه عليه مثله كإبراهيم النخعي وأصحاب ابن مسعود رضي الله عنه إلا
أنه أكثر من ذلك هو وأصحابه وغيره إنما يوجد له ذلك قليلا ومن ثم لما قيل لأحمد :
ما الذي نقم عليه ؟ قال : الرأي قيل : أليس مالك تكلم بالرأي قال : بلى ولكن أبو
حنيفة أكثر رأيا منه قيل : فهل أتكلم في هذا بحصته وهذا بحصته ؟ فسكت أحمد وقال
الليث بن سعد : أحصيت على مالك سبعين مسألة قال فيها برأيه وكلها مخالفة لسنة رسول
الله صلى الله عليه و سلم ولم نجد أحدا من علماء الأمة أثبت حديثا عن رسول الله
صلى الله عليه و سلم ثم رده إلا بحجة كادعاء نسخ أو بإجماع أو طعن في سنده ولو رده
أحد من غير حجة لسقطت عدالته فضلا عن إمامته ولزمه اسم الفسق وعافاهم الله عن ذلك
وقد جاء عن الصحابة اجتهادهم بالرأي القول بالقياس على الأصول ما سيطول ذكره وكذلك
التابعون . انتهى كلام ابن عبد البر . والحاصل أن أبا حنيفة لم ينفرد بالقول
بالقياس بل على ذلك عامة عمل فقهاء الأمصار . انتهى
وفي الخيرات الحسان في الفصل الثامن والثلاثين ( ص 84 )
: قال أبو عمر يوسف ابن عبد البر ( في جامع بيان العلم وفضله 2 / 149 ) : الذين
رووا عن أبي حنيفة ووثقوه وأثنوا عليه أكثر من الذين تكلموا فيه والذين تكلموا فيه
من أهل الحديث أكثر ما عابوا عليه الإغراق في الرأي والقياس أي وقد مر ( أي عند ابن
عبد البر في جامع بيان العلم 2 / 148 ) أن ذلك ليس بعيب وقد قال الإمام علي بن
المديني : أبو حنيفة روى عنه الثوري وابن المبارك وحماد بن زيد وهشام ووكيع وعباد
بن العوام وجعفر بن عون وهو ثقة لا بأس به وكان شعبة حسن الرأي فيه وقال يحيى بن
معين : أصحابنا ( يعني : أهل الحديث ) يفرطون في أبي حنيفة وأصحابه فقيل له : أكان
يكذب ؟ قال : لا
وفي " طبقات شيخ الإسلام التاج السبكي " ( 1 /
188 ) الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم أن الجرح مقدم على التعديل على إطلاقها
بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه وندر جارحه وكانت هناك قرينة
دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه ثم قال أي التاج
السبكي ( طبقات الشافعية 1 /
190 ) بعد كلام طويل : قد عرفناك أن الجارح لا يقبل فيه
الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معصيته ومادحوه على ذاميه ومزكوه على
جارحيه إذا كانت هناك قرينة تشهد بأن مثلها حامل على الوقيعة فيه من تعصب مذهبي أو
مناقشة دنيوية وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري ( قول الثوري وغيره في أبي حنيفة غير
موجود في " الطبقات " المطبوعة وهو موجود في " الخيرات الحسان " : ( ص 74 )
نقلا عن " الطبقات " فلعلها في بعض النسخ ) في ( أبو حنيفة ) وابن أبي ذئب
وغيره في ( مالك ) وابن معين في ( الشافعي ) والنسائي في ( أحمد بن صالح ) ونحوه قال : ولو
أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه
طاعنون وهلك فيه هالكون . انتهى
وفيه ( الخيرات الحسان في مناقب النعمان ص 76 ) أيضا في
الفصل التاسع والثلاثين في رد ما نقله الخطيب في تاريخه من القادحين فيه ( أي في
أبي حنيفة رحمه الله تعالى ( ش ) ) : علم أنه لم يقصد بذلك إلا جمع ما قيل في الرجل
على عادة المؤرخين ولم يقصد بذلك انتقاصه ولا حط مرتبته بدليل أنه قدم كلام
المادحين وأكثر منه ومن نقل مآثره ثم عقبه بذكر كلام القادحين ومما يدل على ذلك
أيضا أن الأسانيد التي ذكرها للقدح لا يخلو غالبها من متكلم فيه أو مجهول ولا يجوز
إجماعا ثلم عرض مسلم بمثل ذلك فكيف بإمام من أئمة المسلمين وبفرض صحة ما ذكره
الخطيب من القدح عن قائله لا يعتد به فإنه إن كان من غير أقران الإمام فهو مقلد
لما قاله أو كتبه أعداؤه وإن كان من أقرانه فكذلك لما مر أن قول الأقران بعضهم في
بعض غير مقبول وقد صرح الحافظان : الذهبي وابن حجر بذلك قالا : لا سيما إذا لاح
أنه لعداوة أو لمذهب إذ الحسد لا ينجو منه إلا من عصمه الله قال الذهبي : وما علمت
أن عصرا سلم أهله من ذلك إلا عصر النبيين والصدقين وقال التاج السبكي : ينبغي لك
أيها المسترشد أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم
في بعض إلا إذا أتي ببرهان واضح ثم إن قدرت على التأويل وحسن الظن فدونك وإلا
فاضرب صفحا عما جرى بينهم وإياك ثم إياك أن تصغي إلى ما اتفق بين أبي حنيفة وسفيان
الثوري أو بين مالك وابن أبي ذئب أو بين النسائي وأحمد بن صالح أو بين أحمد
والحارث بن أسد المحاسبي وهلم جرا إلى زمان العز بن عبد السلام والتقي بن الصلاح
فإنك إذا اشتغلت بذلك وقعت على الهلاك فالقوم أئمة أعلام ولأقوالهم محامل وربما لم
نفهم بعضها فليس لنا إلا التراضي والسكوت عما جرى بينهم كما نفعل فيما جرى بين
الصحابة . انتهى
وفيه أيضا في " الفصل السادس " : صح كما قاله
الذهبي أنه رأى أنس بن مالك وهو صغير وفي رواية مرارا وكان يخضب بالحمرة وأكثر
المحدثين على أن التابعي من لقي الصحابي وإن لم يصحبه وصححه النووي كابن الصلاح
وجاء من طرق أنه روى عن أنس أحاديث ثلاثة ( انظر أسماء الصحابة الذين سمع منهم أبو
حنيفة في " الجواهر المضية في طبقات الحنفية " للقرشي 1 / 28 ) لكن
قال أئمة الحديث : مدارها على من اتهمه الأئمة بالأحاديث وفي " فتاوى شيخ
الإسلام ابن حجر " أنه أدرك جماعة من الصحابة كانوا بالكوفة لأن مولده بها سنة
ثمانين فهو من طبقة التابعين ولم يثبت ذلك لأحد من أئمة الأمصار المعاصرين له
كالأوزاعي بالشام والحمادين بالبصرة والثوري بالكوفة ومالك بالمدينة والليث بن سعد
بمصر . انتهى كلام الحافظ فهو من أعيان التابعين الذين شملهم قوله تعالى : ( والذين
اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضواعنه ) ( سورة التوبة : آية 100 ) . انتهى
قلت : فهذه العبارات الواردة عن الثقات لعلها لم تقرع
سمع جهلاء عصرنا حيث يطعنون على أبي حنيفة ويحطون درجته عن المراتب الشريفة ويأبى
الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكارهون : { وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }
( سورة الشعراء : آية 227 ) . وخلاصة ما اشتهر بينهم والعجب أنه أدرج بعضها بعضهم
في تصانيفهم أمور : منها : أنه كان يقدم القياس على السنن النبوية وهذا فرية بلا
مرية ومن شك في ذلك فليطالع
" الخيرات الحسان " و " الميزان "
يظهر له أن زعمه موقع له في خسران
ومنها : أنه كان كثير الرأي ولذا سمى المحدثون أصحابه
بأصحاب الرأي . وهذا ليس بطعن بالحقيقة فإن كثرة الرأي والقياس دالة على نباهة
الرجل ووفور عقله عند الأكياس ولا يفيد العقل بدون النقل ولا النقل بدون العقل
واعتقادنا واعتقاد كل منصف في حقه أنه لو أدرك زمانا كثرت فيه رواية الأحاديث وكشف
المحدثون عن جمالها القناع بالكشف الحثيث لقل القياس في مذهبه كما حققه عبد الوهاب
الشعراني في ميزانه ( 1 / 53 ) وملا معين في كتابه " دراسات اللبيب في الأسوة
الحسنة بالحبيب "
ومنها : أنه قليل الرواية للأخبار النبوية وهذا أيضا ليس
بطعن في الحقيقة فإن مرتبته في هذا تشابه المرتبة الصديقية فإن كان هذا طعنا كان
أبو بكر الصديق أفضل البشر بعد الأنبياء بالتحقيق مطعونا فإنه أيضا قليل الرواية
بالنسبة إلى بقية الصحابة حاشاهم ثم حاشاهم عن هذه الوسمة
ومنها : أنه كان كثير التعبد حتى إنه كان يحيي الليل كله
وهو بدعة ضلالة وهذا قول صدر عن غفلة ولقد قف شعري من سماعه ووقعت في التعجب من
قائله فإن كثرة العبادة حسب الطاقة كإحياء الليلة كلها وختم القرآن في ليلة وأداء
ألف ركعة ونحو ذلك منقول بالنقول الصحيحة عن كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
من الفقهاء والمحدثين كعثمان وعمر وابن عمر وتميم الداري وعلي وشداد بن أوس رضي
الله عنهم ومسروق والأسود النخعي وعروة بن الزبير وثابت البناني وزين العابدين علي
بن الحسين وقتادة ومحمد بن واسع ومنصور بن زاذان وعلي بن عبد الله بن عباس والإمام
الشافعي وسعد بن إبراهيم الزهري وشعبة بن الحجاج والخطيب البغدادي وغيرهم ممن لا يحصى
عددهم فيلزم أن يكون هؤلاء كلهم من المبتدعين ومن التزمه فهو أكبر المبتدعين
الضالين وقد حققت المسألة مع ما لها وما عليها في " إقامة الحجة " ( طبع من
حلب : كتاب " إقامة الحجة على أن الإكثار في التعبد ليس ببدعة " بتحقيق
الشيخ عبد الفتاح أبو غدة )
ومنها : أنه قد جرحه سفيان الثوري والدارقطني والخطيب
والذهبي وغيرهم من المحدثين . وهذا قول صدر عن الغافلين فإن مطلق الجرح إن كان
عيبا يترك به المجروح فليترك البخاري ومسلم والشافعي وأحمد ومالك ومحمد بن إسحق
صاحب المغازي وغيرهم من أجلة أصحاب المعاني فإن كلا منهم مجروح ومقدوح بل لم يسلم
من الجرح أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم فهل يقول قائل : بقبول الجرح فيهم ؟
كلا والله لا يقول به من هو من أرباب العقول وإن كان بعض أقسام الجرح موجبا لترك
المجروح فالإمام بريء عنه عند أرباب الإنصاف والنصوح فإن بعض الجروح التي جرح بها
( في الأصل : " به " وهو تحريف ) مبهم كقول الذهبي في " ميزان
الاعتدال " ( ميزان الاعتدال : 1 / 226 ) : إسماعيل بن حماد بن الإمام أبي
حنيفة ثلاثتهم ضعفاء . انتهى
وقد تقرر في الأصول أنه لا يقبل الجرح المبهم لا سيما في
حق من ثبتت عدالته وفسرت تعديلاته واستقرت إمامته وقد بسطت الكلام في هذه المسألة
في رسالتي " الكلام المبرور والسعي المشكور على رغم أنف من خالق الصحيح
والجمهور " وبعض الجروح صدر من معاصريه وقد تقرر في مقره أن جرح المعاصر لا
يقبل في حق المعاصر لا سيما إذا كانت لتعصب أو عداوة ( قد بسطه المؤلف في كتابه
الجرح والتعديل ص 189 ) وإلا فليقبل جرح ابن معين في الشافعي وأحمد في الحارث
المحاسبي والحارث في أحمد ومالك في محمد بن إسحق صاحب حديث القلتين ( قد استوفى
المؤلف رحمه الله توثيق ( محمد بن إسحاق ) في كتابه ( إمام الكلام ) كل
الاستيفاء حتى استوعب عشر صفحات : ( ص 192 - 201 ) ) والقراءة خلف الإمام وغيرهم .
كلا والله لا نقبل كلامهم فيهم ونوفيهم حظهم وبعض الجروح صدر من المتأخرين
المتعصبين كالدارقطني وابن عدي وغيرهما ممن تشهد القرائن الجلية بأنه في هذا الجرح
من المتعسفين والتعصب أمر لا يخلو منه البشر إلا من حفظه خالق القوى والقدر وقد
تقرر أن مثل ذلك غير مقبول من قائله بل هو موجب لجرح نفسه ولقد صدق شيخ الإسلام
بدر الدين محمود العيني في قوله في بحث قراءة الفاتحة من " البناية شرح
الهداية " في حق الدارقطني : من أين له تضعيف أبي حنيفة ؟ وهو مستحق للتضعيف
فإنه روى في " مسنده " أحاديث سقيمة ومعلولة ومنكرة وغريبة وموضوعة .
انتهى
وفي قوله في بحث إجارة أرض مكة ودورها : وأما قول ابن
القطان : وعلته ضعف أبي حنيفة فإساءة أدب وقلة حياء منه فإن مثل الإمام الثوري
وابن المبارك وأضرابهما وثقوه وأثنوا عليه خيرا فما مقدار من يضعفه عند هؤلاء
الأعلام . انتهى
وهناك خلق لهم تشدد في جرح الرواة يجرحون الرواة من غير
مبالاة ويدرجون الأحاديث الغير الموضوعة في الموضوعات منهم : ابن الجوزي والصغاني والجوزقاني
والمجد الفيروزآبادي وابن تيمية الحراني الدمشقي وأبو الحسن بن القطان وغيرهم كما
بسطته في " الكلام المبرم " و " الأجوبة الفاضلة " فلا يجترئ على
قبول قولهم من دون التحقيق إلا من هو غافل عن أحوالهم ومنهم من عادته في تصانيفه
كابن عدي في " كامله " والذهبي في " ميزانه " أنه يذكر كل ما
قيل في الرجل من دون الفصل بين المقبول والمهمل فإياك ثم إياك أن تجرح أحدا بمجرد
قولهم من دون تنقيده بأقوال غيرهم كما ذكرت كل ذلك في " السعي المشكور في رد
المذهب المأثور " وبعض الجروح لا تثبت برواية معتبرة كروايات الخطيب في جرحه
وأكثر من جاء بعده عيال على روايته فهي مردودة ومجروحة
ومنها : أن كثيرا من تلامذته كانوا من الوضاعين
والمجروحين : كنوح الجامع وأبي مطيع البلخي والحسن اللؤلؤي . وهذا جرح مخالف لقوله
تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ولو كان هذا جرحا لكان كثير من سادات أهل
البيت كجعفر الصادق ومحمد الباقر ومن فوقهما من المجروحين فإن كثيرا من تلامذتهم
كانوا رفاضا كذابين
ومنها : أنه روى كثيرا عن الضعفاء . وهذا أمر مشترك بين العلماء
فإن كثيرا من رواة الشافعي ومالك وأحمد والبخاري ومسلم ومن يحذو حذوهم كانوا ضعفاء
ومنها : أنه كان قليل العربية وهذا الطعن أدرجه بعضهم في
تصانيفهم مع كونه غير قادح عند أهل الحديث وحملة الأخبار ومع تصريح الثقات بجوابه
والاعتذار كما في " تاريخ " ابن خلكان بعد ذكر كثير من مناقبه وكثير من
مدائحه : وقد ذكر الخطيب في " تاريخه " شيئا كثيرا منها ثم أعقب ذلك
بذكر ما كان الأليق تركه والإضراب عنه فمثل هذا الإمام لا يشك في دينه ولا في ورعه
ولا تحفظه ولم يكن يعاب بشيء سوى قلة العربية فمن ذلك ما روي أن أبا عمرو بن
العلاء المقرئ النحوي سأله عن القتل بالمثقل : هل يوجب القود أم لا ؟ كما هو عادة
مذهبه خلافا للشافعي فقال له أبو عمرو
: ولو قتله بحجر المنجنيق ؟ فقال : ولو قتله بأبا قبيس
يعني الجبل المطل بمكة وقد اعتذروا عن أبي حنيفة أنه قال ذلك على لغة من يقول : إن
الكلمات الست المعربة بالحروف وهي أبوه وأخوه وحموه وهنوه وفوه وذو مال إعرابها
يكون في الأحوال الثلاث بالألف وأنشدوا في ذلك :
إن أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
انتهى
وبالجملة فمناقب الإمام لا تحصى ولا تعد ومعائبه وجروحه
غير مقبولة على المعتمد وما مثله في ذلك إلا كمثل خاتم أنبياء بني إسرائيل سيدنا
عيسى وخاتم الخلفاء الأربعة علي المرتضى حيث هلك فيهما محب مفرط ومبغض مفرط وكمثل
سعد حيث شكاه عند عمر أهل الكوفة في كل شيء حتى قالوا : إنه لا يحسن يصلي فبرأه
الله مما قالوا وهلكوا بدعائه المستجاب وخسروا كما لا يخفى على ناظر كتب الصحاح
والسنن المسانيد . ومن أراد الاطلاع على التفصيل في محاسنه فليرجع إلى كتب مناقبه
وغيرها فتندفع بها المعائب التي توهمها وفيما ذكرناه كفاية لأرباب الإنصاف وأما
أهل الاعتساف فهم مطروحون خامدون لا يليق أن يخاطب بهم أرباب الانتصاف ولا حاجة
لنا إلى أن نمدحه بمدائح كاذبة ومحاسن غير ثابتة كما ذكر جماعة من المحبين
المفرطين أنه تعلم منه الخضر على نبينا وE وأن
عيسى حين ينزل في زمن الدجال والإمام مهدي يحكمان بمذهبه وأنه بشر به رسول الله
صلى الله عليه و سلم بقوله : " يكون في أمتي رجل يكنى بأبي حنيفة ويسمى
بالنعمان ... " الحديث فإن أمثال هذه الأخبار كلها موضوعة وأشباه تلك المناقب
كلها مكذوبة كما حققه علي القاري في " المشرب الوردي بمذهب المهدي "
والسيوطي في " الإعلام بحكم عيسى عليه السلام " وابن حجر في "
الخيرات الحسان في مناقب النعمان
"
الفائدة
الحادية عشرة : [ أهمية رواية محمد وترجيحها على رواية يحيى المشهورة ]
- قد كثر الاعتماد على موطأ مالك برواية يحيى الأندلسي
الليثي المصمودي الذي شرحه الزرقاني وغيره ومر أنه المتبادر بالموطأ عند الإطلاق
واشتهر فيما بين الموطأ ( أي بين روايات الموطأ ) اشتهارا كثيرا في الآفاق وأكب عليه
العلماء ممن هو في عصرنا وكثير ممن سبقنا بتدريسه ومدوا إليه الأعناق وظن كثير
منهم أن الموطأ برواية محمد بن الحسن الشيباني ( اختلف العلماء في تسمية هذا
الكتاب فمنهم من قال موطأ محمد ومنهم من قال موطأ مالك برواية محمد بن حسن
الشيباني وهذا هو الأنسب عندي وقد حقق ذلك أخونا الدكتور الفاضل محمد بن علوي
المالكي الحسني في كتابه " أنوار المسالك إلى روايات موطأ مالك ص 172 "
طبع بدولة قطر ) ليست بذاك وأنها ليست معتبرة ولا داخلة في ما هنالك
والذي أقول طالبا الإنصاف من نقاد الفحول : أن الوجوه التي
تخطر بالأوهام باعثة على عدم الاعتماد عليه ( في الأصل : " إليه " والصواب :
" عليه " ) كلها غير مقبولة عند الأعلام بل له ترجيح على الموطأ برواية
يحيى وتفضيل علية لوجوه مقبولة عند أولي الإفهام
الأول : أن يحيى الأندلسي إنما سمع الموطأ بتمامه من بعض
تلامذة مالك وأما مالك فلم يسمعه عنه بتمامه بل بقي قدر منه وأما محمد فقد سمع منه
بتمامه كما مر فيما مر ومن المعلوم أن سماع الكل من مثل هذا الشيخ بلا واسطة أرجح
من سماعه بواسطة
الثاني : أنه قد مر أن يحيى الأندلسي حضر عند مالك في
سنة وفاته وكان حاضرا في تجهيزه وأن محمدا لازمه ثلاث سنين من حياته ومن المعلوم
أن رواية طويل الصحبة أقوى من رواية قليل الملازمة
الثالث
: أن موطأ يحيى اشتمل كثيرا على ذكر المسائل الفقهية
واجتهادات الإمام مالك المرضية وكثير من التراجم ليس فيه إلا ذكر اجتهاده
واستنباطه من دون إيراد خبر ولا أثر بخلاف موطأ محمد فإنه ليست فيه ترجمة باب ( في
الأصل : " الباب " والصواب : " باب " ) خالية عن رواية مطابقة لعنوان
الباب موقوفة كانت أو مرفوعة ومن المعلوم أن الكتاب المشتمل على نفس الأحاديث من
غير اختلاط الرأي أفضل من المخلوط بالرأي
الرابع : أن موطأ يحيى اشتمل على الأحاديث المروية من
طريق مالك لا غيره وموطأ محمد مع اشتماله عليه مشتمل على الأخبار المروية من شيوخ
أخر غيره ومن المعلوم أن المشتمل على الزيادة أفضل من العاري عن هذه الفائدة
الخامس : وهو بالنسبة إلى الحنفية خاصة أن موطأ يحيى
مشتمل كثيرا على اجتهاد مالك المخالفة لآراء أبي حنيفة وأصحابه وعلى الأحاديث التي
لم يعمل بها أبو حنيفة وأتباعهم بادعاء نسخ أو إجماع على خلافه أو إظهار خلل في
السند أو أرجحية غيره وغير ذلك من الوجوه التي ظهرت لهم فيتحير الناظر فيها ويبعث
ذلك العامي على ( في الأصل : " إلى " والصواب : " على " )
الطعن عليهم أو عليها بخلاف موطأ محمد فإنه مشتمل على ذكر الأحاديث التي عملوا بها
بعد ذكر ما لم يعملوا به ( في الأصل
: " بعد ما ذكر ما لم يعملوا بها " وهو خطأ )
كما لا يخفي على من طالع بحث رفع اليدين والقراءة خلف الإمام وغيرها . وهذا نافع
للعامي وللخاص أما العامي فيصير محفوظا عن سوء الظنون وأما الخاص فيبرز بتنقيد
أحاديث الطرفين الترجيح المكنون وستطلع في كتابي هذا إن شاء الله تعالى على ذكر
الترجيح في مواضعه فيما بين المذاهب المختلفة من دون الحمية حمية الجاهلية
فإن قلت : إن موطأ يحيى هو المتبادر ( في الأصل : "
هي المتبادرة " وهو خطأ ) من الموطأ عند الإطلاق وهذا آية ترجيحه على سائر الموطآت بخلاف
موطأ محمد فإنه لا يتبادر منه عند الإطلاق
قلت : يلزم منه ترجيح موطأ يحيى على موطأ القعنبي
والتنيسي أيضا وهما أثبت الناس في الموطأ عند ابن معين وابن المديني والنسائي
وموطأ معن بن عيسى أيضا وهو أثبت الناس في الموطأ عند أبي حاتم كما مر ذكره في
الفائدة السادسة وليس كذلك
فإن قلت موطأ يحيى هو المشهور ( في الأصل : " هي
المشهورة " وهو خطأ ) في الآفاق وموطأ محمد ليس كذلك
قلت : هذا لا يستلزم الترجيح في الشيء فإن وجه شهرته على
ما ذكره الزرقاني في شرحه أن يحيى لما رجع إلى الأندلس انتهت إليه رئاسة الفقه بها
وانتشر به المذهب وتفقه به من لا يحصى وعرض عليه القضاء فامتنع فعلت رتبته على القضاة
وقبل قوله عند السلطان فلا يولي أحدا قاضيا في أقطاره إلا بمشورته واختياره ولا
يشير إلا بأصحابه فأكب الناس عليه لبلوغ أغراضهم وهذا سبب اشتهار الموطأ بالمغرب
من روايته دون غيره . انتهى
فإن قلت : موطأ مالك برواية يحيى مشتمل على الأحاديث
التي من طريقه وموطأ محمد مشتمل عليه وعلى غيره فبهذا السبب موطأ يحيى صار مرجحا
على موطأ محمد
قلت : هذا يقتضي ترجيح موطأ محمد كما مر معنا ذكره وإنما
يصلح هذا سببا لتبادر موطأ يحيى عند الإطلاق بالموطأ بالنسبة إلى موطأ محمد لا
لترجيحه عليه
فإن قلت : يحيى الأندلسي ثقة فاضل ومحمد ليس كذلك
قلت : إن أريد به أنه لم يطعن على يحيى بشيء فهو غير
صحيح لما قال الزرقاني في ترجمته : فقيه ثقة قليل الحديث وله أوهام مات سنة أربع
وثلاثين ومائتين . انتهى . وإن أريد به أن الطعن عليه لا يقدح في وثاقته فكذلك محمد
لا يوجب طعن من طعن عليه تركه والجواب عن الطعن عليه كالجواب عن الطعن على شيخه
على أنه مر عن " الميزان " أنه كان من بحور العلم والفقه قويا في مالك :
فإن ثبت ضعفه عن غير مالك فلا يضر فيما هنالك
فإن قلت : كثير من شيوخ الأسانيد التي أوردها محمد ضعفاء
( في الأصل : " ضعيفة " وهو تحريف )
قلت : أما الأسانيد التي أوردها من طريق مالك فشيوخها هم
المذكورون في موطأ يحيى وغيره فلا يضر الكلام فيهم وأما التي أوردها من طريق غيره
فليس أن جميع رجالها ضعفاء بل أكثرهم ثقات أقوياء وكون بعضهم من الضعفاء لا يقدح في
المرام فإن هذا ليس أول قارورة كسرت في الإسلام ومن ادعى أن كلهم ضعفاء فليأت
بالشهداء
فإن قلت : جماعة من المتحدثين لا يعدون موطأ محمد في
عداد الموطآت ولا يعتمدون عليه كاعتمادهم على سائر الموطآت
قلت : إن كان ذلك لوجه وجيه فعلى الرأس والعين وإلا
فإيراد هذا الكلام خارج عن البين وهناك جماعة من المحدثين قد عدوه في عداد الموطآت
ونقدوا روايته كسائر الروايات
فإن قلت : كان يحيى وغيره من رواة الموطأ من المحدثين
ومحمد كان من أصحاب الرأي لا من المحدثين
قلت : ليس كذلك فإن لمحمد تصانيف عديدة في الفقه والحديث
منها : هذا الكتاب وكتاب الآثار وغيرهما ويحيى لم يشتهر له تأليف سوى هذا الموطأ وكلامنا
فيه لا في غيرهما ( في الأصل : " كلامنا فيهما لا في غيرهما " وهو خطأ )
وأما الطعن عليه بأنه كان من أصحاب الرأي فغير مقبول عند أرباب العقل وسلامة الرأي
كما مر ذكره عند ذكر شيخه
الفائدة
الثانية عشرة : في تعداد الأحاديث والآثار التي في موطأ الإمام محمد [ بالتفصيل ] :
- وقد اجتهدت في جمعها وسهرت في عدها فأن كان وقع فيه
الخطأ فأرجو من ربي العفو والعطاء
من ابتداء الكتاب إلى باب الأذان والتثويب مائة ( 100 )
بعضها من طريق مالك وبعضها عن غير مالك
أما من طريق مالك : فالمرفوعة اثنان وعشرون ( 22 ) وآثار
أبي هريرة رضي الله عنه أربعة ( 4 ) وآثار أنس رضي الله عنه ثلاثة ( 3 ) وأثر عبد
الله بن زيد رضي الله عنه واحد ( 1 ) وكذلك أثر عامر العدوي رضي الله عنه واحد ( 1
) وأثر
أبي بكر الصديق واحد ( 1 ) وأثر جابر رضي الله عنه واحد ( 1 ) وأثر صفية زوجة ابن
عمر واحد ( 1 ) وأثر زيد بن ثابت رضي الله عنه واحد ( 1 ) وأثر أبي بن كعب رضي الله عنه واحد (
1 ) وأثر زيد بن أسلم مولى عمر واحد
( 1 ) وأثر إبنة زيد بن ثابت واحد ( 1 ) وأثر أبي قتادة
رضي الله عنه واحد ( 1 ) وآثار عمر بن الخطاب رضي الله عنه سبعة ( 7 ) وآثار سعد بن أبي
وقاص رضي الله عنه اثنان ( 2 ) وآثار ابن عمر أحد عشر ( 11 ) وآثار عثمان اثنان ( 2 ) وآثار سعيد
بن المسيب ثلاثة ( 3 ) وآثار سالم بن عبد الله بن عمر اثنان ( 2 ) وآثار سليمان بن
يسار اثنان ( 2 ) وكذلك آثار عروة بن الزبير بن العوام اثنان ( 2 ) وآثار عائشة
رضي الله عنها خمسة ( 5 ) وجملتها خمسة وسبعون ( 75 )
وأما من غير طريق مالك فالمرفوعة أربعة ( 4 ) : من طريق أيوب
بن عتبة اليمامي واحد ( 1 ) وطريق الإمام أبي حنيفة ( 1 ) ومن طريق الربيع بن صبيع
( 1 ) وبلاغا ( 1 ) من غير ذكر السند . وآثار عبد الله بن العباس رضي الله عنه
أربعة ( 4 ) أيضا : من طريق طلحة المكي ( 1 ) وطريق إبراهيم المدني ( 1 ) وطريق
أبي العوام البصري ( 1 ) وطريق محمد بن أبان ( 1 ) وآثار علي بن أبي طالب رضي الله عنه
اثنان ( 2 ) : من طريق الإمام أبي حنيفة ( 1 ) وطريق مسعر بن كدام ( 1 ) . وآثار
عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ثلاثة ( 3 ) : من طريق أبي حنيفة ( 1 ) وطريق سلآم
بن سليم ( 1 ) وطريق أبي كدنية ( 1 ) وآثار حذيفة رضي الله عنه إثنان ( 2 ) من
طريق سلام ( 1 ) وطريق مسعر ( 1 ) وآثار إبراهيم النخعي اثنان : من طريق محل
الضبي ( 1 ) وطريق محمد بن أبان ( 1 ) . وكذلك آثار عائشة رضي الله عنه : اثنان ( 2 ) من طريق عباد بن
العوام ( 1 ) وبلا سند . وأثر ابن المسيب واحد ( 1 ) من طريق إبراهيم المديني .
وكذلك أثر عمار بن ياسر رضي الله عنه ( 1 ) من طريق مسعر وأثر سعد رضي الله عنه (
1 ) من طريق يحيى بن المهلب . وأثر أبي الدرداء رضي الله عنه من طريق إسماعيل بن
عياش وأثر مجاهد ( 1 ) من طريق سفيان الثوري . وأثر علقمة بن قيس من طريق سلام ( 1
) . وجملتها : خمسة وعشرون ( 25
)
ومن باب الأذان إلى باب الجلوس في الصلاة تسعة وستون (
69 )
أما من طريق مالك فالمرفوعة أربعة عشر ( 14 ) وآثار عمر
رضي الله عنه أربعة ( 4 ) وآثار ابن عمر رضي الله عنه ستة عشر ( 16 ) وآثار جابر
رضي الله عنه اثنان ( 2 ) وآثار أبي هريرة ثلاثة ( 3 ) وأثر عثمان رضي الله عنه واحد
( 1 ) وكذلك أثر عبد الله بن عمرو بن العاص ( 1 ) وأثر عائشة رضي الله عنها ( 1 )
وأثر كعب الأحبار ( 1 ) وأثر أبي بكر بن عبد الرحمن ( 1 ) . وجملتها أربعة وأربعون ( 44 )
وأما من غيره فالمرفوعة أربعة ( 4 ) : من طريق القاضي أبي يوسف ( 1 )
وطريق أبي حنيفة ( 1 ) وطريق أبي علي ( 1 ) وطريق إسرائيل ( 1 ) . وآثار علي رضي
الله عنه اثنان ( 2 ) : من طريق محمد بن أبان ( 1 ) ومن طريق أبي بكر النهشلي ( 1
) . وآثار ابن عمر رضي الله عنه أربعة ( 4 ) : من طريق ابن أبان ( 1 ) وطريق
عبيدالله العمري ( 1 ) وطريق عبد الرحمن المسعودي ( 1 ) وطريق أسامة المدني ( 1 ) .
وآثار ابن مسعود ستة ( 6 ) : من طريق الثوري اثنان ( 2 ) وطريق ابن عيينة ( 1 )
وطريق ابن أبان ( 1 ) وطريق محل الضبي ( 1 ) وبلا سند ( 1 ) . وأثر سعد رضي الله عنه
واحد ( 1 ) من طريق داود بن قيس . وكذلك أثر عمر رضي الله عنه من طريقه ( 1 ) .
وأثر زيد من طريقه ( 1 ) . وأثر أنس رضي الله عنه من طريق يحيى بن سعيد ( 1 ) .
وأثر القاسم بن محمد بن أبي بكر ( 1 ) من طريق أسامة . وأثر علقمة ( 1 ) من طريق بكير بن
عامر . وآثار إبراهيم النخعي ثلاثة ( 3
) : من طريق أبان ( 1 ) وطريق أبي يوسف ( 1 ) وطريق
إسرائيل ( 1 ) . وجملتها خمسة وعشرون ( 25 )
ومن باب الجلوس إلى باب وقت الجمعة ستة وسبعون ( 76 )
أما من طريق مالك فالمرفوعة ثمانية وعشرون ( 28 ) وآثار
ابن عمر اثنان وعشرون ( 22 ) وآثار عمر ستة ( 6 ) وأثر أم المؤمنين أم سلمة رضي
الله عنها واحد ( 1 ) وكذلك أثر أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها ( 1 ) وأثر معاذ
رضي الله عنه ( 1 ) وأثر أبي هريرة رضي الله عنه ( 1 ) وأثر عائشة رضي الله عنها (
1 ) وأثر زيد بن ثابت رضي الله عنه ( 1 ) وأثر أنس رضي الله عنه ( 1 ) وأثر أبي أيوب
رضي الله عنه ( 1 ) وأثر سالم ( 1 ) وأثر ابن المسيب ( 1 ) وجملتها ستة
وستون ( 66 )
وأما من غيره فالمرفوعة اثنان ( 2 ) : من طريق بشر أو
بسر أو محمد بن بشر ( 1 ) على اختلاف النسخ وطريق ابن أبان ( 1 ) . وآثار ابن عمر
ستة ( 6 ) : بلاغا ( 1 ) ومن طريق أبي حنيفة ( 1 ) وطريق عمر بن ذر ( 1 ) وطريق ابن أبان
( 1 ) وطريق خالد الضبي ( 1 ) وطريق الفضل بن غزوان ( 1 ) . وأثر عمر واحد ( 1 )
بلاغا . وكذلك أثر عروة ( 1 ) عن ابن عياش وجملتها عشرة ( 10 )
ومن باب وقت الجمعة لإلى باب أمر القبلة سبعون ( 70 )
أما من طريق مالك فالمرفوعة ثمانية عشرة ( 18 ) وآثار
عمر ثمانية ( 8 ) وآثىر عثمان ثلاثة ( 3 ) وآثار ابن عمرثلاثة ( 3 ) وآثار أبي
هريرة ثلاثة ( 3 ) وأثر علي واحد ( 1 ) وكذلك أثر أبي بكر ( 1 ) وأثر عبد الله بن
عامر بن ربيعة ( 1 ) وأثر مسعود ( 1 ) وأثر ابن عباس ( 1 ) وأثر بن الصامت رضي الله
عنه ( 1 ) وأثر كعب ( 1 ) وأثر الزهري ( 1 ) وآثار القاسم ثلاثة ( 3 ) وجملتها ستة
وخمسة ( 56 )
وأما من غير طريق مالك فالمرفوعة ثلاثة : بلا سند ( 1 )
ومن طريق أبي حنيفة ( 1 ) ومن طريق سعيد بن عروة ( 1 ) وآثار عمر اثنان ( 2 ) :
بلا سند ( 1 ) ومن طريق أبي حنيفة ( 1 ) وآثار ابن مسعود خمسة ( 5 ) : بلا سند ( 1
) ومن طريق عبد الرحمن المسعودي ( 1 ) ومن طريق أبي معاوية المكفوف ( 1 ) ومن طريق
أبي يوسف ( 1 ) ومن طريق سلام ( 1
) . وأثر ابن عمر ( 1 ) بلا سند . وكذلك أثر عمار ( 1 )
بلاغا . وأثار ابن عباس اثنان ( 2 ) : بلا سند ( 1 ) ومن طريق اسماعيل ( 1 ) .
وجملتها أربعة عشر ( 14 )
ومن باب القبلة إلى فضل الجهاد ثمانية عشر ( 18 )
اثنتا عشرة ( 12 ) مرفوعة من طريق مالك واثنان ( 2 ) من
أثار ابن عمر من طريقه وأثر عمر واحد ( 1 ) من طريقه وكذلك أثر زيد ( 1 )
والمرفوعة لمحمد اثنان ( 2 ) من طريق المبارك بن فضالة (
1 ) ومن طريق بكير ( 1 )
ومن باب فضل الجهاد إلى كتاب الزكاة سبعة وعشرون ( 27 )
فالمرفوعة تسعة ( 9 ) وآثار ابن عمر ثمانية ( 8 ) وأثر
أبي هريرة ثلاثة ( 3 ) وأثر أسماء زوجة أبي بكر واحد ( 1 ) وكذلك أثر عبد الله بن عمر
( 1 ) وأثر الخلفاء ( 1 ) وأثر عمر ( 1 ) وأثر عائشة ( 1 ) فهذه خمسة وعشرون (
25 ) كلها
من طريق مالك
وأثر أبي هريرة ( 1 ) وأثر علي ( 1 ) كلاهما بلاغا من
محمد
ومن كتاب الزكاة إلى أبواب الصيام ثلاثون ( 30 )
فالمرفوعة ستة ( 6 ) وآثار عثمان ثلاثة ( 3 ) وآثار ابن
عمر أربعة ( 4 ) وآثار عمر خمسة ( 5 ) وأثر أبي بكر رضي الله عنه واحد ( 1 )
وكذلك أثر عائشة ( 1 ) وأثر أبي هريرة ( 1 ) وأثر سليمان بن يسار ( 1 ) وأثر ابن المسيب
( 1 ) وأثر عمر بن عبد العزيز ( 1 ) وأثر ابن شهاب ( 1 ) فهذه خمسة وعشرون ( 25 )
كلها من طريق مالك
ولمحمد من المرفوعة ثلاثة ( 3 ) : اثنان ( 2 ) بلاغا
واحد ( 1 ) بلا سند . وأثر عمر اثنان ( 2 ) بلا سند
ومن كتاب الصيام إلى كتاب الحج تسعة وثلاثون ( 39 )
فالمرفوعة عشرون ( 20 ) وآثار أبي هريرة اثنان ( 2 )
وكذلك آثار عمر اثنان ( 2 ) وأثار ابن عمر ستة ( 6 ) وأثر سعد واحد ( 1 ) وكذلك أثر ابن
عباس ( 1 ) وأثر عثمان ( 1 ) وأثر عمرو بن العاص ( 1 ) وأثر الزهري ( 1 ) وأثر عروة ( 1 ) وأثر عائشة (
1 ) فهذه سبعة وثلاثون ( 37 ) من طريق مالك ولمحمد مرفوعان ( 2 ) بلاغا
ومن كتاب الحج إلى كتاب النكاح مائة وستة وسبعون ( 176 )
أما من طريق مالك فالمرفوعة تسعة وأربعون ( 49 ) وآثار
ابن عمر ثلاثة وخمسون ( 53 ) وأثرعمر أو ابن عمر على الشك من المؤلف واحد ( 1 )
وآثار عائشة ستة ( 6 ) وآثار عمر ثلاثة وعشرون ( 23 ) وآثار ابن عباس أربعة ( 4 ) وآثار ابن
المسيب ثلاثة ( 3 ) وأثر الضحاك بن قيس واحد ( 1 ) وكذا أثر سعد ( 1 ) وأثر عبد
الله بن عياش بن أبي ربيعة ( 1 ) وأثر سالم ( 1 ) وأثر خارجة بن زيد بن ثابت ( 1 )
وأثر عروة ( 1 ) وأثر نافع ( 1 ) وأثر عثمان ( 1 ) وأثر المسور بن مخرمة ( 1 ) وأثر أبي
أيوب ( 1 ) وأثر أبان بن عثمان ( 1 )
وأثر أبي الزبير المكي ( 1 ) وأثر أبي هريرة ( 1 ) وأثر
كعب الأحبار ( 1 ) وأثر الزبير بن العوام ( 1 ) وأثر ابنه عبد الله ( 1 ) وأثر
عمرة ( 1 ) وأثر علي ( 1 ) وأثر معاوية ( 1 ) وآثار القاسم ثلاثة ( 3 ) وجملتها مائة وواحد
وستون ( 161 )
وأما عن غير مالك فالمرفوعة عشرة ( 10 ) : ثلاثة ( 3 ) بلا سند
وستة ( 6 ) بلاغا وواحد ( 1 ) من طريق أبي يوسف وآثار عمر اثنان ( 2 ) بلا سند
وأثر علي واحد ( 1 ) بلا سند وكذلك أثر زيد ( 1 ) وأثر ابن مسعود ( 1 ) . جملتها
خمسة عشر ( 15 )
ومن كتاب النكاح إلى الطلاق ثمانية وثلاثون ( 38 )
أما من طريق مالك فالمرفوعة تسعة ( 9 ) وآثار زيد ثلاثة
( 3 ) وآثار عمر ستة ( 6 ) وأثر عثمان ( 1 ) وكذا أثر سعد ( 1 ) وأثر أبي أيوب ( 1
) وأثر علي ( 1 ) وأثر القاسم ( 1 ) وأثر عروة ( 1 ) وآثار ابن المسيب أربعة ( 4 ) وجملتها ثمانية
وعشرون ( 28 )
وأما عن غيره فالمرفوع واحد ( 1 ) من طريق أبي حنيفة .
وآثار عمر ثلاثة ( 3 ) : من طريق الحسن بن عمارة ( 1 ) وطريق محمد بن أبان ( 1 ) وطريق يزيد
بن عبد الهاد ( 1 ) . وأثر علي واحد
( 1 ) من طريق الحسن بن عمارة . وكذا أثر ابن مسعود ( 1
) من طريق أبي حنيفة . وأثر زيد بلاغا ( 1 ) . وأثر عمار بن ياسر ( 1 ) بلا سند .
وقول مسروق بلا سند ( 1 ) . وجملتها عشرة ( 10 )
ومن كتاب الطلاق إلى الرضاع ثمانون ( 80 )
فالمرفوعة ثمانية ( 8 ) وآثار ابن عمرسبعة عشر ( 17 )
وآثار عمر سبعة ( 7 ) وآثار عثمان أيضا سبعة ( 7 ) وآثار زيد أربعة ( 4 ) وكذا آثار
عائشة ( 4 ) وآثار ابن المسيب ( 4 ) وآثار أم المؤمنين حفصة ( 1 ) وكذا أثر رافع بن خديج
( 1 ) وأثر أبي هريرة ( 1 ) وأثر ابن عباس ( 1 ) وأثر عمرو بن العاص ( 1 ) وأثر علي (
1 ) وأثر صفية زوجة ابن عمر ( 1 ) وأثر مروان ( 1 ) وأثر القاسم ( 1 ) وأثر أبي
بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ( 1 ) وهذه كلها من طريق مالك . وجملتها واحد
وستون ( 61 )
ومن غير طريقه آثار عمر ثلاثة ( 3 ) : من طريق هشيم بن
بشير ( 1 ) ومن طريق أبي حنيفة ( 1
) وبلاغا ( 1 ) وآثار علي أربعة ( 4 ) : من طريق الحسن
بن عمارة ( 1 ) وطريق إبراهيم المكي ( 1 ) وطريق ابن عيينة ( 1 ) وبلا سند ( 1 ) .
وآثار ابن مسعود ثلاثة ( 3 ) : اثنان ( 2 ) من طريق أبي حنيفة وواحد ( 1 ) بلاغا . وآثار ابن عمر
اثنان ( 2 ) : بلا سند ( 1 ) ومن طريق عيسى الخياط ( 1 ) . وآثار عثمان اثنان ( 2 ) : من غير
سند ( 1 ) وبلاغا ( 1 ) . وكذا آثار ابن عباس بلا سند ( 1 ) وبلاغا ( 1 ) . وأثر
زيد واحد ( 1 ) بلاغا . وكذا أثر ثلاثة عشر من الصحابة من طريق عيسى الخياط . وأثر
ابن المسيب ( 1 ) من طريقه . وجعلتها تسعة عشرة ( 19 )
ومن كتاب الرضاع إلى الأضحية أربعة عشر ( 14 )
كلها من طريق مالك فالمرفوعة ثلاثة ( 3 ) وكذا آثار
عائشة ( 3 ) وأثر ابن عباس اثنان ( 2 ) وكذا آثار ابن المسيب ( 2 ) وأثر ابن عمر
واحد ( 1 ) وكذا أثر عروة ( 1 ) وحفصة ( 1 ) وعمر ( 1 )
وفي كتاب الأضحية والذبائح أربعة عشرة ( 14 )
أيضا كلها عن مالك فالمرفوعة ثمانية ( 8 ) وآثار ابن عمر
أربعة ( 4 ) وأثر أبي أيوب واحد ( 1 ) وكذا قول ابن المسيب ( 1 )
وفي كتاب الصيد والعقيقة اثنان وعشرون ( 22 )
المرفوعة ستة ( 6 ) وكذا آثار ابن عمر ( 6 ) وآثار فاطمة
بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم اثنان ( 2 ) وأثر عمر واحد ( 1 ) وكذا أثر ابن
المسيب ( 1 ) وأثر عبد الله بن عمرو ( 1 ) وأثر زيد ( 1 ) وأثر ابن عباس ( 1 ) وأثر أبي
هريرة ( 1 ) هذه من طريق مالك عشرون ( 20 )
وأثر علي واحد من طريق عبد الجبار ومرفوع من طريق أبي
حنيفة
وفي أبواب الديات والقسامة اثنان وعشرون ( 22 ) أيضا
فالمرفوعة سبعة ( 7 ) وآثار عمر أربعة ( 4 )
آثار ابن عباس اثنان ( 2 ) وآثار ابن المسيب ثلاثة ( 3 )
وآثار سليمان بن يسار اثنان ( 2 ) وأثر زيد واحد ( 1 ) وكذا قول ابن شهاب ( 1 )
هذه من طريق مالك عشرون ( 20 )
وأثر ابن مسعود ( 1 ) وأثر عمر كلاهما لمحمد بلا سند
وفي كتاب الحدود في السرقة ثلاثة عشر ( 13 )
فالمرفوعة أربعة ( 4 ) وأثر عمر ( 1 ) وعائشة ( 1 )
وعثمان ( 1 ) وأبي بكر الصديق ( 1 ) وابن عمر ( 1 ) وزيد واحد ( 1 ) هذه من طريق
مالك عشرة ( 10 )
وآثار عمر وعلي وأبي بكر ( 3 ) وبلاغا لمحمد
وفي أبواب الحدود في الزنا ثلاثة وعشرون ( 23 )
فالمرفوعة ثمانية ( 8 ) وآثار عمر ستة ( 6 ) وآثار عثمان
اثنان ( 2 ) وآثار أبي بكر ( 1 ) وابن عامر أو عمر ( 1 ) على اختلاف النسخ وأثر علي (
1 ) وأثر
عبد الملك بن مروان ( 1 ) وأثر عمر بن عبد العزيز ( 1 ) وقول ابن شهاب واحد ( 1 )
هذه اثنان وعشرون من طريق مالك
وأثر علي لمحمد بلا سند ( 1 )
وفي أبواب الأشربة ثلاثة عشر ( 13 )
كلهاعن مالك فالمرفوعة سبعة ( 7 ) وآثار عمر ثلاثة ( 3 )
وأثر علي ( 1 ) وابن عمر ( 1 ) وأنس واحد ( 1 )
وفي أبواب الفرائض والوصايا ثلاثة وعشرون ( 23 )
فالمرفوعة خمسة ( 5 ) وآثار عمر ستة ( 6 ) وأثر عثمان واحد ( 1 ) وكذا أثر أبان بن
عثمان ( 1 ) وأثر علي بن حسين ( 1 ) وأبي بكر ( 1 ) وقول سعيد بن المسيب ( 1 ) هذه ستة
عشر من طريق مالك
وآثار عمر وعلي وابن مسعود لمحمد بلا سند ( 3 ) وكذا
آثار أبي بكر وابن عباس وقول ابن شهاب ( 3 ) ومرفوع له بلا سند ( 1 )
وفي أبواب الأيمان والنذور عشرون ( 20 )
فالمرفوعة أربعة ( 4 ) وكذا آثار ابن عمر ( 4 ) وآثار
عائشة اثنان ( 2 ) وكذا آثار ابن عباس ( 2 ) وآثار ابن المسيب وابن يسار وعطاء بن
أبي رباح كل منها واحد ( 1 ) هذة عن مالك خمسة عشر ( 15 )
وآثار عمر لمحمد ثلاثة ( 3 ) : من طريق سلام ( 1 ) ويونس ( 1 )
وسفيان ( 1 ) . أثر مجاهد واحد ( 1
) من طريق سفيان . وكذا أثر علي من طريق شعبة ( 1 )
ومن كتاب البيوع إلى باب القضاء ستون ( 60 )
فمن طريق مالك المرفوعة ثلاثة وعشرون ( 23 ) وآثار عمر
أربعة ( 4 ) وآثار ابن عمر ثلاثة ( 3 ) وكذا آثار عثمان ثلاثة ( 3 ) وآثار ابن
المسيب خمسة ( 5 ) وآثار زيد اثنان ( 2 ) وأثر عبد الرحمن بن عبد يغوث واحد ( 1 )
وكذا أثر سعد ( 1 ) وأثر علي ( 1 ) وأثر عمرة ( 1 ) وأثر القاسم ( 1 ) واثر محمد
بن عمرو بن حزم ( 1 ) وأثر أبان ( 1 ) وأثر هشام بن اسماعيل ( 1 ) وأثر سليمان بن
يسار ( 1 ) وأثر عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - ( 1 ) هذه خمسون
ومن طريقه المرفوع اثنان ( 2 ) بلا سند وأثر ابن عباس (
1 ) بلا سند وكذا أثر الحسن البصري ( 1 ) وقول عمر ( 1 ) وقول ابن عمر ( 1 ) وقول سعيد
بن جبير ( 1 ) وأثر زيد ( 1 ) وأثر عمر من طريق يونس ( 1 ) وأثر علي من طريق ابن
أبي ذئب ( 1 )
ومن باب القضاء إلى أبواب العتق ثمانية وثلاثون ( 38 )
فالمرفوعة خمسة عشر ( 15 ) وآثار عمر - رضي الله عنه -
تسعة ( 9 ) وآثار ابن عمر ثلاثة ( 3 ) وآثار ابن المسيب ستة ( 6 ) وأثر أبي بكر
الصديق واحد ( 1 ) وكذا أثر عثمان ( 1 ) وأثر رافع بن خديج رضي الله عنه ( 1 )
هذه ستة وثلاثون ( 36 ) من طريق مالك
وأثر شريح لمحمد بلاغا ( 1 ) أثر ابن جبير ( 1 ) بلا سند
ومن أبواب العتق إلى أبواب السير اثنان وثلاثون ( 32 )
فالمرفوعة سبعة ( 7 ) وآثار عائشة اثنان ( 2 ) وكذا آثار
عمر ( 2 ) وآثار عثمان ( 2 ) وآثار ابن المسيب ( 2 ) وآثار ابن عمر ثلاثة ( 3 )
وأثر الصديق واحد ( 1 ) وكذا أثر أم سلمة ( 1 ) وأثر مروان ( 1 ) وأثر زيد ( 1 )
وأثر عروة ( 1 ) وأثر عبد الملك بن مروان ( 1 ) وأثر سليمان بن يسار ( 1 ) هذة خمسة
وعشرون ( 25 ) من طريق مالك
والمرفوعة لمحمد اثنان ( 2 ) بلاغا واحد ( 1 ) ومن طريق
عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى ( 1 ) وأثر ابن عباس واحد ( 1 ) بلاغا وكذا أثر
زيد ( 1 ) بلا سند وأثر ابن عمر ( 1 ) بلا سند وأثر ابن شهاب ( 1 ) وأثر عطاء ( 1 )
ومن أبواب السير إلى آخر الكتاب مائة وثلاثة وستون ( 163 )
فالمرفوعة اثنان وتسعون ( 92 ) وآثار ابن عباس أربعة ( 4
) وآثار عمر أربعة عشر ( 14 ) وآثارابنه أحد عشر ( 11 ) وآثار عثمان اثنان ( 2 )
وكذا آثار الصديق ( 2 ) وآثار عمر بن عبد العزيز ( 2 ) وآثار ابن المسيب ثمانية ( 8 ) وآثار عائشة
خمسة ( 5 ) وأثر علي واحد ( 1 ) وكذا أثر سعد ( 1 ) وأثر أبي هريرة ( 1 ) وأثر زيد
( 1 ) وأثر أبي طلحة ( 1 ) وأثر سهل بن حنيف ( 1 ) وأثر أبي أيوب ( 1 ) وأثر عبد الرحمن
بن يغوث ( 1 ) وأثر عامر ( 1 ) وأثر جمع من الصحابة لم يسموا ( 1 ) وأثر عمر بن
عبد الله ( 1 ) وأثر سيدنا عيسى على نبينا وعليه السلام ( 1 ) وأثر أبي الدرداء (
1 ) وأثر حفصة ( 1 ) وأثر القاسم ( 1 ) وأثر مالك الأصبحي ( 1 ) هذه كلها من طريق
مالك مائة وستة وخمسون ( 156 )
وأثر زيد من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد ( في الأصل :
( الرتاد ) وهو تحريف ) ( 1 ) . وأثر ابن مسعود ( 1 ) من طريق الثوري . وأثر عمر (
1 ) بلاغا . وأثر سعيد بن جبير كذلك ومرفوع ( 1 ) كذلك وأثر ابن مسعود ( 1 ) بلا
سند وكذلك أثر ابن عمر ( 1 )
فجميع ما في هذا الكتاب من الأحاديث المرفوعة والآثار
الموقوفة على الصحابة ومن بعدهم مسندة كانت أو غير مسندة ألف ومائة وثمانون ( 1180
) منها عن مالك ألف وخمسة ( 1005 ) وبغير طريقه مائة وخمسة وسبعون ( 175 ) منها عن
أبي حنيفة ثلاثة عشر ( 13 ) ومن طريق أبي يوسف أربعة ( 4 ) والباقي عن غيرهما
وليعلم أني أدخلت في هذا التعداد كل ما في هذا الكتاب من
الأخبار والآثار سواء كانت مسندة أو غير مسندة بلاغية أو غير بلاغية وكثيرا ما تجد
فيه آثارا متعددة عن رجل واحد أو عن رجال الصحابة وغيرهم بسند واحد وتجد أيضا كثيرا
المرفوع والآثار بسند واحد فذكرت في هذا التعداد كل واحد على حدة فليحفظ ذلك
الفائدة الثالثة عشر : في عادات الإمام محمد في هذا
الكتاب وآدابه :
منها : أنه يذكر ترجمة الباب ويذكر متصلا به رواية عن
الإمام مالك موقوفة كانت أو مرفوعة
ومنها : أنه لا يذكر في صدر العنوان إلا لفظ الكتاب أو
الباب وقد يذكر لفظ الأبواب وليس فيه في موضع لفظ الفصل إلا في موضع اختلفت فيه
النسخ ولعله من أرباب النسخ
ومنها : أنه يذكر بعد ذكر الحديث أو الأحاديث مشيرا إلى
ما أفادته : وبهذا نأخذ أو به نأخذ ويذكر بعده تفصيلا ما وقد يكتفي على أحدهما
ومثل هذا دال على اختياره والإفتاء به ( في الأصل : " عليه " وهو تحريف )
كما قال السيد أحمد الحموي في " حواشي الأشباه
والنظائر " في جامع المضطرات والمشكلات : أما العلامات المعلمة على الفتوى
فقوله : وعليه الفتوى وبه يفتى وبه يعتمد وبه نأخذ وعليه الاعتماد وعليه عمل الأمة
وعليه العمل اليوم وهو الصحيح وهو الأصح وهو الظاهر وهو الأظهر وهو المختار في زماننا
وفتوى مشائخنا وهو الأشبه وهو الأوجه . انتهى
ومنها : أنه ينبه على ما يخالف مسلكه مما ( في الأصل :
" ما " والظاهر : " مما " ) أفادته روايته عن مالك ويذكر سند
مذهبه من غير طريق مالك
ومنها : أنه لا يكتفي فيما يرويه عن غير مالك على شيخ
معين كالإمام أبي حنيفة بل يسند عنه وعن غيره وعادته في " كتاب الآثار "
أنه يسند كثيرا عن أبي حنيفة وعن غيره قليلا
ومنها : أنه لا يقول في روايته عن شيوخه إلا أخبرنا لا
سمعت ولا حدثنا ولا غير ذلك والشائع في اصطلاح المتأخرين الفرق بين حدثنا وأخبرنا بأن
الأول خاص بما سمع من لفظ الشيخ كسمعت والثاني بما إذا قرأه بنفسه على الشيخ . قيل
: هو مذهب الأوزاعي والشافعي ومسلم والنسائي وغيرهم وعند جمع هما على نهج واحد وهو
مذهب الحجازيين والكوفيين ومالك وابن عيينة والبخاري وغيرهم كذا في شروح شرح
النخبة وتفصيل هذا البحث ليطلب من رسالتي " ظفر الأماني "
ومنها : أنه يذكر بعد ذكر مختاره موافقة مع شيخه بقوله :
وهو قول أبي حنيفة إلا نادرا فيما خالفه فيه أبو حنيفة
ومنها : أنه يذكر كثيرا بعد قول أبي حنيفة والعامة من
فقهائنا ويريد بالفقهاء فقهاء العراق والكوفة والعامة يستعمل في استعمالهم بمعنى
الأكثر قال ابن الهمام في " فتح القدير " في بحث إدراك الجماعة : ذهب
جماعة من أهل العربية إلى أن العامة بمعنى الأكثر وفيه خلاف وذكر المشائخ أنه
المراد في قولهم : قال به عامة المشائخ ونحوه . انتهى
والظاهر أنه لا يريد في كل موضع من هذا اللفظ معنى
الأكثر بل يريد به معنى الجماعة والطائفة فإن بعض المواضع التي وسمه به ليس بمسلك
للأكثر
ومنها : أنه قد يصرح بذكر مذهب إبراهيم النخعي أيضا
لكونه مدار مسلك الحنفية
قال المحدث الدهلوي مؤلف " حجة الله البالغة "
وغيره في رسالته " الإنصاف في بيان سبب الاختلاف " ( ص 11 ) : ولعمري
إنها حقيقة بما سميت به ومن طالعها بنظر صحيح خرج عن اعتسافه إذا اختلفت مذاهب
الصحابة والتابعين في مسألة فالمختار عند كل عالم مذهب أهل بلده وشيوخه لأنه أعرف
في الصحيح من أقاويلهم في السقيم . فمذهب عمر وعثمان وابن عمر وابن عباس وزيد بن
ثابت وأصحابهم مثل سعيد بن المسيب - فإن هكان أحفظهم لقضايا عمر وحديث أبي هريرة وسالم
وعكرمة وعظاء وأمثالهم - أحق بالأخذ من غيره عند أهل المدينة . ومذهب عبد الله بن مسعود وأصحابه
وقضايا علي وشريح والشعبي وفتاوى إبراهيم النخعي أحق بالأخذ عند أهل الكوفة من
غيره . فإن اتفق أهل البلد على شيء أخذوا عليه بنواجذهم وهو الذي يقول في مثله
مالك : السنة التي لا اختلاف فيها عندنا كذا وإن اختلفوا أخذوا بأقواها وأرجحها .
انتهى كلامه ملخصا
وقال أيضا في تلك الرسالة ( الإنصاف في بيان سبب
الاختلاف : ص 13 ) : كان مالك أعلمهم بقضايا عمر وعبد الله بن عمر وعائشة وأصحابهم
من الفقهاء السبعة وكان أبو حنيفة ألزمهم بمذهب إبراهيم حتى لا يجاوزه إلا ما شاء
الله . وكان عظيم الشأن في التخريج على مذهبه دقيق النظر في وجوه التخريجات مقبلا
على الفروع أتم إقبال وإن شئت أن تعلم حقيقة ما قلنا فلخص أقوال النخعي من كتاب
" كتاب الآثار " لمحمد و " جامع " عبد الرزاق و " مصنف " ابن أبي
شيبة ثم قايسه بمذهبه تجده لا يفارق تلك المحجة إلا في مواضع يسيرة وهو في تلك
اليسيرة أيضا لا يخرج عما ذهب إليه فقهاء الكوفة وكان أشهر أصحابه أبو يوسف . تولى
قضاء القضاة أيام هارون الرشيد فكان سببا لظهور مذهبه والقضاء به في أقطار العراق
وخرسان وما وراء النهر وكان أحسنهم تصنيفا وألزمهم درسا محمد بن الحسن وكان من
خبره أنه تفقه بأبي حنيفة وأبي يوسف ثم خرج إلى المدينة فقرأ الموطأ على مالك ثم رجع
إلى نفسه فطبق مذهب أصحابه على الموطأ مسألة مسألة فإن وافق فيها وإلا فإن رأى
طائفة من الصحابة والتابعين ذاهبين إلى مذهب أصحابه فكذلك وإن وجد قياسا ضعيفا أو تخريجا
لينا يخالفه حديث صحيح مما عمل به الفقهاء ويخالفه عمل أكثر العلماء تركه إلى مذهب
من مذاهب السلف مما يراه أرجح مما هنالك وهما لا يزالان على محجة إبراهيم ما أمكن
كما كان أبو حنيفة يفعل ذلك وإنما كان اختلافهم في أحد شيئين : إما أن يكون
لشيخهما تخريج على مذهب إبراهيم يزاحمانه فيه أو يكون هناك لإبراهيم ونظرائه أقوال
مختلفة يخالفان في ترجيح بعضها على بعض فصنف محمد وجمع رأي هؤلاء الثلاثة . ونفع
كثيرا من الناس فتوجه أصحاب أبي حنيفة إلى تلك التصانيف تلخيصا وتقريبا وتخريجا
وتأسيسا واستدلالا ثم تفرقوا إلى خرسان وما وراء النهر فسمي ذلك مذهب أبي حنيفة
وإنما عد مذهب أبي يوسف ومحمد واحدا مع أنهما مجتهدان مطلقان لأن مخالفتهما غير
قليلة في الأصول والفروع لتوافقهم في هذا الأصل . . ولتدوين مذهبهم حميعا في " المبسوط
" و " الجامع الكبير " . انتهى كلامه ملتقطا
ومنها : أنه لا يذكر في هذا الكتاب وكذا في " كتاب
الآثار " مذهب صاحبه أبي يوسف لا موافقا ولا مخالفا فإياك أن تفهم باقتصاره
على ذكر مذهبه ومذهب شيخه على سبيل مفهوم المخالفة مخالفته كما فهمه القاري في بعض
رسائله على ما ستطلع عليه في موضعه أو بناء على أنه لو كان مخالفا لذكره موافقته
وعادته في " الجامع الصغير " وغيره من تصانيفه بخلافه
ومنها : أن كثيرا ما يقول : هذا حسن أو جميل أو مستحسن
وأمثال ذلك ويريد به معنى أعم مقابل الواجب بقرينة أنه يقول في بعض مواضعه : هذا
حسن وليس بواجب فيشمل السنة المؤكدة وغير المؤكدة فإياك أن تفهم في كل أمر وسمه به
استحبابه وعدم سنيته
ومنها : أنه قد يقول في بعض السنن : لفظة ( لا بأس ) كما
في بحث التراويح وغيره ويريد به نفس الجواز لا غيره وهو عند المتأخرين مستعمل
غالبا في المكروه تنزيها فإياك أن لا تفرق بين الاستعمالين وتقع في الشين
ومنها : أنه كثيرا ما يقول : ينبغي كذا وكذا فلا تفهم
منه نظرا إلى استعمالات المتأخرين أن كل أمر صدره به مستحب ليس بسنة ولا واجب فإن
هذه ( في الأصل : " هذا " وهو خطأ ) اللفظة تستعمل في عرف القدماء في
المعنى الأعم الشامل للسنة المؤكدة والواجب ومن ثم لما قال القدوري في مختصره :
ينبغي للناس أن يلتمسوا الهلال في اليوم التاسع والعشرين أي من شعبان فسره ابن
الهمام بقوله : أي يجب عليهم وهو واجب على الكفاية . انتهى
وقال ابن عابدين الشامي في " رد المحتار "
حاشية الدر المختار في كتاب الجهاد : المشهور عند المتأخرين استعمال ينبغي بمعنى
يندب ولا ينبغي بمعنى يكره تنزيها وإن كان في عرف المتقدمين استعماله في أعم من
ذلك وهو في القرآن كثير لقوله تعالى : { ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من
أولياء } ( سورة الفرقان : آية 25
) . وقال في " المصباح " : ينبغي أن يكون كذا
وكذا معناه يجب أو يندب بحسب ما فيه من الطلب . انتهى كلامه
ومنها : أنه قد يذكر مذهب شيخه مالك أيضا موافقا أو
مخالفا ومذاهب الصحابة مسندة أو غير مسندة
ومنها : أنه يطلق لفظ الأثر ويريد معنى أعم شاملا للحديث
المرفوع والموقوف على الصحابة ومن بعدهم وهو كذلك في عرف القدماء وخصه بعض من
خلفهم بالموقوف وهو مشهور عند متأخري الفقهاء كما حققه النووي في " المنهاج
شرح صحيح مسلم بن الحجاج " وفصلته أنا في " ظفر الأماني بشرح المختصر
المنسوب إلى الجرجاني " وفقني الله لختمته كما وفقني لبدئه
ومنها : أنه يذكر بعض الآثار والأخبار غير مسندة ويصدر
بعضها بقوله : بلغنا وقد ذكروا كما في "
رد المحتار " وغيره أن بلاغاته مسندة
خاتمة
:
- ليس في هذا الكتاب حديث موضوع نعم فيه ضعاف أكثرها
يسيرة الضعف المنجبر بكثرة الطرق وبعضها شديدة الضعف لكنه غير مضر أيضا لورود مثل
ذلك في صحاح الطرق وستطلع على جميع ذلك إن شاء الله تعالى في مواضعها . هذا آخر
المقدمة ومن الله أرجو حسن الخاتمة وعيش الدنيا والآخرة والحمد لله رب العالمين والصلاة
على رسوله محمد وآله وصحبه أجمعين
أبواب الصلاة
بسم الله
الرحمن الرحيم ( 1 )
_________
( 1 ) قوله : بسم الله الرحمن الرحيم مقتصرا عليها كأكثر
المتقدمين دون الحمد والشهادة مع ورود قوله صلى الله عليه و سلم : " كل أمر
ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله أقطع " وقوله : " كل خطبة ليس فيها شهادة
فهي كاليد الجذماء " أخرجهما أبو داود ( انظر سنن أبي داود . كتاب الأدب 4 /
261 ) وغيره من حديث أبي هريرة . قال الحافظ ( فتح الباري 1 / 8 ) : لأن
الحديثين في كل منهما مقال سلمنا صلاحتهما للحجة . لكن ليس فيهما أن ذلك متعين بالنطق
والكتابة معا فلعله حمد وتشهد نطقا عند وضع الكتاب ولم يكتب ذلك اقتصارا على
البسملة لأن القدر الذي يجمع الأمور الثلاثة ذكر الله وقد حصل بها ويؤيده أن أول
شيء نزل من القرآن : { اقرأ باسم ربك } ( سورة العلق : آية 1 ) . فطريق التأسي به الافتتاح
بالبسملة والاقتصار عليها . ويؤيده أيضا وقوع كتب النبي صلى الله عليه و سلم إلى
الملوك وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون الحمدلة وغيرها . هذا من " شرح
موطأ مالك " ( 1 / 10 . وفي بعض النسخ بعد التسمية : " أبواب الصلاة "
فأثبتناه في العنوان ) للزرقاني محمد بن عبد الباقي المالكي
1 - ( باب ( 1 ) وقوت الصلاة ) ( 2 )
1 - قال محمد بن الحسن : أخبرنا مالك بن أنس عن يزيد ( 3 ) بن زياد
مولى بني هاشم عن عبد الله ( 4 ) بن رافع مولى أم سلمة ( 5 ) رضي الله عنها زوج ( 6 ) النبي صلى
الله عليه و سلم عن أبي هريرة ( 7 ) أنه ( 8 ) سأله عن وقت الصلاة ( 9 ) فقال أبو
هريرة ( 10 ) أنا أخبرك : صل الظهر ( 11 ) إذا كان ظلك مثلك ( 12 ) والعصر ( 13 )
إذا كان ظلك مثليك والمغرب إذا غربت الشمس ( 14 ) والعشاء ما بينك ( 15 ) وبين ثلث
الليل ( 16 ) فإن نمت إلى نصف الليل فلا نامت عيناك ( 17 ) وصل ( 18 ) الصبح بغلس
( 19 )
قال محمد : هذا قول أبي حنيفة رحمه الله ( 20 ) في وقت
العصر وكان يرى الإسفار في الفجر
( 21 ) وأما في قولنا فإنا نقول : إذا زاد الظل على
المثل فصار مثل الشيء وزيادة ( 22 ) من حين زالت الشمس فقد دخل ( 23 ) وقت العصر .
وأما أبو حنيفة فإنه قال ( 24 ) : لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل مثليه ( 25 )
_________
( 1 ) قدمه لأنها أصل في وجوب الصلاة فإذا دخل الوقت وجب
الوضوء وغيره قاله الزرقاني ( 1 / 11
)
( 2 ) قوله : وقوت الصلاة في رواية ابن بكير أوقات جمع
قلة وهو أظهر لكونها خمسة : لكن وجه رواية الأكثرين وقوت جمع كثرة وإنها وإن كانت
خمسة لكن لتكرارها كل يوم صارب كأنها كثيرة كقولهم شموس وأقمار ولأن الصلاة فرضت خمسين
وثوابها كثواب الخمسين ولأن كل واحد من الجمعين قد يقوم مصام الآخر توسعا أو
لأنهما يشتركان في المبدأ من ثلاثة ويفترقان في الغاية على ما ذهب إليه بعض
المحققين أو لأن لكل صلاة ثلاثة أوقات : اختباري وضروري وقضاء . قاله الزرقاني (
1 / 11 )
( 3 ) قوله : عن يزيد قال ابن حجر في " تقريب
التهذيب " ( 2 / 364 ) : يزيد بن زياد أو ابن أبي زياد قد ينسب إلى جده مولى
بني مخزوم مدني ثقة
( 4 ) قوله عن عبد الله قال ابن حجر ( تقريب التهذيب 1 /
413 ) : عبد الله بن رافع المخزومي أبو رافع المدني مولى أم سلمة ثقة
( 5 ) قوله : مولى أم سلمة هي هند بنت أبي أمية واسمه
حذيفة القرشية المخزومية تزوجها رسول الله صلى الله عليه و سلم عقب وقعة بدر وماتت
في شوال سنة 62 ، كذا في " إسعاف السيوطي " ( ص 50 )
( 6 ) قوله زوج النبي ... إلخ الزوج : البعل والمرأة
أيضا ومنه قوله تعالى : { اسكن أنت وزوجك الجنة } ( سورة البقرة : آية 35 ) وقوله
تعالى : { قل لأزواجك } ( سورة الأحزاب : آية 28 ) . كذا في جواهر القرآن لمحمد بن أبي
بكر الرازي
( 7 ) قوله : عن أبي هريرة هو حافظ الصحابة اختلف في
اسمه واسم أبيه على أقوال كثيرة أرجحها عند الأكثر عبد الرحمن بن صخر مات سنة 59
هـ وقيل : قبلها بسنة أو سنتين كذا في " التقريب " ( 2 / 484 )
( 8 ) أي أن أبا رافع سأل أبا هريرة
( 9 ) الواحدة أو الجنس
( 10 ) قوله : فقال أبو هريرة ... إلخ هذا الحديث موقوف
( الموقوف من الحديث مايروى عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم أو أفعالهم أو
تقريرهم . وسمي موقوفا لأنه وقف عليهم ولم يتجاوزهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم
( قال ابن عبد البر بعدما ذكر أثر أبي هريرة المذكور
وفقه رواة الموطأ والمواقيت لا تؤخذ بالرأي ولا تدرك إلا بالتوقيف . يعني فهو
موقوف لفظا مرفوع حكما . أماني الأحبار 2 / 275 ) . من رواية مالك عن أبي هريرة
وقد ذكر عنه مرفوعا ( المرفوع من الحديث : ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم
من أقواله أو أفعاله أو تقريره ) في " التمهيد " . واقتصر فيه على ذكر أواخر
الأوقات المستحبة دون أوائلها فكأنه قال : الظهر من الزوال إلى أن يكون ظلك مثلك
والعصر من ذلك الوقت إلى أن يكون ظلك مثليك وجعل للمغرب وقتا واحدا وذكر من العشاء
أيضا آخر الوقت المستحب كذا في " الاستذكار " ( 1 / 69 ) لابن عبد البر المالكي
( 11 ) قوله صل الظهر ... . إلخ أجمع علماء المسلمين على
أن أول وقت صلاة الظهر زوال الشمس عن كبد السماء ووسط الفلك إذا استوقن ذلك في
الأرض بالتأمل واختلفوا في آخر وقت الظهر فقال مالك وأصحابه : أخر وقت الظهر إذا
كان ظل كل شيء مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس وهو أول وقت العصر بلا فصل .
وبذلك قال ابن المبارك وجماعة .
وفي الأحاديث الواردة بإمامة جبريل ما يوضح لك أن آخر
وقت الظهر هو أول وقت العصر وقال الشافعي وأبو ثور وداود : آخر وقت الظهر إذا كان
ظل كل شيء مثله إلا أن بين آخر وقت الظهر وأول وقت العصر فاصلة وهو أن يزيد الظل
أدنى زيادة على المثل وقال الحسن بن صالح بن حي والثوري وأبو يوسف ومحمد وأحمد بن
حنبل وإسحاق بن راهويه ومحمد بن جرير الطبري : آخر وقت الظهر إذا كان ظل كل شيء
مثله ثم يدخل وقت العصر ولم يذكروا فاصلة
وقال أبو حنيفة : آخر وقت الظهر حين يصير ظل كل شيء
مثليه . وخالفه أصحابه في ذلك وذكر الطحاوي رواية أخرى عنه أنه قال : آخر وقت
الظهر أن يصير ظل كل شيء مثله مثل قول الجماعة ولا يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل
شيء مثليه وهذا لم يتابع عليه
وأما أول وقت العصر فقد تبين من قول مالك ما ذكرناه فيه ومن
قول الشافعي ومن تابعه ما وصفناه وقال أبو حنيفة : أول وقت العصر من حين يصير الظل
مثلين وهذا خلاف الآثار ( حديث أبي هريرة المذكور في الباب صريح فيما ذهب إليه
الإمام الأعظم أبي حنيفة - رضي الله عنه - في ظاهر الرواية عنه أنه يخرج وقت الظهر
ويدخل وقت العصر بالمثلين وبهذا الأثر استدل الإمام محمد على مسلك الإمام لأنه أمر
بصلاة الظهر إذا تحقق المثل والعصر إذا صار المثلان فما قال صاحب " الاستذكار
" أنه اقتصر على أواخر الأوقات تأويل لتاييد مذهبه وتوهم من نقله من الحنفيه
في شرح كلام محمد رحمه الله تعالى فإنه يخالف صريح قول الإمام محمد ويكون من تأويل
الكلام بما لا يرضى به قائله . أوجز المسالك 1 / 159 ) وخلاف الجمهور وهو قول عند الفقهاء
من أصحابه وغيرهم مهجور
واختلفوا في آخر وقت العصر فقال مالك : آخره حين يصير
ظل كل شيء مثليه وهو عندنا محمول على وقت الاختيار وما دامت الشمس بيضاء نقية فهو
وقت مختار أيضا للعصر عنده وعند سائر العلماء
وقال ابن وهب عن مالك : الظهر والعصر آخر وقتهما غروب
الشمس وهذا كله لأهل الضرورة كالحائض تطهر . وقال أبو يوسف ومحمد : وقت العصر إذا
صار ظل كل شيء مثله إلى أن تتغير الشمس وقال أبو ثور : إلى أن تصفر الشمس وهو قول
أحمد بن حنبل وقال إسحاق : آخر وقته أن يدرك المصلي منها ركعة قبل الغروب وهو قول
داود لكل الناس معذور وغير معذور
واختلفوا في آخر وقت المغرب بعدما اتفقوا على أن أول
وقتها غروب الشمس فالظاهر من قول مالك أنه عند مغيب الشفق وبهذا قال أبو حنيفة
ومحمد وأبو يوسف والحسن بن صالح وأبو ثور والشفق عندهم الحمرة . وقال الشافعي في
وقت المغرب قولين أحدهما : أنه ممدود إلى مغيب الشفق والثاني : أن وقتها وقت واحد
في حالة الاختيار . وأجمعوا على أن أول وقت العشاء مغيب الشفق واختلفوا في آخر
وقتها فالمشهور من مذهب مالك لغير أصحاب الضرورات ثلث الليل وقال أبو حنيفة
وأصحابه : لا تفوت إلا بطلوع الفجر
وأجمعوا على أن أول وقت الصبح طلوع الفجر وانصداعه وهو
البياض المعترض في الأفق الشرقي . وروى القاسم
عن مالك أن آخر وقتها الإسفار وقال ابن وهب عن مالك :
آخر وقتها طلوع الشمس وهو قول الثوري والجماعة إلا أن منهم من شرط إدراك ركعة منها
قبل الطلوع . هذا ملخص من الاستذكار ( 1 / 26 ، 46 ) شرح الموطأ لابن عبد البر رحمه
الله
( 12 ) قوله : إذا كان ظلك مثلك قال الزرقاني ( شرح الزرقاني
: 1 / 23 ) : أي مثل ظلك يعني قريبا منه بغير فيء الزوال . انتهى . ووجه تفسيره أنه
إذا كان الظل مثلا يخرج وقت الظهر فلذا فسره بالقرب وهذا الوقت هو الذي صلى فيه
النبي صلى الله عليه و سلم بجبريل في اليوم الثاني من يومي إمامته وصلى في ذلك
اليوم العصر إذا صار الظل مثلين وأما في اليوم الأول فصلى الظهر حين زالت الشمس
وصار الفيء مثل الشراك والعصر حين كان ظل كل شيء مثله وهكذا ورد في رواية أبي داود
والحاكم وصححه من حديث ابن عباس وفي روايتهم من حديث جابر وفي رواية البيهقي
والطبراني وإسحاق بن راهويه من حديث أبي مسعود الأنصاري وفي رواية البزار والنسائي
من حديث أبي هريرة وفي رواية عبد الرزاق من حديث عمرو بن حزم وفي رواية أحمد من
حديث أبي سعيد الخدري وغيرهم
وقال الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( شرح
معاني الآثار 1 / 89 ) بعد ذكر الروايات : ذكر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه صلى
الظهر حين زالت الشمس وعلى ذلك اتفاق المسلمين أن ذلك أول وقتها . وأما آخر وقتها
فإن ابن عباس وأبا سعيد وجابرا وأبا هريرة رووا أنه صلاها في اليوم الثاني حين كان
ظل كل شيء مثله فاحتمل أن يكون ذلك بعدما صار ظل كل شيء مثله فيكون هو وفت الظهر
ويحتمل أن يكون ذلك على قرب أن يصير ظل كل شيء مثله
وهذا جائز في اللغة فما روي أنه صلى الظهر في اليوم
الثاني حين صار ظل كل شيء مثله يحتمل أن يكون على قرب أن يصير ظل كل شيء مثله فيكون
الظل إذا صار مثله فقد خرج وقت الظهر والدليل على ما ذكرنا من ذلك أن الذين ذكروا
هذا عنه قد ذكروا عنه أيضا أنه صلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله
ثم قال : ما بين هذين وقت فاستحال أن يكون مابينهما وقت وقد جمعهما في وقت واحد
وقد دل على ذلك أيضا ما في حديث أبي موسى وذلك أنه قال في ما أخبر عن صلاته صلى
الله عليه و سلم في اليوم الثاني : " ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من العصر
" فأخبر أنه صلاها في ذلك اليوم في قرب دخول وقت العصر لا في وقت العصر فثبت
بذلك إذا أجمعوا في هذه الروايات أن بعدما يصير ظل كل شيء مثله وقت العصر وأنه
محال أن يكون وقت الظهر . وأما ما ذكر عنه في صلاة العصر فلم يختلف عنه أنه صلاها
في اليوم الأول في الوقت الذي ذكرناه عنه فثبت بذلك أنه أول وقتها وذكر عنه أنه
صلاها في اليوم الثاني حين صار ظل كل شيء مثليه فاحتمل أن يكون هو آخر وقتها الذي
خرج واحتمل أن يكون هو الوقت الذي لا ينبغي أن يؤخر الصلاة عنه وأن من صلاها بعده
إن كان قد صلاها في وقتها مفرط وقد دل عليه ما حدثنا ربيع المؤذن نا أسد نا محمد بن
الفضل عن الأعمش عن أبي صالح علن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و
سلم : " إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت العصر حين يدخل وقتها وإن آخر
وقتها حين تصفر الشمس " . ففي هذا أن آخر وقتها حين تصفر الشمس غير أن قوما
ذهبوا إلى أن آخر وقتها إلى غروب الشمس واحتجوا بما حدثنا ابن مرزوق نا وهب بن
جرير نا شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا : من أدرك ركعة من
صلاة الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب
الشمس فقد أدرك العصر . انتهى كلام الطحاوي ملخصا
( 13 ) بالنصب أي وصله
( 14 ) قوله : إذا غربت الشمس قال الطحاوي ( شرح معاني
الآثار 1 / 91 ، 92 ) وقد ذهب قوم
( قال العلامة العيني : وذهب طاوس وعطاء ووهب بن منبه
إلى أن أول وقت المغرب حين طلوع النجم وقال أبو بكر الجصاص الرازي : وقد ذهب شواذ
من الناس إلى أن أول وقت المغرب حين يطلع النجم . أماني الأحبار 2 / 921 ) . إلى
خلاف ذلك فقالوا : أول وقت المغرب حين يطلع النجم واحتجوا بما حدثنا فهد نا عبد
الله بن صالح أخبرني الليث بن سعد عن جبير بن نعيم عن ابن هبيرة الشيباني عن أبي
تميم عن أبي نصر الغفاري قال : صلى لنا رسول الله صلى الله عليه و سلم العصر فقال
: " إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها فمن حافظ عليها منكم أوتي
أجره مرتين ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد ويحتمل أن يكون الشاهد هو الليل وقد
تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه كان يصلي المغرب إذا توارت الشمس
بالحجاب
( 15 ) قوله : ما بينك وبين ثلث الليل تكلم الطحاوي في
" شرح معاني الآثار " ( 1 / 93 ، باب مواقيت الصلاة ) ها ههنا كلاما
حسنا ملخصه أنه قال : يظهر من مجموع الأحاديث أن آخر وقت العشاء حين يطلع الفجر
وذلك أن ابن عباس وأبا موسى وأبا سعيد رووا أن النبي صلى الله عليه و سلم أخرها
إلى ثلث الليل وروى أبو هريرة وأنس أنه أخرها حتى انتصف الليل وروى ابن عمر أنه
أخرها حتى ذهب ثلث الليل وروت عائشة أنه أعتم بها حتى ذهب عامة الليل وكل هذه
الروايات في " الصحيح " قال : فثبت بهذا كله أن الليل كله وقت لها ولكنه
على أوقات ثلاثة فأما من حين يدخل وقتها إلى أن يمضي ثلث الليل فأفضل وقت صليت فيه
وأما بعد ذلك إلى نصف الليل ففي الفضل دون ذلك وأما بعد نصف الليل فدونه ثم ساق
بسنده عن نافع بن جبير قال : كتب عمر إلى أبي موسى : وصل العشاء أي الليل شئت ولا
تغفلها
ولمسلم في قصة التعريس ( صحيح مسلم بشرح النووي 5 / 184
، باب قضاء الفائتة ط دار الفكر ) عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " ليس في
النوم تفريط وإنما التفريط أن يؤخر صلاة حتى يدخل وقت الأخرى " فدل على أن
بقاء وقت الأولى إلى أن يدخل وقت الأخرى كذا في " نصب الراية لتخريج أحاديث
الهداية " للزيلعي ( 1 / 234 ، 235 )
( 16 ) قوله : ثلث الليل بضمتين وقد يسكن الوسط وقد جاءت
على الوجهين أخواته إلى العشر ذكره النووي في شرح صحيح مسلم
( 17 ) قوله : فلا نامت عيناك وهو دعاء بنفي الاستراحة
على من يسهو عن صلاة العشاء وينام قبل أدائها كذا في " مجمع البحار " (
4 / 804 ) لمحمد طاهر الفتني
( 18 ) أعاد العامل اهتماما أو لطول الكلام فصلا
( 19 ) قوله : بغلس هو بفتح الغين المعجمة والباء
الموحدة وشين معجمة في رواية يحيى بن يحيى وزاد يعني الغلس وفي رواية يحيى بن بكير
والقعنبي وسويد بن سعيد بغلس قال الرافعي : هي ظلمة آخر الليل وقيل اختلاط ضياء
الصبح بظلمة الليل . وقال الخطابي : الغبش بالباء والشين المعجمة قيل الغبس بالسين
المهملة وبعده الغلس باللام وهي كلها في آخر الليل كذا في " تنوير الحوالك
على موطأ مالك " ( 1 / 18 ، 20 ) للسيوطي رحمه
( 20 ) قوله
: هذا قول أبي حنيفة ... إلخ إشارة إلى ما يشهد به ظاهر
حديث أبي هريرة فأنه يدل على بقاء وقت الظهر إلى المثل حيث جوز الظهر عند كون الظل
بقدر المثل وعلى أن وقت التصر حين يدخل ظل كل شيء مثليه حيث أخبر عن وقت العصر
بأنه إذا صار ظل كل شيء مثليه والذي يقتضيه النظر أنه ليس غرض أبي هريرة من هذا الكلام
بيان أوائل أوقات الصلاة ولا بيان أواخرها فإنه لو حمل على الأول لم يصح كلامه في
الظهر فإن أول وقته عند دلوك الشمس ولو حمل على الثاني لم يصح كلامه في العصر
والصبح فإن صيرورة الظل مثلين ليس آخر وقت العصر ولا الغلس آخر وقت الصبح بل غرضه
بيان الأوقات التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجبريل في اليوم الثاني
من يومي إمامته ليعرف به منتهى الأوقات المستحبة فإنه قد ورد في روايات من أشرنا
إليه سابقا وغيرهم أن جبريل أم النبي صلى الله عليه و سلم في يومين فصلى معه الظهر
في اليوم الأول حين زوال الشمس والعصر حين صار ظل كل شيء مثله والمغرب عند الغروب والعشاء
عند غيبوبة الشفق والصبح بغلس ثم صلى معه في اليوم الثاني الظهر حين صار ظل كل شيء
مثله والعصر حين صار ظل كل شيء مثليه والمغرب في الوقت الأول والعشاء عند ثلث
الليل والصبح بحيث أسفر جدا فبين أبو هريرة تلك الأوقات مشيرا إلى ذلك وزاد في العشاء
ما يشير إلى أن وقته إلى نصف الليل آخذا ذلك مما سمع عن رسول الله صلى الله عليه و
سلم أن للصلاة أولا وآخرا وأن أول وقت العشاء حين يغيب الشفق وأن آخر وقتها حين
ينتصف الليل أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( أخرجه الطحاوي في
باب مواقيت الصلاة 1 / 93 ) من حديثه والترمذي أيضا في جامعه ( أخرجه الترمذي في أبواب
الصلاة رقم 151 ) وأما الصبح فإن كان قد صلاها جبريل مع رسول الله صلى الله عليه و
سلم في اليوم الثاني حين أسفر لكن لما كان النبي صلى الله عليه و سلم داوم على
الغلس بعد ذلك إلا أحيانا أشار إلى كونه مستحبا واكتفى بذكره
وإذا تحقق هذا فليس في هذا الأثر ما يفيد مذهب أبي حنيفة
أنه يجوز الظهر إلى الظل ولا يدخل وقت العصر إلا عند الظلين
( 21 ) في نسخة : بالفجر قوله : وكان يرى الإسفار بالفجر
أي كان يعتقد أبو حنيفة استحباب الإسفار بالفجر وقد اختلفت فيه الأخبار القولية
والفعلية والآثار أما اختلاف الأخبار فمنها ما ورد في الإسفار ومنها ما ورد في التغليس
أما أحاديث الإسفار فأخرج أصحاب السنن الأربعة ( أخرجه
أبو داود في المواقيت 1 / 162 ، والترمذي في باب ما جاء في الإسفار بالفجر 1 / 290 ، والنسائي 1 / 94 ، وابن ماجه في باب
وقت الفجر 1 / 119 ، الطحاوي 1
/ 105 ،
والبيهقي في السنن الكبرى 1 / 277 ، والتلخيص الحبير : 1 / 182 ) وغيرهم من حديث
محمود بن لبيد عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "
أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر " . قال الترمذي : حديث حسن صحيح
وأخرجه ابن حبان بلفظ : " أسفروا بصلاة الصبح فإنه
أعظم للأجر " . وفي لفظ له : " فكلما أصبحتم بالصبح فإنه أعظم لأجوركم
" وفي لفظ للطبراني : " وكلما أسفرتم بالفجر فإنه أعظم للأجر "
وأخرجه أحمد في مسنده " من حديث محمود بن لبيد
مرفوعا والبزار في مسنده من حديث بلال نحوه
وأخرجه البزار من حديث أنس بلفظ : " أسفروا بصلاة
الفجر فإنه أعظم للأجر "
وأخرجه الطبراني والبزار من حديث قتادة بن النعمان
والطبراني أيضا من حديث ابن مسعود وابن حبان في " كتاب الضعفاء " من
حديث أبي هريرة والطبراني من حديث حوا الأنصارية بنحو ذلك
وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والطبراني عن رافع
بن خديج سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لبلال : " يا بلال نور بصلاة الصبح حتى
يبصر القوم مواضع نبلهم من الإسفار
"
وأخرجه أيضا ابن أبي حاتم في " علله " وابن عدي
في " كامله " وأخرج الإمام أبو محمد القاسم بن ثابت السرقسطي في "
غريب الحديث " عن أنس : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلي الصبح
حين يفسح البصر "
وأخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " من
حديث رافع مرفوعا : " نوروا بالفجر فإنه أعظم للأجر وعن بلال مثله وعن عاصم
بن عمرو عن رجال من قومه من الأنصار من الصحابة أنهم قالوا : قال رسول الله صلى
الله عليه و سلم : " أصبحوا الصبح فكلما أصبحتم فهو أعظم للأجر "
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة : أنه صلى
الله عليه و سلم كان ينصرف من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه "
وأخرجا أيضا عن ابن مسعود قال : " مارأيت رسول الله
صلى الله عليه و سلم صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع فإنه جمع بين المغرب والعشاء
بجمع وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها يعني وقتها المعتاد فإنه صلى هناك في
الغلس
وأخرج أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبيد عن أبي الدرداء
مرفوعا : " أسفروا بالفجر تغنموا
"
وأما أحاديث الغلس فأخرج ابن ماجة عن مغيث : صليت بعبد
الله بن الزبير الصبح بغلس فلما سلمت أقبلت على ابن عمر فقلت : ما هذه الصلاة ؟
قال : هذه كانت صلاتنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر فلما طعن
عمر أسفر بها عثمان
وأخرج مالك والبخاري ومسلم وغيرهم عن عائشة : كن نساء المؤمنين
يصلين مع رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبح ثم ينصرفن متلففات بمروطهن ما يعرفن
من الغلس
وأخرج أبو داود وابن حبان في " صحيحه " والحازمي
في " كتاب الناسخ والمنسوخ " عن أبي مسعود أنه صلى الله عليه و سلم صلى
الصبح بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ثم كانت صلاته بعد ذلك بالغلس إلى أن مات
ولم يعد إلى أن يسفر
وأخرج الطبراني في " معجمه " من حديث جابر : كان رسول الله
صلى الله عليه و سلم يصلي الظهر بالهاجرة والعصر والشمس حية والمغرب إذا وجبت
الشمس والعشاء إذا كثر الناس عجل وإذا قلوا أخر والصبح بغلس
وفي الباب أحاديث كثيرة مروية في كتب شهيرة
وأما اختلاف الآثار فأثر أبي هريرة المذكور في الكتاب
يدل على اختيار الغلس
وأخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( 1 /
106 ) عن قرة بن حبان
: تسحرنا مع علي فلما فرغ من السحور أمر المؤذن
فأقام الصلاة . وعن داود بن يزيد الأودي عن أبيه : كان علي يصلي بنا الفجر ونحن
نتراءى بالشمس مخافة أن يكون قد طلعت . وعن عبد خير : كان علي ينور بالفجر أحيانا
ويغلس بها أحيانا . وعن حرشة : كان عمر بن الخطاب ينور بالفجر ويغلس ويصلي في ما
بين ذلك ويقرأ بسورة يوسف ويونس وقصار المثاني والمفصل . وعن عبد الله بن عامر بن
ربيعة : صلينا وراء عمر بن الخطاب صلاة الصبح فقرأ فيها بسورة يوسف والحج قراءة
بطيئة فقلت : والله إذا لقد كان يقوم حين يطلع الفجر ؟ قال : أجل . وعن السائب : صليت خلف عمر
الصبح فقرأ فيها بالبقرة فلما انصرفوا استشرفوا الشمس فقالوا : طلعت فقال : لو
طلعت لم تجدنا غافلين . وعن زيد بن وهب : صلى بنا عمر صلاة الصبح فقرأ بني إسرائيل
والكهف حتى جعلت أنظر إلى جدار المسجد هل طلعت الشمس . وعن محمد بن سيرين عن
المهاجر أن عمر كتب إلى أبي موسى : أن صل الفجر بسواد أو قال فغلس وأطل القراءة
وعن أنس بن مالك : صلى بنا أبو بكر صلاة الصبح فقرأ
بسورة آل عمران فقالوا : كادت الشمس تطلع فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين
وعن عبد الرحمن بن يزيد : كنا نصلي مع ابن مسعود فكان
يسفر بصلاة الصبح
وعن جبير بن نفير : صلى بنا معاوية الصبح فغلس فقال أبو
الدرداء : أسفروا بهذه الصلاة
وعن إبراهيم النخعي قال : ما اجتمع أصحاب رسول الله صلى
الله عليه و سلم على شيء ما اجتمعوا على التنوير
وفي الباب آثار كثيرة وقد وقع الاختلاف باختلاف الأخبار
والآثار . فذهب الكوفيون : أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأكثر
العراقيين إلى أن الإسفار أفضل من التغليس في الأزمنة كلها وذهب مالك والليث بن
سعد والأوزاعي والشافعي وأحمد وأبو ثور وداود بن علي وأبو جعفر الطبري إلى أن الغلس
أفضل كذا ذكره ابن عبد البر ( الاستذكار 1 / 51 )
وقد استدل كل فرقة بما يوافقها وأجابه عما يخالفها فمن
المغلسين من قال : تأويل الإسفار حصول اليقين بطلوع الصبح وهو تأويل باطل يرده
اللغة . ويرده أيضا بعض ألفاظ الخبر الدالة صريحا على التنوير كما مر ومنهم من قال
: الإسفار منسوخ لأنه صلى الله عليه و سلم ـ أسفر ثم غلس إلى أن مات وهذا أيضا
باطل لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والاجتهاد ما لم يوجد نص صريح على ذلك ويتعذر
الجمع ومنهم من قال : لو كان الإسفار أفضل لما داوم النبي صلى الله عليه و سلم على
خلافه وهذا جواب غير شاف بعد ثبوت أحاديث الإسفار . ومنهم من ناقش في طرق أحاديث
الإسفار وهي مناقشة لا طائل تحتها إذ لا شك في ثبوت بعض طرقها وضعف بعضها لا يضر
على أن الجمع مقدم على الترجيح على المذهب الراجح
ومن المسفرين من قال : التغليس كان في الابتداء ثم نسخ
وفيه أنه نسخ اجتهادي مع ثبوت حديث الغلس إلى وفاته صلى الله عليه و سلم ومنهم من
قال : لو كان الغلس مستحبا لما اجتمع الصحابة على خلافه وفيه أن الإجماع غير
ثابت لمكان الاختلاف فيما بينهم . ومنهم من ادعى انتفاء الغلس عن النبي صلى الله
عليه و سلم أخذا من حديث ابن مسعود وغيره . وهذا كقول بعض المغلسين أن الإسفار لم
يثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم باطل فإن كلا منهما ثابت وإن كان الغلس أكثر .
ومنهم من قال : لما اختلفت الأحاديث المرفوعة تركناها ورجعنا إلى الآثار في
الإسفار وفيه أن الآثار أيضا مختلفة ومنهم من سلك مسلك المناقشة في طرق أحاديث
الغلس وهي مناقشة أخرى ( في نسخة : أخزى ) من المناقشة الأولى
ومنهم من سلك مسلك الجمع باختيار الابتداء في الغلس والاختتام
في الإسفار بتطويل القراءة وبه يجتمع أكثر الأخبار والآثار . وهذا الذي اختاره الطحاوي ( شرح معاني
الآثار 1 / 109 ) وحكم بأنه المستحب وأن أحاديث الإسفار محمولة على الاختتام في
الإسفار وأحاديث الغلس على الابتداء فيه وقال : هذا هو مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف
ومحمد وهو جمع حسن لولا ما دل عليه حديث عائشة من انصراف النساء بعد الصلاة
بمروطهن لا يعرفن من الغلس إلا أن يقال إنه كان أحيانا والكلام في هذا المبحث طويل
لا يتحمله هذا التعليق بل المتكفل له شرحي لشرح الوقاية
( 22 ) التنوين للتحقير والتقليل وهي كمية الفيء باختلاف
الفصول والأمكنة
( 23 ) قوله : فقد دخل وقت العصر به قال أبو يوسف والحسن
وزفر والشافعي وأحمد والطحاوي وغيرهم وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة على ما في عامة
الكتب ورواية محمد عنه على ما في " المبسوط " كذا في " حلية المحلى
شرح منية المصلى " ( هكذا في الأصل : هنا وفيما سيأتي مرارا وهو تحريف قطعا
والصواب : " حلبة المجلي شرح منية المصلي " بفتح الحاء من " حلبة
" وسكون اللام يليها باء موحدة والمجلي بضم الميم وفتح الجيم وكسر اللام
المشددة انظر هامش الأجوبة الفاضلة : ص 197 ) . لمحمد بن أمير حاج الحلبي وفي
" غرر الأذكار : : هو المأخوذ به وفي " البرهان شرح مواهب الرحمن "
: هو الأظهر وفي " الفيض " للكركي : عليه عمل الناس اليوم وبه يفتى . كذا
في " الدر المختار " والاستناد لهم بأحاديث : منها أحاديث التعجيل التي
ستأتي في الكتاب
ومنها أحاديث إمامة جبريل التي مرت الإشارة إليها وهي
أصرح من أحاديث التعجيل
ومنها حديث جابر المروي في سنن النسائي وغيره أنه صلى
الله عليه و سلم صلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله
وفي الباب آثار وأخبار كثيرة تدل على ذلك مبسوطة في
موضعها
( 24 ) قد ذكر جمع من الفقهاء رجوعه عنه إلى المثل
( 25 ) قوله : حتى يصير الظل مثليه أي سوى فيء الزوال في
بلدة يوجد هو فيها واستدلاله أحاديث
:
منها حديث علي بن شيبان : قدمنا على رسول الله صلى الله
عليه و سلم المدينة فكان يؤخر العصر ما دامت الشمس بيضاء نقية . رواه أبو داود
وابن ماجة . وهذا يدل على أنه كان يصلي عند المثلين
ومنها حديث جابر : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و
سلم حين صار ظل كل شيء مثليه . رواه ابن أبي شيبة بسند لا بأس به كذا ذكره العيني
في " عمدة القاري شرح صحيح البخاري " ( 5 / 33 ) . وفيه أنهما إنما
يدلان على جواز الصلاة عند المثلين لا على أنه لا يدخل وقت العصر إلا عند ذلك
ومنها أثر أبي هريرة المذكور في الكتاب وقد مر ما له وما
عليه
والإنصاف في هذا المقام أن أحاديث المثل صريحة صحيحة .
وأخبار المثلين ليست صريحة في أنه لا يدخل وقت العصر إلى المثلين وأكثر من اختار
المثلين إنما ذكر في توجيهه أحاديث استنبط منها هذا الأمر والأمر المستنبط لا
يعارض الصريح ولقد أطال الكلام في هذا المبحث صاحب " البحر الرائق " فيه
وفي رسالة مستقلة فلم يأت بما يفيد المدعى ويثبت الدعوى فتفطن
2 - أخبرنا مالك أخبرني ابن شهاب ( 1 ) الزهري ( 2 ) عن عروة ( 3 )
قال : حدثتني عائشة ( 4 ) رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي
العصر والشمس ( 5 ) في حجرتها ( 6 ) قبل ( 7 ) أن تظهر ( 8 )
_________
( 1 ) قوله : ابن شهاب الزهري قال النووي في "
تهذيب الأسماء واللغات " ( 1 /
90 ) : محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب
بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي أبو بكر القرشي
الزهري المدني . سكن الشام وكان بأيلة ويقولون : تارة الزهري وتارة ابن شهاب
ينسبونه إلى جد جده تابعي صغير سمع أنسا وسهل بن سعد والسائب بن زيد وأبا أمامة
وأبا الطفيل وروى عنه خلائق من كبار التابعين وأتباعهم روينا عن الليث بن سعد قال
: ما رأيت قط عالما أجمع من ابن شهاب ولا أكثر علما منه وقال الشافعي : لولا الزهري
لذهبت السنن من المدينة توفي في رمضان سنه 124 هـ ودفن بقرية أطراف الشام يقال لها
شغب . انتهى ملخصا
( 2 ) بضم الزاي وسكون الهاء نسبة إلى زهرة بن كلاب بن
مرة بن كعب بن لؤي كذا في " الأنساب "
( 3 ) قوله : عن عروة هو ابن الزبير بن العوام الأسدي
أبو عبد الله المدني قال ابن عيينة : أعلم الناس بحديث عائشة ثلاثة : القاسم وعروة
وعمرة بنت عبد الرحمن مات سنة 94 هـ كذا في " إسعاف السوطي " ( ص 29 )
( 4 ) قوله : حدثتني عائشة هي بنت أبي بكر الصديق زوجة
النبي صلى الله عليه و سلم وأحب أزواجه إليه تزوجها وهي ابنة ست سنين قبل الهجرة
بسنتين أو ثلاث وبنى بها بالمدينة وهي ابنة تسع وتوفيت سنة 57 هـ وقيل : سنة 58 هـ
قال الزهري : لو جمع علم عائشة إلى جميع علم أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم وعلم جميع
النساء لكان علم عائشة أفضل كذا في " استيعاب ابن عبد البر "
( 5 ) قوله : والشمس المراد من الشمس ضوءها لا عينها
والواو في قوله والشمس للحال كذا في " إرشاد الساري شرح صحيح البخاري "
للقسطلاني
( 6 ) أي : في داخل بيتها قال السيوطي : الحجرة : بضم
الحاء وسكون الجيم : البيت سمي به لمنعها المال
قوله : في حجرتها أي بيت عائشة كأنها جردت واحدة من
النساء وأثتتت لها حجرة وأخبرت بما أخبرت به وإلا فالقياس التعبير " بحجرتي
" كذا في " إرشاد الساري
"
( 7 ) قوله : قبل ... إلخ فإن قال قائل : ما معنى قولها
قبل أن تظهر الشمس والشمس ظاهرة على كل شيء من طلوعها إلى غروبها فالجواب أنها أرادت
: والفيء في حجرتها قبل أن تعلو على البيوت فكنت بالشمس عن الفيء لأن الفيء عن
الشمس كما سمي المطر سماء لأنه ينزل من السماء وفي بعض الروايات لم يظهر الفيء كذا
في " الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري " للكرماني
( 8 ) أي : قبل أن يعلو على الجدار كذا في "
الكواكب الدراري " يقال ظهرت السطح أي : علوته
قوله : تظهر قال الطحاوي : لا دلالة فيه على التعجيل
لاحتمال أن الحجرة كانت قصيرة الجدار فلم تكن الشمس تحتجب ( في الأصل : " فلم
يكن الشمس يحتجب " وهو خطأ ) عنها إلا بقرب غروبها فيدل على التأخير . وتعقب بأن
الذي ذكره من الاحتمال إنما يتصور مع اتساع الحجرة وقد عرف بالاستفاضة والمشاهدة
أن حجر أزواج النبي صلى الله عليه و سلم لم تكن متسعة ولا يكون ضوء الشمس باقيا في
قعر الحجرة الصغيرة إلا والشمس قائمة مرتفعة كذا في " فتح الباري شرح صحيح
البخاري " ( 2 / 21 . ولكن رد عليه العيني في عمدة القاري ( 2 / 539 ) بقوله :
قلت لا وجه للتعقب فيه لأن الشمس لا تحتجب عن الحجرة الصغيرة الجدار إلا بقرب
غروبها وهذا يعلم بالمشاهدة فلا يحتاج إلى المكابرة ولا دخل لاتساع الحجرة ولا
لضيقها وإنما الكلام في قصر جدرها ) للحافظ ابن حجر
3 - أخبرنا مالك قال : أخبرني ابن شهاب ( 1 ) الزهري عن أنس ( 2 )
بن مالك أنه قال : كنا نصلي العصر ( 3 ) ثم يذهب الذاهب ( 4 ) إلى ( 5 ) قباء ( 6 ) فيأتيهم ( 7 ) و
( 8 ) الشمس مرتفعة ( 9 )
_________
( 1 ) هو محمد بن مسلم الزهري
( 2 ) قوله : عن أنس بن مالك هو خادم رسول الله صلى الله
عليه و سلم خدمه عشر سنين ودعا له رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوله : "
اللهم أكثر ماله وولده وأدخله الجنة " مات سنه 102 هـ وقيل سنة 92 هـ وقد
جاوز المئة كذا في " إسعاف المبطأ برجال الموطأ " ( ص 7 ) للسيوطي
( 3 ) قوله : كنا نصلي العصر قال ابن عبد البر : هكذا هو
في " الموطأ " ليس فيه ذكر النبي صلى الله عليه و سلم ورواه عبد الله بن
نافع وابن وهب في رواية يونس بن عبد الأعلى عنه وخالد بن مخلد وابنه عامر العقدي
كلهم عن مالك عن الزهري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يصلي العصر
ثم يذهب الذاهب ... الحديث . وكذلك رواه عبد الله بن المبارك عن مالك عن الزهري
وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة جميعا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم
كان يصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء قال أحدهما : فيأتيهم وهم يصلون وقال
الآخر : فيأتيهم والشمس مرتفعة . ورواه أيضا كذلك معمر وغيره من الحفاظ عن الزهري فهو
حديث مرفوع
قلت : هو كذلك عند البخاري من طريق شعيب عن الزهري وعند
مسلم وأبي داود وابن ماجه من طريق الليث عن الزهري وعند الدارقطني من طريق إبراهيم
بن أبي عبلة عن الزهري كذا في " تنوير الحوالك على موطأ مالك " ( 1 / 26 ) للسيوطي
( 4 ) أي ممن صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم
قوله : ثم يذهب الذاهب قال الحافظ ابن حجر : أراد نفسه
لما أخرجه النسائي والطحاوي من طريق أبي الأبيض عن أنس قال : كان رسول الله صلى
الله عليه و سلم يصلي بنا العصر والشمس بيضاء محلقة ثم أرجع إلى قومي فأقول لهم :
قوموا فصلوا فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد صلى
قلت : بل أعم من ذلك لما أخرجه الدار قطني والطبراني من
طريق عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس قال
: كان أبعد رجلين من الأنصار من رسول الله صلى الله عليه
و سلم دارا أبو لبابة بن عبد المنذر وأهله بقباء وأبو عبس بن جبر ومسكنه في بني
حارثة فكانا يصليان مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم يأتيان قومهما وما صلوا لتعجيل
رسول الله صلى الله عليه و سلم بها كذا في " تنوير الحوالك " ( 1 / 26 )
( 5 ) إلى قبا قال النسائي : لم يتابع مالك على قوله
" إلى قبا " والمعروف " إلى العوالي " . وقال الدارقطني : رواه
إبراهيم بن أبي عبلة عن الزهري فقال إلى العوالي وقال ابن عبد البر : الذي قاله
جماعة أصحاب ابن شهاب عنه " إلى العوالي " وهو الصواب عند أهل الحديث
وقول مالك " إلى قبا
" وهم لا شك فيه إلا أن المعنى متقارب فإن العوالي
مختلفة المسافة فأقربها إلى المدينة ما كان على ميلين أو ثلاثة ومنها ما يكون على
ثمانية أميال ومثل هذا هي المسافة بين قبا والمدينة . وقد رواه خالد بن مخلد عن
مالك فقال : إلى العوالي وسائر رواة " الموطأ " يقولون : إلى قباء وقال
الحافظ ابن حجر : نسبه الوهم فيه إلى مالك منتقد فإنه إن كان وهما احتمل أن يكون منه
وأن يكون من الزهري حين حدث به مالكا فإن الباجي نقل عن الدارقطني أن ابن أبي ذئب
رواه عن الزهري " إلى قبا " كذا في " تنوير الحوالك " ( 1 /
26 - 27 )
( 6 ) قوله : قباء قال النووي : يمد ويقصر ويصرف ولا
يصرف ويذكر ويؤنث والأفصح التذكير والصرف والمد وهو على ثلاثة أميال من المدينة كذا
في " تنوير الحوالك " ( 1 / 26 )
( 7 ) أي يأتي الذاهب إلى أهل قبا
( 8 ) الواو حالية
( 9 ) أي ظاهرة عالية
قوله : والشمس مرتفعة المعنى الذي أدخل مالك هذا الحديث
في " موطئه " تعجيل العصر خلافا لأهل العراق الذي يقولون بتأخيرها نقل ذلك
خلفهم عن سلفهم بالبصرة والكوفة قال الأعمش : كان إبراهيم يؤخر الصلاة جدا وقال
أبة قلابة : وإنما سميت العصر لتعصر . وأما أهل الحجاز فعلى تعجيل العصر سلفهم وخلفهم
كذا في " الاستذكار " ( 1 / 70 )
4 - أخبرنا مالك أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ( 1 ) عن
أنس بن مالك ( 2 ) قال : كنا ( 3
) نصلي ( 4 ) العصر ثم يخرج الإنسان ( 5 ) إلى بني عمرو
بن عوف ( 6 ) فيجدهم ( 7 ) يصلون العصر
قال محمد : تأخير العصر ( 8 ) أفضل ( 9 ) عندنا ( 10 ) من تعجيلها
إذا صليتها ( 11 ) والشمس ( 12 ) بيضاء نقية ( 13 ) لم تدخلها صفرة ( 14 ) وبذلك (
15 ) جاءت عامة الآثار ( 16 ) وهو ( 17 ) قول أبي حنيفة ( 18 )
وقد قال ( 19 ) بعض الفقهاء ( 20 ) : إنما سميت العصر
لأنها ( 21 ) تعصر وتؤخر ( 22 )
_________
( 1 ) قوله : أخبرنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال
السيوطي ( الإسعاف : ص 6 ) : وثقه أبو زرعة وأبو حاتم والنسائي وقال ابن معين : ثقة
حجة مات سنة 134 هـ
( 2 ) هذا الحديث قد أخرجه البخاري ومسلم من طريق مالك
والنسائي وغيرهم
( 3 ) قوله : كنا نصلي العصر ... . إلخ قال ابن عبد البر
: هذا يدخل عندهم في المسند فصرح برفعه ابن المبارك وعتيق بن يعقوب الزهري كلاهما
عن مالك بلفظ كنا نصلي العصر مع النبي صلى الله عليه و سلم . انتهى . وهذا اختيار الحاكم
أن قول الصحابي كنا نفعل كذا مسند ولو لم يصرح بإضافته إلى النبي صلى الله عليه و
سلم وقال الدارقطني والخطيب : وهو موقوف قال الحافظ عبد الحق : إنه موقوف لفظا
مرفوع حكما قاله الزرقاني ( 1 / 24
)
( 4 ) أي في مسجد المدينة
( 5 ) ممن صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم
( 6 ) قال العيني في " عمدة القاري شرح البخاري
" ( 5 / 36 ) كانت منازلهم على ميلين بقبا
( 7 ) قوله : فيجدهم يصلون كان رسول الله صلى الله عليه
و سلم يعجل ( في الأصل : " يعجل " والظاهر : " يعجل العصر " )
في أول وقتها ولعل تأخيرهم لكونهم كانوا أهل أعمال في زروعهم وحوائطهم فإذا فرغوا
من أعمالهم تأهبوا للصلاة بالطهارة وغيرها ثم اجتمعوا لها فتأخرت صلاتهم إلى وسط
الوقت
قال النووي : هذا الحديث حجة على الحنفية حيث قالوا : لا
يدخل وقت العصر حتى يصير ظل كل شيء مثليه كذا في " الكواكب الدراري "
( 8 ) أي لا في يوم غيم
( 9 ) قوله : أفضل علله صاحب " الهداية "
وغيره من أصحابنا بأن في تأخيره تكثير النوافل لكراهتها بعده وهو تعليل في مقابلة
النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على فضيلة التعجيل وهو كثيرة مروية في الصحاح الستة
وغيرها ( إن تعليل صاحب " الهداية " بتكثبر النوافل ليس بمقابلة النصوص
الصحيحة الصريحة في أفضلية التعجيل وما روي منها في الصحاح الستة وغيرها ليس شيء
منها مما يشير إلى أفضلية أول الوقت وما روى أبو داود عن شيبان بن علي صريح في التأخير
ونفي التعجيل وأنه يقطع منه بالتأخير الكامل إلى آخر الوقت المستحب وأنه غير مستحب
عندنا حتى يحتمل وقوعها في شيء من الوقت المكروه على أنا بصدد المنع . ( تنسيق
النظام ص 43 ) ) وقد مر نبذ منها في الكتاب وذكر العيني في " البناية شرح
الهداية " لأفضلية التأخير أحاديث
:
الأول
: ما أخرجه أبو داود عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن
أبيه عن جده قال : قدمنا على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة فكان يؤخر
العصر مادامت الشمس بيضاء نقية
والثاني : ما أخرجه الدارقطني عن رافع بن خديج أن رسول
الله صلى الله عليه و سلم كان يأمر بتأخير هذه الصلاة يعني العصر
والثالث : ما أخرجه الترمذي عن أم سلمة : كان رسول الله
صلى الله عليه و سلم أشد تعجيلا للظهر منه
والرابع : ما أخرجه الطحاوي عن أنس : كان النبي صلى الله
عليه و سلم يصلي العصر والشمس بيضاء
ولا يخفى على الماهر ما في الاستناد بهذه الأحاديث
أما الحديث الأول فلا يدل إلا على أنه كان يؤخر العصر ما
دام كون الشمس بيضاء وهذا أمر غير مستنكر فإنه لم يقل أحد بعدم جواز ذلك والكلام
إنما هو في أفضلية التأخير وهو ليس بثابت منه
لا يقال : هذا الحديث يدل على أن التأخير كان عادته يشهد
به لفظ " كان " المستعمل في أكثر الأحاديث لبيان عادته المستمرة لأنا
نقول : لو دل على ذلك لعارضه كثير من الأحاديث القوية الدالة على أن عادته كانت
التعجيل فالأولى أن لا يحمل هذا الحديث على الدوام دفعا للمعارضة واعتبارا لتقديم
الأحاديث القوية
وأما الثاني فقد رواه الدارقطني في " سننه "
عن عبد الواحد بن نافع قال : دخلت مسجد الكوفة فأذن مؤذن بالعصر وشيخ جالس فلامه
وقال : إن أبي أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يأمر بتأخير هذه
الصلاة فسألت عنه فقالوا : هذا عبد الله بن رافع بن خديج . ورواه البيهقي في " سننه
" وقال : قال الدارقطني في ما أخبرنا عنه أبو بكر بن الحارث : هذا حديث ضعيف
الإسناد والصحيح عن رافع ضده ولم يروه عن عبد الله بن رافع غير عبد الواحد بن نافع
وهو يروي عن أهل الحجاز المقلوبات وعن أهل الشام الموضوعات لا يحل ذكره في الكتب
إلا على سبيل القدح فيه . انتهى . ورواه البخاري في " تاريخه الكبير " في ترجمة
عبد الله بن رافع : حدثنا أبو عاصم عن عبد الواحد بن نافع وقال . . لا يتابع عليه
يعني عن عبد الله بن رافع وقال ابن القطان : عبد الواحد بن نافع مجهول الحال مختلف
في حديثه ( في الجوهر النقي ( 1 / 441 - 442 ) : قلت : ذكر ابن حبان في ثقات
التابعين عبد الله بن رافع وذكر في ثقات أتباع التابعين عبد الواحد بن نافع وأخرجه
الحاكم بسنده وقال : صحيح على شرط البخاري ) . كذا ذكره الزيلعي في " تخريج
أحاديث الهداية "
وأما الثالث فإنما يدل على كون التعجيل في أظهر أشد من
التعجيل في العصر لا على استحبابه تأخير العصر
وأما الرابع فلا يدل أيضا على استحباب التأخير
ومن الآثار المقتضية للتأخير ماروي عن زياد بن عبد لله
النخعي : كنا جلوسا مع علي رضي الله عنه في المسجد الأعظم فجاء المؤذن فقال :
الصلاة فقال اجلس فجلس ثم عاد فقال له ذلك فقال علي : هذا الكلب يعلمنا الصلاة
فقام علي فصلى بنا العصر ثم انصرفنا فرجعنا إلى المكان الذي كنا فيه جلوسا فجثونا للركب
لنزول الشمس للغروب نتراآها
أخرجه الحاكم وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأخرجه
الدارقطني وأعله بأن زياد بن عبد الله مجهول ( ذكره ابن حبان في ثقات التابعين :
الثقات لابن حبان 4 / 256 ) ومما يدل على التأخير ما أخرجه الطحاوي في " شرح
معاني الآثار " عن عكرمة قال : كنا في جنازة مع أبي هريرة فلم يصل العصر حتى
رأينا الشمس على رأس أطول جبل بالمدينة
وقد أورد الطحاوي آثارا أخر أثبت بها ألتأخير وأجاب عن
أحاديث التعجيل بجوابات لا يخلو واحد منها عن مناقشة وليس هذا موضع بسطه ( قلت :
أحاديث التبكير والتعجيل ليست بألفاظها مفسرة بل نصوصا في الأداء لأول وقتها بل ظاهرة
فيه لولا قرائن صارفة عن هذا المعنى بل التعمق يرشد إلى أن المراد منها التعجيل
والتقدم على صفرة الشمس ودخول وقت الكراهة وبيان التبكير والتأكيد فيه لأنه لا يقع
في هذا الوقت المكروه أو ينقضي وقتها كما يشير إليه كثير من ألفاظ الأحاديث كحديث
صلاة المنافق فيه فنقر أربعا وغير ذلك وذلك لأن الأخبار بعد الاستقصاء في باب
التعجيل عامتها ترجع إما إلى ما فيه ألفاظ مبهمة ككون الشمس حية ونقية بيضاء
وككونها في حجرة عائشة وغير ذلك مما لا قاطع فيه بالأداء في أول الوقت بل هو شامل
إلى آخر مايدخلها الصفرة أي آخر الوقت المستحب " تنسيق النظام " ص 43 )
( 10 ) معاشر الحنفية أو معاشر أهل الكوفة
( 11 ) أيها المصلي
( 12 ) الواو حالية
( 13 ) أي مطهرة من اختلاط الاصفرار
( 14 ) قوله : لم تدخلها صفرة فإن دخلتها صفرة كرهت
الصلاة . ذكره الطحاوي في " شرح معاني الآثار " . واختلفوا في مقدار
تغير الشمس فقدره بعضهم بأنه إذا بقي مقدار رمح لم يتغير ودونه يتغير وعن إبراهيم
النخعي وسفيان الثوري الأوزاعي أنه يعتبر التغير في ضوئها وبه قال الحاكم الشهيد
وعليه ظاهر ما في " محيط رضي الدين " وذكر محمد في " النوادر
" عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يعتبر التغير في قرص الشمس لا في الضوء ونسبه
شمس الأئمة السرخسي إلى الشعبي كذا في " حلبة المجلي شرح منية المصلي "
( 15 ) أي بالتأخير
( 16 ) قوله : عامة الآثار أي أكثر الأخبار المأثورة عن
النبي صلى الله عليه و سلم أو عن أصحابه فإن الأثر ( 1 / 63 . وانظر تدريب الراوي
1 / 43 ) في عرف القدماء يكلق على كل مروي مرفوعا كان أو موقوفا ومن ثم سمى الطحاوي
كتابه " شرح معاني الآثار " وكتابا آخر سماه " مشكل الآثار "
مع أنه ذكر فيه الأحاديث المرفوعة أكثر وقال النووي في شرح صحيح مسلم : المذهب
المختار الذي قاله المحدثون وغيرهم واصطلح عليه السلف وجماهير الخلف أن الأثر يطلق
على المروي مطلقا وقال الفقهاء الخراسانيون : الأثر : ما يضاف إلى الصحابي موقوفا
عليه . انتهى . وقد بسطت الكلام فيه في شرح رسالة أصول الحديث المنسوبة إلى السيد
الشريف المسمى بـ " ظفر الأماني ( ص 4 ، 5 ) في المختصر المنسوب إلى الجرجاني
" فليطالع
( 17 ) أي التأخير
( 18 ) قوله
: قول أبي حنيفة وبه قال أبو قلابة محمد بن عبد الملك
وإبراهيم النخعي والثوري وابن شبرمة وأحمد في رواية وهو قول أبي هريرة وابن مسعود
وقال الليث والأوزاعي والشافعي وإسحاق وغيرهم : إن الأفضل التعجيل كذا في " البناية
" للعيني وأخرج الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( 1 / 115 ) عن صالح
بن عبد الرحمن نا سعيد بن منصور نا هشيم أنا خالد عن أبي قلابة : إنما سميت العصر
لتعصر وتؤخر ثم قال الطحاوي : فأخبر أبو قلابة أن اسمها هذا لأن سببها أن تعصر
وهذا الذي استحسناه من تأخير العصر من غير أن يكون ذلك إلى وقت قد تغيرت فيه الشمس
أو دخلتها صفرة وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وبه نأخذ . انتهى
وأخرج أيضا عن أبراهيم النخغي استحباب التأخير وأن أصحاب
عبد الله بن مسعود كانوا يؤخرون
( 19 ) تأييد لما ذهب إليه بالاستنباط من لفظ العصر
التأخير
( 20 ) المراد به أبو قلابة كما يعلم من "
الاستذكار " ( 1 / 70 )
( 21 ) أي صلاة العصر
( 22 ) قوله : لأنها تعصر وتؤخر قد يقال : إنما سمي العصر
عصرا لأنها تعصر وتقع في آخر النهار فهي مؤخرة عن جميع صلوات النهار ووقتها مؤخر
عن جميع أوقات صلوات النهار لا لأنها تعصر عن أول وقتها
=
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق